عنب بلدي – درعا
“في بداية الشك بسلامة الكتلة من عدمها، أرسلت عينة منها للعاصمة دمشق عن طريق مخبر على حسابي الشخصي، وانتظرت أسبوعًا حتى جاءت النتيجة”، تقول “أم عبدو” (55 عامًا)، المصابة بمرض السرطان من مدينة درعا، وتوضح أنها فضلت إرسال العينة عن طريق المخبر لتوفير عناء السفر والانتظار، متمنية لو توفر المخبر في محافظة درعا.
كذلك اضطر حسين محمد (40 عامًا) لإرسال العينات عن طريق المخبر، واستغرب خلو محافظة كاملة من مخبر كهذا.
حال هذين المصابين مشابه لكثيرين من المرضى في درعا، بحاجة لتحليل التشريح المرضي، بعد خلوها من مخابر مختصة بهذا المجال، إذ يعتمد المرضى على إرسال عينات إلى المخابر أو السفر إليها، عند الحاجة لإجراء تحليل الأورام أو تطابق النسج العصبية، وفي كلتا الحالتين يعتبر الأمر مكلفًا من الناحية المادية ومرهقًا للمريض من الناحية الصحية.
لماذا هذا النقص؟
وصرح مدير صحة درعا، الطبيب أشرف برمو، لصحيفة “تشرين” الحكومية، أن المحافظة تخلو من طبيب مختص بالتشريح المرضي، وفي حال وجود أطباء مختصين يتم توفير مخابر مختصة بالتشريح المرضي.
اختصاصي مخبري في درعا، تحفظ على ذكر اسمه، أرجع عدم وجود مخبر تشريح خاص إلى غياب الجدوى الاقتصادية (الربح)، لأن مخبر التشريح مختص فقط بتحليل الأورام الصلبة وتحليل الأنسجة العصبية، فإذا أراد أن يتبرع أحد الأشخاص بكلية لمريض آخر، عليه أن يجري تحليل مطابقة نسج، وهذا غير متوفر في درعا.
وأوضح المخبري، “نظرًا لندرة الحالات فالأمر غير مربح للقطاع الخاص، على عكس العاصمة دمشق ذات الكثافة السكانية العالية، والتي ترسل إليها عينات من المحافظات كافة، كما أن هذا النوع من التحاليل يحتاج إلى مخبر وطبيب مختص”.
كما أنه لا يوجد طبيب مختص في المخبر التابع لهيئة مشفى درعا الوطني المعطل منذ عام 2011، بسبب مغادرة الطبيب المختص سوريا، بالإضافة إلى النقص في بعض الأجهزة التي من الممكن توفيرها في حال توفر الطبيب، بحسب تصريح مدير الهيئة العامة لمشفى درعا الوطني، بسام الحريري، لصحيفة “تشرين” الحكومية نهاية تشرين الثاني الماضي.
وتشحن العينات من المخبر في درعا إلى مخبر متخصص في دمشق، وتحفظ الكتلة (العينة) بمحاليل كيميائية (المصل الفيزيولوجي، والاتنول، والفورمول)، كما تحفظ ضمن حافظة تؤمّن لها درجة الحرارة المطلوبة، وذلك يوفر على المريض عناء السفر وانتظار النتيجة في دمشق، التي تحتاج عدة أيام.
ويقتصر عمل المخابر في درعا على تحليل جميع السوائل الحيوية، مثل الدم والبول وسائل النخاع الشوكي، وسوائل أخرى مثل الجنب والحبن والتامور.
ارتفاع أجور التحليل
وارتفعت أجور التحاليل الطبية بموجب نشرة رسمية لتصبح 300 ليرة سورية لكل وحدة تحليل، مع بداية تشرين الثاني الماضي، بناء على كتاب من وزارة الصحة والهيئة العامة للمخابر.
وجاء في كتاب هيئة مخابر التحاليل الطبية في سوريا أن زيادة سعر الوحدة جاءت نتيجة للضغوط التي تعيشها مهنة التشخيص المخبري، وللمحافظة على جودة العمل المخبري بالمستوى المقبول، والسعي لتأمين متطلبات العمل المخبري وتحقيق مستوى معيشي مقبول يليق بالمخبريين.
وأضاف الكتاب أن استبيان تعديل سعر الوحدة المخبرية، كان نتيجة طلب 80% من المشاركين.
وأوضح مدير مخبر في درعا، لعنب بلدي، أن الارتفاع جاء بناء على كتاب من وزارة الصحة، يرفع من خلاله سعر الوحدة 100 ليرة مقارنة بالسعر القديم 200 ليرة، ليصبح 300 ليرة حاليًا.
وينقسم تحليل العينات لعدد من الوحدات، كتحليل السكر الذي يتألف من وحدتين، وقد تصل بعض التحاليل إلى 30 وحدة، ما سبب تذمرًا واستهجانًا من قبل مراجعين تضخمت بالنسبة إليهم أجور التحليل.
وكان سعر تحليل الوحدة قبل عام 2011 قرابة 50 ليرة أي ما يعادل دولارًا أمريكيًا آنذاك.
ورغم استهجان المراجعين، يرى المخبري الذي قابلته عنب بلدي أن معظم المخابر الخاصة تفضل الاعتماد على مواد مخبرية مستوردة، وهو ما يكلف أصحابها أجورًا أعلى من الاعتماد على المواد المحلية، ويشير إلى اختلاف سعر المستهلكات الطبية ونوعية الأجهزة باختلاف الدولة المنتجة.
هيثم خليل، من سكان مدينة درعا، قال لعنب بلدي إن “تكاليف العلاج أصبحت مرتفعة بشكل عام، ابتداء من كشفية الطبيب حتى الدواء، وأخيرًا تفاجأت بارتفاع تكاليف التحاليل، صرنا نخاف من المرض ونحسب حساب تكلفة العلاج أكثر من المرض بحد ذاته”.
وأكد أن تسعيرة نفس التحليل الذي أجراه الشهر الماضي تغيرت بداية الشهر الحالي لتصبح ثلاثة أضعاف، مضيفًا، “الكل يعمل على الدولار”.
زادت معاناة “أم عبدو” مريضة السرطان، بعد قرار رفع سعر الوحدة التحليلية لأن مريض السرطان بحاجة لتحاليل دورية، وبعد ارتفاع أجرة المخابر صار العبء المالي مرهقًا بالنسبة لها، وتنتظر اليوم “طاقة فرج” تنهي معاناتها.