“جدول زمني” روسي للجنة الدستورية يمتد كـ”الصراع العربي- الإسرائيلي”

  • 2019/12/08
  • 11:44 ص

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف (رويترز)

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

لا يزال صدى فشل الجولة الثانية من اجتماعات المجموعة المصغرة في اللجنة الدستورية السورية بين الوفود  المشاركة (النظام والمعارضة والمجتمع المدني)، يلقي بظلاله على المشهد السياسي في سوريا، على الرغم من رفض روسيا الاعتراف بالفشل، وتأكيدها ضرورة عدم حصر عمل اللجنة بمدة زمنية وتركها مفتوحة كـ”الصراع العربي- الإسرائيلي” الممتد لأكثر من عقدين من الزمن، بحسب ما تحدث به وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال مؤتمر المتوسط (حوار روما) في 6 من كانون الأول الحالي.

اختُتمت الجولة الثانية، في 29 من تشرين الثاني الماضي، بعد خمسة أيام من مفاوضات فاشلة بسبب رفض وفد النظام السوري، الذي وصف نفسه بـ”الوفد الوطني”، مناقشة أي مقترح مقدم من قبل وفد المعارضة، الذي وصفه بـ”وفد النظام التركي”،  يقوم على مناقشة المبادئ الدستورية، في حين تقدم النظام بمقترح أطلق عليه “ركائز وطنية تهم الشعب السوري” يتحدث عن إدانة التدخل الأجنبي ورفع العقوبات.

ولم تعلق روسيا على نتائج الجولة الثانية، كحال نظيرتها تركيا، في حين أوفد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مبعوثه الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، ونائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، للقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، دون توضيح سبب الزيارة، في حين قالت الخارجية الروسية إنه تمت مناقشة الوضع في إدلب والعملية الدستورية.

“الستاتيكو القائم”

وأظهرت الجولة الثانية بدء النظام بمحاولة تمييع العملية الدستورية، عبر الدخول في استراتيجة المماطلة والتعطيل، ما طرح إشارات استفهام حول مصير اللجنة الدستورية وبدء الحديث عن نسبة نجاحها وفشلها.

لكن لافروف دعا إلى عدم التعجيل في تقييم عمل اللجنة، لأنه بدأ منذ فترة قصيرة جدًا، وتساءل “كيف يمكن تقييم عمل اللجنة الدستورية بعد جلستين فقط، هل تعمل بنجاح أم ببطء؟”، رافضًا تقييم العملية في الوقت الحالي.

الخوف من مماطلة النظام عبرت عنه المعارضة مرارًا، وطالبت بأن يكون لعمل اللجنة جدول زمني يلزم النظام والحليف الروسي، إلا أن موسكو أصرت على الرفض.

وقالت الخارجية الروسية في بيان لها عقب لقاء لافروف مع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، في 6 من كانون الأول الحالي، إنه تم “إبداء رأي مشترك حول الإسهام في إقامة حوار مستدام ومثمر بين السوريين دون تدخل خارجي، وفرض قيود زمنية لتطوير مثل هذه المقترحات الموحدة حول الإصلاح الدستوري، التي ستتقلى أكبر دعم من طرف الشعب السوري”.

أما لافروف، فدعا إلى عدم الحديث دائمًا عن جدول زمني، وشبّه، خلال “مؤتمر المتوسط”، التفاوض على العملية الدستورية بـ”الصراع العربي- الإسرائيلي”، قائلًا “إذا نظرنا إلى الصراع العربي- الإسرائيلي أو المسألة الفلسطينية التي بدأت منذ 2001 وحتى اللحظة لم تنته، ولا أحد يتحدث عن عدم تطبيق قرارات مجلس الأمن حول الصراع”.

ويلزم القرار الأممي 2254 حول سوريا، في الفقرة الرابعة منه، بتحديد جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد، ودعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملًا بالدستور الجديد، فـي غضون 18 شهرًا تحـت إشراف الأمم المتحدة.

ويأتي حديث لافروف تأييدًا لتصريح رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي أكد، خلال مقابلة مع قناة “الإخبارية السورية”، في 31 من تشرين الأول الماضي، أن الحوار في اللجنة الدستورية سيمتد لأشهر وربما أكثر، واصفًا إياه بـ”السفسطائي”.

وقد لا تكون الأهداف الروسية واضحة المعالم من وراء عمل اللجنة الدستورية، إلا أنها لن تسمح بفرض حل سياسي لا يتوافق مع رؤيتها ورغبتها، وهو ما بدا واضحًا خلال تعطيلها أي قرارات ومفاوضات أممية خلال السنوات الماضية، إلى جانب خلق مسار “أستانة” الذي تحاول من خلاله فرض أجندتها وشروطها السياسية بعيدًا عن المسار الأممي في جنيف.

وقد تهدف روسيا، من خلال عدم تقييد عمل اللجنة بمدة زمنية، إلى إمكانية المحافظة على الوضع الحالي، وهو ما يعرف بمصطلح “الستاتيكو”، وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية عام 2021، وفرضها كأمر واقع.

ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصدر دبلوماسي غربي، في أيلول الماضي، قوله، “لا أعرف إذا كانت روسيا تبذل جهدًا كبيرًا لإقناع النظام بتغيير مقارباته، فتحقيق الخروق يتوقف على تغيير في سلوك النظام، وهو ما لم يتحقق منذ سنوات، ما أسهم في تمدد الأزمة”، معتقدًا “أنه من الناحية الاستراتيجية لم يتغير الكثير، وهو ما يظهر تمديدًا للستاتيكو القائم حتى موعد الانتخابات الرئاسية في 2021”.

وكان الأسد أكد، خلال مقابلته مع قناة “روسيا اليوم“، في 11 من تشرين الثاني الماضي، على إجراء انتخابات 2021 بموعدها المحدد قائلًا، “بالتأكيد ستُجرى انتخابات عامة في العام 2021 في سوريا، وسيكون هناك أكبر عدد ممن يريدون الترشح، وبالتالي سيكون هناك عدد كبير من المرشحين”، في حين رفض إجراءها تحت إشراف الأمم المتحدة نهائيًا، وأكد أنها “ستكون بشكل كامل من الألف إلى الياء تحت إشراف الدولة السورية”.

روسيا وحوار الأسد

وإلى جانب ذلك، نفى لافروف رفض الأسد الحوار والاعتماد فقط على العملية العسكرية، واعتبر أن الأسد يدعو إلى الحوار منذ سنوات، حتى عندما كان من وصفهم بـ “المسلحين” على حدود دمشق في 2015، لكن الدول الغربية الداعمة للفصائل المقاتلة رفضت القيام بذلك، بحسب قوله.

أما الآن، وبعد سيطرة قوات النظام السوري على معظم المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، باستثناء منطقة التنف على الحدود السورية- العراقية، الخاضعة لسيطرة فصائل مدعومة من القوات الأمريكية إضافة إلى إدلب، ما زال النظام السوري مستعدًا للحوار، بحسب لافروف، الذي أكد أن روسيا أقنعت الأسد بدعم نتائج مؤتمر الحوار الذي عقد في سوتشي مطلع 2018 الذي كانت اللجنة الدستورية أحد مخرجاته، باعتباره أفضل طريقة للخروج من “الأزمة السورية”، بحسب تعبيره.

وجدد لافروف عدم رفض روسيا الحوار السياسي بعد “انتصارها عسكريًا على الأرض”، كونها “لا تعمل وفق هذا المنطق كما تعمل به بعض الدول الغربية”، معتبرًا أن الأطراف في اللجنة الدستورية (وفود النظام والمعارضة والمجتمع المدني) سيعتادون الجلوس والحديث مع بعضهم.

في المقابل، بدا واضحًا تعويل المعارضة السورية على الروس في الحفاظ على استمرارية اللجنة الدستورية من خلال الضغط على النظام، وهو ما أكد عليه رئيس هيئة التفاوض العليا، نصر الحريري.

وقال الحريري، في مقابلة مع وكالة “الأناضول” التركية، في 5 من كانون الأول الحالي، إن “المعارضة تثمن دور الدول الضامنة، وتحديدًا تركيا، وجهود روسيا وإن كان لها دور في إطلاق اللجنة الدستورية، يجب أن يكون لها دور في الحفاظ عليها”.

واعتبر الحريري أن جوهر اللقاء بين المبعوث الروسي إلى سوريا والأسد في دمشق كان حول عمل اللجنة الدستورية، والتطورات الميدانية على الأرض، ومحاولة الضغط للدفع بالعملية الدستورية للأمام.

وكان الحديث عن اللجنة الدستورية طرح لأول مرة في مؤتمر “الحوار السوري”، الذي رعته روسيا في مدينة سوتشي، في تشرين الثاني 2018، وبعد مفاوضات مطولة وعراقيل واعتراضات على أسماء أعضاء الوفود الثلاثة، بدأت أولى جولاتها في مطلع تشرين الأول الماضي، ورغم الانطباعات الإيجابية في الجولة الأولى، تراجعت مؤشرات نجاح العملية الدستورية مع بداية الجولة الثانية التي فشل فيها المبعوث الأممي، غير بيدرسون، بإجراء أي من اجتماعات الجولة المقررة بين الوفود.

مقالات متعلقة

دولي

المزيد من دولي