ميدان المعركة يقود السياسات العالمية تجاه سوريا

  • 2015/05/31
  • 3:51 ص

محمد رشدي شربجي

يعتبر البعض تقدم المعارضة الأخير نتيجة مباشرة للتقارب السعودي التركي، وغالب الظن أن القائلين بهذا التحليل يعتبرون «الخارج» هو العامل الوحيد لتفسير التغير في الداخل.

ولكن سيطرة تنظيم «الدولة» على مدينة تدمر وما حولها من آبار نفط وحقول غاز وفوسفات، وقتله لمئات الجنود الأسديين، أسقطت هذا التحليل. فالواقع أن السبب الرئيسي لتقدم المعارضة السورية هو توحدها وزيادة قدرتها على التنسيق أولًا، واستنزاف جيش النظام الذي أنهكته الحرب على مدى أربع سنوات ثانيًا.

يخلص الباحث مروان قبلان في دراسته «المسألة السورية واستقطاباتها الإقليمية والدولية» المنشورة في المركز العربي، إلى أن موازين القوى داخل سوريا هي العامل الحاسم في بناء التحالفات خارجها، وتساءل الباحث آرون لوند في مركز كارنيغي للسلام الدولي، في مقال نشره منتصف أيار الجاري، عما إذا كان الأسد في حالة خسران، وبعد أن استعرض الأوضاع العسكرية والسياسية لكل من النظام والمعارضة وصل إلى نتيجة مفادها أن «الحرب السورية أثبتت على مدى أربع سنوات أنها مقبرة للتحليلات السياسية»، ومن الممكن لتغير طارئ على أرض الواقع أن يظهر خطأ كل التحليلات والخطط.

حتى بعد معركة تحرير إدلب، في الرابع والعشرين من آذار المنصرم، كانت التحليلات التي تقدمها مراكز الأبحاث العالمية والعربية تقول إن الحرب في سوريا تميل لصالح الأسد، مع قناعة الجميع بأنه لا يمكن لطرف من الأطراف تحقيق نصر حاسم في سوريا. وقد صرح جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية في 26 شباط 2015 أن «قوات الأسد حققت مكاسب هامة في عام 2014، ومتوقع لها أن تستمر في إنجازاتها حتى تطويق مدينة حلب»، وهو ذات التحليل الذي قدمه الجنرال فنسنت ستيورات رئيس الاستخابات العسكرية الأمريكية في نفس اليوم، «حسب تقديرنا فإن كفة الصراع تميل لصالح الأسد».

اختلفت نبرة التحليلات كليًا بعد نجاح جيش الفتح بتحرير مدينة إدلب وتوجهه نحو جسر الشغور، فنجد روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في سوريا يكتب في معهد الشرق الأوسط في 24 نيسان 2015 عن «بداية نهاية الأسد»، مستشهدًا بانتصارات المعارضة المتلاحقة في شمال سوريا وجنوبها، ومبينًا أن النظام أصابته حرب الاستنزاف الطويلة بمقتل، «فأنظمة الأقليات لا تفلح عادة في حروب الاستنزاف الطويلة» بحسب قوله، وعلى هذه الانتصارات بنى فريدريك هوف، أحد أبرز الباحثين في المعهد الأطلنطي (Atlantic council)، خطته، «كيف من الممكن إنقاذ سوريا وهزيمة تنظيم الدولة؟»، داعيًا الولايات المتحدة لاغتنام الفرصة والمضي قدمًا في تسليح وتدريب المعارضة السورية «المعتدلة»، وتوفير الحماية الجوية لهذه القوة التي يفترض أن تهزم تنظيم «الدولة» وتعزل النظام السوري، وتمهد الطريق نحو تسوية سياسة لإنشاء حكومة شرعية في سوريا.

بل إن المحلل العسكري جيفري وايت في معهد واشنطن اعتبر أن «أزمة نظام الأسد» استفحلت وبات من المستحيل إنقاذه، ومن الممكن -بحسب الكاتب- أن يلجأ نحو جيب علوي ليؤسس فيها دولته، «ولكن المعارضة من الممكن أن تدمر حتى هذا الخيار» الذي لن يستطيع الصمود.

وقد اعتبرت مجموعة من الحزبين الرئيسين في أمريكا (الجمهوري، الديمقراطي) في دراسة منشورة في مركز واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن «السياسة الناجحة لمواجهة كل من إيران وتنظيم الدولة»، هي أن تقوم أمريكا بإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، تمكن المعارضة الديمقراطية من ممارسة دورها في الحكم، وتدفع النظام السوري وإيران نحو القبول بتسوية سياسية لا يكون للأسد دور فيها.

ومن الأكثر ترجيحًا أن العامل الذي دفع تركيا للاتفاق مع الولايات المتحدة للبدء ببرنامج تدريب المعارضة بعد تأجيل طويل، ومن ثم تصريح جولن آلن البمعوث الرئاسي للتحالف الدولي ضد «تنظيم الدولة» أن أمريكا ستؤمن الحماية الجوية اللازمة لقوى المعارضة التي تدربها، هو انتصارات المعارضة الأخيرة.

أرض الميدان إذن هي الموجه الوحيد للسياسات الإقليمية والدولية تجاه سوريا، والتغييرات الميدانية تجد صداها فورًا في التغيرات السياسية، ولكن العكس غير وارد، وهو ما يحتم مرة أخرى على كل قوة الثورة لاسيما الائتلاف «الممثل السياسي للثورة» التعويل حصرًا على أرض المعركة دون غيره، فقد أثبتت الأحداث أن التعويل على الداخل فقط هو الوحيد القادر على إنقاذ سوريا من منحنتها.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي