ليان الحلبي – عنب بلدي
ترقبٌ حذر يعيشه أهالي حلب بانتظار «الفتح» الذي أعلنت عنه غرفة عمليات تنضوي تحت رايتها أغلب كتائب المدينة، مطلع أيار الجاري لتحرير ما تبقى من أحياء المدينة الواقعة تحت سيطرة الأسد.
أسئلة كثيرة تعكس التوتر في أحياء حلب، كموعد بدء المعارك، مصير المدنيين، الخطوات الاستباقية للفتح والتحضيرات لما بعده.
مواقف العسكريين والسياسيين في غرفة العمليات، استطلعتها عنب بلدي وكشفت عن رؤيتهم للمرحلة المقبلة.
لماذا تأخرت المعارك إلى اليوم؟
«أسباب التأخير خير فلا نريد التعجّل والوقوع في حالة العشوائية التي عشناها بدايات الثورة»، يقول زكريا ملاحفجي، من المكتب السياسي لتجمع «فاستقم كما أمرت»، موضحًا أنها ليست ضعف إرادة وعزيمة من الفصائل على الإطلاق.
فيما يوضح صقر أبو قتيبة، قائد التجمع وعضو في مجلس شورى غرفة العمليات، أن أهم أسباب التأخير الحالة التنظيمية والإدارية التي تعيشها الغرفة، فمنذ تشكيلها وكل النقاشات تدور حول إدارة المناطق التي ستحرر «بعد أربع سنوات من العشوائية ما عاد لنا حجة أبدًا».
كما استنزفت الفصائل المقاتلة جهودها وإمكانياتها على مدار عامين في قتال قوات الأسد وميليشياته الطائفية من جهة وتنظيم «الدولة الإسلامية» من جهة، ما يستدعي وقتًا وجهدًا في الحشد والتهيئة والتذخير.
«بإمكاننا فتح مدينة كاملة خلال ساعات»
بدوره، يعتبر أبو عمر الحموي، قائد لواء الشيخ عبد الله عزام التابع لحركة أحرار الشام، البدء بعملية تحرير حلب بهذا التوقيت أمرًا جيدًا، خصوصًا أنه يتزامن مع تقدم «المجاهدين» في كافة أنحاء سوريا، الأمر الذي سيصيب نظام الأسد بتشتت كبير، ما يؤدي إلى انهياره.
يجب على «فتح حلب» التنسيق مع جيش الفتح في إدلب لتوجيه ضربات قاصمة للنظام في وقت واحد والحصول على نتائج أكبر، وفق أبو عمر، الذي يضيف «الحرب في سوريا تغيرت بشكل جذري خصوصًا بعد تحرير معسكري وادي الضيف والحامدية؛ بتوحدنا انتقلنا فعليًا من مرحلة حرب العصابات إلى حرب الجيوش».
ويردف الحموي، الذي قاد معركة تحرير معسكر الحامدية أواخر العام الماضي، «في السابق كانت المعارك لا تتعدى مناطق صغيرة وحواجز معدودة، أما الآن فأصبح بإمكاننا فتح مدينة كاملة بمدة قصيرة وتنسيق عالٍ، كما حصل في أريحا قبل أيام، فقد حررت خلال 4 ساعات فقط»، معقبًا «قوات الأسد وكل الميليشيات الطائفية المساندة له تنهار أمام ضربات المجاهدين بسرعة قياسية».
المدينة أولًا أم النقاط العسكرية في محيطها؟
يتساءل أهالي المدينة وناشطوها عن جدوى تحرير الأحياء الغربية المحاصرة، بينما لا تزال نقاط عسكرية هامة في محيطها بيد الأسد كسيفات وباشكوي والمطارات الحربية.
وهنا تؤكد غرفة العمليات لعنب بلدي أنها وضعت ضمن أولوياتها إنهاء الجيوب الأمنية والعسكرية للنظام حول المدينة وداخلها للتخفيف ما أمكن من استثمار النظام لها في قصف المدنيين، قبل تحرير باقي أحياء المدينة.
ويضيف أبو قتيبة «لا يمنع ذلك من ضرورة تحرير بعض الأحياء التي تضم مراكز عسكرية هامة كالأكاديمية العسكرية، وتفضي السيطرة عليها إلى تحرير قطاع كبير من الحمدانية وحلب الجديدة».
مؤسسات ما بعد الفتح
عقد تجمع «فاستقم كما أمرت» وفصائل عسكرية أخرى مع مجلس مدينة حلب اجتماعًا قبل 10 أيام انبثق عنه ميثاق مشترك، يؤكد أن إدارة الأحياء ستكون مدنيةً، والعسكر هم جهة ضابطة ومراقبة وحماية.
وعليه، يوضح أبو خالد عزيزة، قائد عسكري في لواء السلام «اتفقنا على خطة عمل لإدارة المناطق التي ستحرّر وتحوي البنى التحتية والجامعة والمراكز التجارية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وذلك من قبل كوادر متخصصة».
وجمعت لقاءاتٌ ناشطين بمنظمات الدفاع المدني والهيئات الإغاثية والطبية لتأمين الوقود والمواد الأولية وتشغيل المشافي والمؤسسات الحكومية، في حال قطع النظام الكهرباء والمياه والخدمات عن تلك الأحياء، وفق ما ينقله زكريا ملاحفجي.
وفي حديث مع أحمد ديري، رئيس الإدارة المحلية للمجلس المحلي في مدينة حلب، أكّد وجود «شبه توافق» على أن تكون إدارة مدنية مع تفاوت في تعريف وتوصيف معنى الإدارة بين المشاركين.
«هناك فصائل تملك كادرًا كبيرًا من الكفاءات العلمية طرحت إدارةً مدنية بمشاركة كوادرها، بينما أصرّ آخرون على أن تكون بإدارة الفعاليات المدنيّة الموجودة على الأرض والمشهود لها بالإخلاص مثل مجلس المدينة والدفاع المدني والصحة والتربية وغيرها»، يضيف أحمد.
ورفضت بعض الفصائل التوقيع على الميثاق، وفق ما يوضحه أبو قتيبة «هذا الميثاق أهم محاور عمل الغرفة، لكن بعض الفصائل لها منهجية معينة وأفكار مغايرة لذلك لم توقّع».
كتائب «سيئة السمعة».. ماذا عن مصير المدنيين و»الشبيحة»؟
تؤكّد غرفة العمليات حرصها على سلامة المدنيين بجميع طوائفهم وأديانهم، وكذلك سلامة وأمان من ينشق ويلقي السلاح من مجندي و»شبيحة» النظام.
«لا مشكلة لنا حتى مع المسؤولين العاملين ضمن مؤسسات الدولة الذين لم يشاركوا النظام في إجرامه» وفق تعبير زكريا ملاحفجي، موضحًا «سيستمرون في عملهم بالتنسيق مع المجالس المحلية وأهل الكفاءات».
بينما يتخّوف بعض ناشطي حلب من مشاركة كتائب «سيئة السمعة» ضمن غرفة الفتح، كان لها سوابق في قصف المدنيين في مناطق النظام بالقذائف والجرات العشوائية، ويُشكّكون بأهداف ونوايا هذه الكتائب كالثأر والسرقة والسلطة وغيرها.
لكنّ ملاحفجي يردّ بأن هذه الفصائل تعمل أصلًا تحت إمرة قيادة الغرفة المسؤولة عن متابعتها وضبطها، بينما يكشف أبو قتيبة عن «وحدة أمنية» مهمتها ضبط تجاوزات قد تصدر عن بعض الفصائل أو شبيحة النظام ومنع أي سرقات للممتلكات العامة وبيوت المدنيين، كما نسقت الغرفة مع قائد الشرطة الحرة، العميد أديب شلاف، الذي أكّد بدوره، دخول أعداد كبيرة من عناصر الشرطة إلى الأحياء الجديدة لضبط التجاوزات والشوارع وحركة السير.
«داعش» تضرب الخاصرة الشمالية
من جهته يحاول تنظيم الدولة عرقلة المعارك، وقد بدأ الأسبوع الماضي بالاقتراب من المنطقة الصناعية في الشيخ نجار كما هاجمت صباح الجمعة 29 أيار ريف حلب الشمالي وسيطرت على نقاط فيه.
وبعد اشتباكات عنيفة ليل أمس السبت، أكمل التنظيم سيطرته على صوران أعزاز بالإضافة إلى «البل» و «التقلي» وأعدم عددًا من مقاتلي الجيش الحر، ليغدو مقاتلوه على بعد 16 كيلومترًا من أعزاز ومعبر باب السلامة، في محاولةٍ لحصار الأحياء التي تتركز فيها فصائل المعارضة.
يقول أبو خالد عزيزة «النظام وداعش وجهان لعملة واحدة ونحن تجهّزنا لجميع الاحتمالات وخصصنا مقاتلين لصد أي هجوم متوقّع من قبل داعش».
إلى ذلك ركّز الأسد قصفه الأحياء المحررة خلال اليومين السابقين بالبراميل المتفجرة والصواريخ الموجهة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شهيد خلال يومي الجمعة وأمس السبت، وسط «إدانات» دولية لإيقاف الحملة العنيفة.
هل ستشارك النصرة في معركة الفتح؟
لم تدخل جبهة النصرة -إلى الآن- في غرفة عمليات فتح حلب، لكنّ «أبو قتيبة» يؤكّد أن الباب مفتوح لجميع الفصائل للمشاركة.
وعن تخوف البعض من سيطرة الأعلام السوداء على الأحياء المحررة لاحقًا، يوضح أبو قتيبة أن معظم فصائل حلب هي من الفصائل الثورية من المدينة، وأما الفصائل المنهجية الأخرى فعددها أقل، مشيرًا إلى أن جميع الفصائل ترفع رايات الفصيل الذي تنتسب إليه إضافة إلى علم الثورة.
ويضيف أبو خالد عزيزة «نتكلم عن إدارة مدنية وبالتالي سترفع أعلام الاستقلال».
تذهب تحليلات سياسية إلى أن تحرير محافظة إدلب مؤخرًا كان وراءه دعم خارجي سهّل العملية، لكن جيش الفتح نفى ذلك؛ واليوم يطرح السؤال مجددًا: هل هناك قرارٌ دولي بتحرير كامل مدينة حلب؛ وهل تلقّت الغرفة دعمًا خارجيًا؟
تنفي غرفة عمليات فتح حلب لعنب بلدي وجود قرار دولي أو دعم خارجي حتى اللحظة، مؤكدةً أن قرار التحرير نابع من إرادة الفصائل والثوار ولا أحد ينتظر القرار من أي دولة أخرى، ومطالبةً بتفاعل الدول الأصدقاء والأشقاء، لا أكثر.