أحمد جمال | تيم الحاج | علي درويش
يشير اصطلاح “المناطق الأكثر أمانًا” في سوريا إلى الأماكن التي يتراجع فيها خطر الموت على ساكينها وتصبح فرص النجاة وتقدم القطاعات الخدمية أكبر، وهو ما اصطلح خلال العامين الماضيين في سوريا على المناطق القريبة من الشريط الحدودي لسوريا مع تركيا، ومدن الجزيرة السورية.
لكن “الأكثر أمانًا” ليس آمنًا بالضرورة، الأمر الذي تؤكده الأخبار الواردة من مناطق شمال حلب، ومدن شمال شرقي سوريا، حيث لا تشكل العمليات العسكرية خطرًا على المدنيين، بل يأتي الخطر من خلال مفخخات، غالبًا ما تختبئ في مركبات، وتذهب بأرواح مدنيين.
عشرون تفجيرًا، أوقعت أكثر من 60 قتيلًا وعشرات الجرحى، تمكنت عنب بلدي من رصدها، في مناطق خاضعة لسيطرة كل من “الجيش الوطني” السوري، في أرياف الرقة وحلب والحسكة، بالإضافة إلى مناطق خاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” الكردية في مدن الحسكة والقامشلي وبعض المناطق في أرياف الحسكة.
وتزايدت وتيرة تلك الانفجارات منذ انطلاق العملية العسكرية التركية في شرق الفرات في بداية تشرين الأول الماضي، التي حملت اسم “نبع السلام”، ما دفع المدنيين في شمال حلب، ومدن شمال شرقي سوريا، إلى إعادة ضبط حياتهم بما يتناسب مع توقعات مسبقة، حول تفجيرات قد تتكرر بطرق مشابهة ينفذها “مجهولون”.
يسلط هذا التحقيق الضوء على تزايد عدد التفجيرات في شمالي سوريا، وخاصة في ريف حلب الشمالي وأرياف الرقة والحسكة، عبر رصد تلك التفجيرات والتواصل مع مسؤولين محليين، للوقوف على الإجراءات المتبعة في محاولة لمعرفة الفاعلين المتوقعين لها.
واقع أمني مربك..
المدنيون في ريفي حلب والحسكة ضحايا متوقعون للمفخخات
يودع عمر عبد الله، كل يوم سبت من كل أسبوع عائلته، متوجهًا إلى مدينة الباب المجاورة لمدينة لمدينة اعزاز حيث يقطن، إذ يعمل في مجال تصميم الفيديو ويكمل دراسته في جامعة “غازي عنتاب”. يحتمي عمر بتنقله المتكرر، لكنه يترك مخاوفه كل أسبوع لدى عائلته.
لم يكن يخطر على بال عمر عبد الله الذي هُجّر من مدينة دوما بغوطة دمشق، في نيسان 2018، أن يعود شعور القلق والخوف لينتابه، بعد أن اعتقد أنه تخلّص منه مع خروجه من دوما التي كانت تتعرض لقصف من قبل النظام السوري والقوات الروسية.
وكان من المفترض أن يكون المشهد مختلفًا في مدينة اعزاز الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني” السوري، المدعوم من تركيا، والتي تشهد بين الحين والآخر عمليات قصف متقطعة بقذائف المدفعية من قبل “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، بينما تشكل المفخخات الخطر الأكبر عليها.
الرعب مجددًا
يعيل عمر أمه وإخوته بعد أن فقد والده وأخوه الأكبر حياتهما في قصف استهدف مدينة دوما عام 2015، بينما يتملكه شعور القلق على من تبقى من عائلته، بحسب ما أكده لعنب بلدي. يوصي إخوته وأمه بعدم الخروج إلى الأسواق المكتظة، والشوارع المزدحمة، لأنه بات يعلم يقينًا أنها أصبحت هدفًا مباشرًا لعمليات التفجير.
ولعل ما حدث في 16 من تشرين الثاني الماضي في المدينة عزز لديه مشاعر القلق، حينما انفجرت سيارة مفخخة أمام باب الكراج في المدينة، ما أدى إلى مقتل 14 مدنيًا وجرح العشرات وتدمير قسم الحجز ومركز الشرطة.
يشبّه عمر عبد الله، لعنب بلدي، ما يعيشه الآن بحالة الرعب التي كان يعيشها في دوما، حيث باتت السيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي تحصد أرواح المدنيين زائرًا دائمًا في مناطق شمال حلب.
وتتزايد المخاوف في تلك المناطق نتيجة احتوائها على عدد كبير من النازحين، إذ تضم منطقة شمال غربي سوريا مليوني نازح، يقيم منهم 630 ألفًا في المخيمات، من أصل أربعة ملايين من السكان في المنطقة، ويحتاج 2.7 مليون شخص للمساعدات الإنسانية، وفقًا لتقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا).
مناطق شمال شرقي سوريا، التي تتعرض لتفجيرات مشابهة، تضم أيضًا نازحين من مختلف المناطق السورية، كما تزايدت حركة النزوح إليها مع العملية العسكرية التركية، وفق بيان لـ”الإدارة الذاتية” في تشرين الأول الماضي، قالت فيه إن عددهم وصل إلى أكثر من 191 ألفًا.
كوثر علي، نازحة من دير الزور في مدينة القامشلي بريف الحسكة، منذ عدة سنوات، ورغم شعورها بالأمان النسبي، لا تخفي اتخاذها وعائلتها خطوات للحد من التوجه إلى الأماكن التي تتوقع استهدافها بناء على خبرة مكتسبة من تكرار الحوادث، كالحواجز التي تقيمها “قوى الأمن” التابعة لـ”الإدارة الذاتية” والتي غالبًا ما تستهدف بسيارات ودراجات مفخخة.
إجراءات أمان
في مدينة القامشلي شارع حيوي يدعى “منير حبيب” أو شارع المطاعم، حُرمت كوثر منذ نحو شهرين من زيارته والتسوّق منه، بحسب ما أكدته لعنب بلدي، بسبب تعرضه لتفجير سيارة مفخخة، في 11 من تشرين الأول الماضي، ما أوقع عددًا من الإصابات بين المدنيين.
دفع هذا التفجير كوثر إلى إخراج شارع “منير حبيب” من حساباتها في الفترة الحالية، فلجأت إلى طلب الطعام للمنزل من المطاعم في الشارع عوضًا عن الذهاب إلى هناك، خوفًا من التفجيرات، كإجراء أمان ترى أنه ضروري خلال الفترة الحالية.
في شمال حلب أيضًا، يؤكد عمر عبد الله، لعنب بلدي، أن معظم الناس هناك باتوا يتّبعون إجراءات هدفها تقليل فرص التعرّض لأحد التفجيرات، كالابتعاد عن كل هدف يُتوقع أن يشهد انفجار سيارة أو عبوة ناسفة.
كما بات سكان المنطقة، وفق عمر، يؤمّنون مستلزمات المنازل لأسبوع كامل، ما يقلل التحرّك خارج المنزل، ولا يصطحبون الأطفال إلى الأماكن البعيدة، ويكتفون بالزيارات داخل المنازل تعويضًا عن الذهاب إلى الحدائق العامة التي باتت مستهدفة أيضًا.
من يضبط الأمن في مناطق التفجيرات؟
لا تُعتبر ظاهرة انتشار التفجيرات سواء بالعبوات الناسفة أو بالمفخخات في المناطق الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني” السوري و”الإدارة الذاتية” جديدة، ولعل القوى الأمنية لدى الجهتين باتت معتادة على رصد أو إفشال بعض تلك التفجيرات، لكن المدنيين يرون أن جهودهما ليست كافية، خاصة أن التفجيرات باتت تتزامن مؤخرًا مع العمليات العسكرية المستمرة بين ريفي الرقة والحسكة، من قبل القوى المحلية المتصارعة بدعم من القوى الدولية، كتركيا وروسيا.
بحثت عنب بلدي عن إجابات طرحها ويطرحها عدد كبير من المدنيين، في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” السوري و”الإدارة الذاتية” حول دور القوى الأمنية وإجراءاتها للحد من وقوع هذه التفجيرات.
العميد أديب الشلاف، القائد السابق لـ “الشرطة الحرة” في حلب، ومحمود حبيب، عضو المكتب الإعلامي لـ “لواء الشمال الديمقراطي” في محافظة الرقة التابع لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، اتفقا عبر تصريحات لعنب بلدي، على أن مسؤولية ضبط الأمن لا تقع على عاتق القوى الأمنية فقط، بل يجب أن تتضافر جهود جميع المؤسسات مع المدنيين، للحد من وقوع التفجيرات.
وأشار الشلاف وحبيب إلى أن هناك دولًا قائمة ولا تعاني من أزمات وحروب، ومع ذلك لا تستطيع ضبط عمليات التفجير في كثير من الأحيان، وفق قولهما.
وفق الإمكانيات
يرى العميد أديب الشلاف، أن القوى الأمنية، شمال حلب، تقوم بما تستطيع به وفقًا للإمكانيات المتاحة لها، لافتًا إلى أن هذه القوى “مشكلة حديثًا وتعمل في واقع مليء بالفوضى والحروب والأزمات”.
رغم ذلك، أقرّ الشلاف أن على القوى الأمنية رفع سوية عملها عبر التدريب والتأهيل المستمر لكوادرها بما يواكب الواقع الأمني المفروض عليها، إضافة لتزويد هذه القوى بالمعدات الخاصة بالكشف عن المتفجرات ورفدها بأصحاب الخبرة والاختصاص.
وشدد على ضرورة ضبط ومراقبة معابر التهريب وملاحقة “أوكار خلايا التنظيمات الإرهابيية التي تتخذ من التجمعات السكنية ملاذًا آمنًا، نتيجة الاكتظاظ السكاني الذي تعاني منه تلك المناطق، والإبلاغ عن الظواهر المثيرة للريبة والشبهة”، وفق قوله.
لا حلّ جذري
من جانبه، اعتبر عضو المكتب الإعلامي لـ “لواء الشمال الديمقراطي” محمود حبيب، أنه لا يوجد حل جذري يوقف عمليات التفجير التي تستهدف المدنيين، في مناطق سيطرة “قسد”.
يرى حبيب أن هذه التفجيرات تنقسم إلى قسمين، الأول من قبل “بقايا التنظيمات الإرهابية”، والثاني هو “أعمال تخريب من قبل متورطين لزعزعة السلم والأمن في المنطقة”، وفق قوله.
وحول الإجراءات التي تتخذها القوى الأمنية التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، أكد حبيب أنها تقوم بتركيب كاميرات مراقبة في الشوارع، وتنصب حواجز تفتيش للسيارات، وتعلن حظرًا للتجول في أوقات رصد المخاطر، معتبرًا أن هذه الإجراءات ساعدت كثيرًا في تلافي عدة تفجيرات.
بينما ألقى حبيب بما يتبقى من المهمة على المدنيين، داعيًا الأهالي لمساعدة القوى الأمنية في حال كانت لديهم معلومات عن سيارات أو عبوات لاصقة مجهزة للتفجير.
عوامل مساعدة
العميد أديب الشلاف، لفت إلى وجود عوامل ساعدت على ازدياد وتيرة التفجيرات مؤخرًا في ريفي حلب الشمالي والشرقي، منها عملية “نبع السلام” التي بدأتها تركيا و”الجيش الوطني” السوري، في 9 من تشرين الأول الماضي، بهدف إبعاد “وحدات حماية الشعب” (الكردية) عن حدودها.
واعتبر الشلاف أن حالة الحرب تساعد “التنظيمات والميليشيات الإرهابية” على تنفيذ محاولات زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة “لتصديرها للعالم على أنها منطقة غير آمنة”.
كما يعزز “انتشار معابر التهريب التي تدخل منها المفخخات وأدوات التفجير من مواد متفجرة وغيرها”، إمكانية وقوع التفجيرات.
اتهامات متبادلة بين أطراف الصراع
تتبادل الحكومة التركية التي تدعم مناطق شمالي حلب إداريًا وعسكريًا، و”الإدارة الذاتية” بشقيها العسكري والسياسي، الاتهامات بشأن التفجيرات التي تستهدف مناطق شمالي وشمال شرقي سوريا.
وزارة الدفاع التركية، وجهت بيانات عدة تتهم “وحدات حماية الشعب” (عماد “قوات سوريا الديمقراطية”)، بالوقوف وراء التفجيرات الأخيرة في شمال شرقي سوريا، والتي كان أبرزها تفجير تل أبيض بريف الرقة الشمالي، في 2 من تشرين الثاني الماضي، الذي أسفر عن مقتل 14 مدنيًا وإصابة أكثر من 20 آخرين، إلى جانب الدمار الواسع في المنازل والمحال التجارية.
وكان “الجيش الوطني” السوري سيطر على بلدتي تل أبيض وعين عيسى في ريف الرقة الشمالي، إثر العملية العسكرية الأخيرة، بعد أن كانتا تحت سيطرة “قسد”.
في الجهة المقابلة، وجهت “الإدارة الذاتية” بشقيها السياسي والعسكري اتهامات عديدة للجانب التركي وحلفائه من “الجيش الوطني” السوري، بالوقوف وراء التفجيرات في مناطق سيطرتهم الحديثة بريفي الحسكة والرقة شرقي سوريا، أو حتى في القامشلي، التي بات النظام السوري يسيطر عليها مؤخرًا.
بدوره اعتبر مدير المكتب الإعلامي لـ “قسد”، مصطفى بالي، عبر “تويتر“، أن المفخخة التي انفجرت في مدينة تل أبيض في ذلك اليوم، “هي جزء من مخططات تركيا الممنهجة لإفراغ المدن، وإجبار الناس على الهروب وإحداث التغيير الديموغرافي”.
وكتب بالي في تغريدة أخرى على “تويتر” في 23 من تشرين الثاني الماضي، “بعد طرد أغلبية الكرد، ونهب جميع المتاجر والمنازل في منطقة تل أبيض الكردية ، يحاول المرتزقة المدعومون من تركيا الآن إزاحة السكان الكرد الباقين من منازلهم عن طريق انفجارات عشوائية في مناطق مدنية”.
في المقابل، تبنى تنظيم “الدولة الإسلامية” بعض التفجيرات التي ضربت شمال شرقي سوريا خلال الفترة الماضية، ومنها التفجير في مدينة القامشلي الذي وقع في 11 من تشرين الأول الماضي.
وسبقه تفجير بسيارة مفخخة ضرب حي “الأربوية” في القامشلي، ما أدى إلى مقتل وإصابة ثلاثة من قوى الأمن الداخلي التابعة لـ“الإدارة الذاتية” في المنطقة، وتبناه التنظيم في اليوم ذاته.
إجراءات السلامة المتبعة في مناطق التفجيرات
تتخذ القوى الأمنية في شمالي وشمال شرقي سوريا إجراءات عدة لتقليل خطر التفجيرات على المدنيين، كنشر الحواجز الأمنية في مداخل ومخارج المدن، وعلى الطرقات العامة المؤدية إلى الأحياء السكنية، وتسيير الدوريات خلال فترات النهار، وجمع المعلومات عن أي فرد يشك بتحركاته، والتدقيق على الداخلين والخارجين من المدن وتفتيش العربات.
أعلن عن تشكيل قوات “أسايش” في تموز 2013، وبدأت في دوراتها عام 2012، لتجنيد العناصر وتدريبهم على عمليات مكافحة التفجيرات ورصدها ووضع الحلول للحد منها، كما تستمد هيكليتها وخبرتها من قوات “أسايش” التابعة لإقليم كردستان العراق. |
ويتحمل جهاز الشرطة التابع لـ “الجيش الوطني” السوري في شمالي حلب مسؤولية ضبط الأمن في مناطقه، بينما يأخذ جهاز “أسايش” التابع لـ”الإدارة الذاتية” شكل جهاز الأمن في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وكانت التفجيرات المتكررة في ريف حلب دفعت “الجيش الوطني” السوري، في أيلول الماضي، إلى تغيير مسؤولي الشرطة، وإجراء تعيينات جديدة.
إجراءات مختلفة ومشاريع قيد الانتظار
منعت “الإدارة الذاتية” عدة مرات تجول الدراجات النارية في مناطق سيطرتها، بسبب انفجار العديد منها ووقوع قتلى من عناصر قواتها الأمنية “أسايش”، وضحايا مدنيين، خاصة مع انتشار الدراجات بشكل كبير، ما يسهل عملية تفخيخها ووضعها في المنطقة المطلوبة.
وتمثل “وحدات مكافحة الإرهاب- قوات التدخل السريع” (HTA)، و”وحدات الحماية الجوهرية” (HPC)، الركيزة الأمنية الأساسية لـ”أسايش” لمكافحة عمليات التفجير، إضافة إلى فرق تفكيك المتفجرات والألغام التي دربتها منظمات غربية منذ سنوات، خاصة بعد المعارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
شُكل “الجيش الوطني”، أواخر تشرين الأول 2017، بمبادرة ودعم تركيين، ويتألف من فصائل “الجيش الحر” في ريف حلب، ويتبع لوزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، وتنبثق عنه ثلاثة فيالق، تتفرع بدورها إلى ألوية.
وتنتشر الشرطة العسكرية في جميع مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، وتتركز مهامها بضبط الأمن في المنطقة، إلى جانب أعمالها في تفكيك المفخخات في حال الإبلاغ عنها. |
أما في المناطق الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني” السوري فأطلقت قوات الشرطة، في آب الماضي، بالتعاون مع المجالس المحلية في مناطق الباب وبزاعة وقباسين بريف حلب، مشاريع تركيب كاميرات مراقبة ستقدمها تركيا، بينما يتكفل المجلس المحلي بإنشاء وتجهيز الشبكة الداخلية، على أن ينتهي المشروع خلال ثلاثة أشهر.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع مدير الشرطة في مدينة الباب، الرائد هيثم الشهابي، للاستفسار عن الإجراءات الأمنية المتبعة ومشروع تركيب الكاميرات، لكنه اعتذر عن عدم التواصل.
وحُددت نقاط تركيب الكاميرات التي ستكون على نوعين، ثابتة ومتحركة، في كل نقطة، على أن تكون من النوع الحديث الذي يمكّن من معرفة الأشخاص من وجوههم، ومعرفة المركبات ومالكيها من خلال رقم لوحة السيارة، في حين سيتم الربط بين جميع النقاط من خلال شبكة أرضية يتم توصيلها إلى مركز المراقبة والمتابعة، بحسب تصريح سابق لرئيس المجلس المحلي، جمال عثمان، لعنب بلدي.
كما منع المجلس المحلي في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي دخول السيارات إلى المدينة من دون لوحات تحمل نمرة ويجب أن تكون مسجلة في مواصلات ريف حلب الشمالي والشرقي، في اعزاز وجرابلس والباب، وبعد ذلك يحق لها الدخول والتنقل بحرية في المدينة، لأنها مسجلة ولديها قيود ويسهل العودة إلى صاحبها في حال حدوث أي مشاكل.
أما السيارات التي تحمل لوحات إدلب فيستلم صاحب السيارة نمرة مؤقتة تدخل بموجبها المدينة، وعند انتهاء عملها تسلم اللوحة للحاجز عند مدخل المدينة.
دور الدفاع المدني
يوزع الدفاع المدني في مناطق ريف حلب الشمالي، منشورات بين الأهالي خاصة بالذخائر غير المنفجرة والألغام والعبوات الناسفة، والسيارات المفخخة، في حال الشك بوجودها أو رؤيتها، تحت قاعدة “لا تقترب.. لا تلمس.. ثم أخبر فرق الدفاع المدني”.
وفي حال رؤية أو الشك بوجود عبوة ناسفة في أي مكان، أو كانت موضوعة ضمن سيارة أو دراجة نارية، يضع الدفاع المدني إشارة حولها مع التحذير من الاقتراب منها أو الحركة ومغادرة المكان، كما يطلب الدفاع المدني في حال الاشتباه بوجود جسم قابل للانفجار عدم لمسه أو محاولة تحييده حتى تصل الفرق المختصة، والابتعاد مسافة 100 متر كحد أدنى.
ونوه الدفاع المدني في منشوراته إلى الإشارات التي من الممكن أن تدل على وجود عبوات ناسفة، كالأرض المحروثة، والأسلاك المتروكة من دون ربط، والمباني المهجورة، وجيف الحيوانات، والأشياء المبعثرة في غير مكانها.
حملات أمنية
أطلق الجهازان المسؤولان عن الأمن في شمالي وشمال شرقي سوريا حملات أمنية عدة، كاستجابة لخطر التفجيرات، في محاولة لتقليل الأخطار الناجمة عنها.
ففي ريف حلب أطلق “الجيش الوطني” السوري حملات أمنية، أولاها في 18 من تشرين الثاني 2018، وتركزت في مدينة عفرين والنواحي المحيطة بها، في حين أطلق الحملة الثانية في 20 من شباط الماضي، في مناطق ريف حلب كافة.
واستهدفت الثالثة، التي انطلقت في 26 من آب الماضي، من أسماهم “الجيش الوطني” بـ“العملاء والخونة والمجموعات الفاسدة”، وقال المتحدث باسم “الجيش الوطني”، يوسف حمود، في تصريح لعنب بلدي، حينها، إن الحملة الثالثة تمت بالتعاون مع الشرطة العسكرية، وتشمل جميع المدن والبلدات في ريف حلب.
“أسايش” التابعة لـ “الإدارة الذاتية”، أطلقت أيضًا حملات أمنية على مستوى أضيق، في مدينة القامشلي، إحداها في 1 من آب الماضي، في حي غيران بمدينة الحسكة، استجابة للواقع الأمني في المدينة، التي شهدت إضافة إلى مدينة القامشلي، 18 انفجارًا خلال تموز الماضي.
تفجيرات لا تغير الواقع العسكري والسياسي
لا تغير التفجيرات المتكررة في مناطق شمالي سوريا في موازين القوى والسيطرة العسكرية والخارطة السياسية لتلك القوى، بحسب الباحث السياسي وأستاذ الفلسفة السياسية في جامعة باريس، رامي الخليفة، الذي يرى أن التفجيرات في مناطق الصراع العسكري، لا يمكن استثمارها سياسيًا من قبل الجهة المنفذة.
ويبرر خليفة رأيه، في حديث إلى عنب بلدي، بأن خطوط التماس بين المناطق التي يسيطر عليها أطراف الصراع، تم التوافق عليها دوليًا بما يتجاوز كل الفصائل الموجودة وكل القوى على الأرض، (في إشارة إلى التفاهمات التركية- الروسية والتركية- الأمريكية)، وبالتالي “سواء النظام أو المعارضة أو القوات الكردية سوف تخضع لتلك التفاهمات”، بحسب تعبيره.
بمعنى آخر، تأتي تلك التفجيرات في إطار “تعكير صفو” السيطرة لأطراف الصراع، ويضرب مثالًا “إذا كانت القوات الكردية تقف وراء التفجيرات في مناطق سيطرة الجيش الوطني، فمن مصلحة تلك القوات تعكير صفو الهيمنة التركية في المناطق التي سيطرت عليها في مناطق شرقي وشمالي سوريا”.
لكن التفجيرات في المحصلة لن تصب في أي تغيير سياسي نتيجة تغيّر في خطوط التماس وتوزع السيطرة الميدانية أو الاتفاقيات السياسية في مناطق السيطرة بجميع مسمياتها ومناطقها، وفق خليفة.
كما يشير الباحث السياسي إلى أن جميع الأطراف قد تكون مؤهلة لأن تكون وراء تلك التفجيرات، خاصة مع وجود خلافات بين الفصائل المحسوبة على المعارضة السورية، في مناطق الشمال السوري، والتي وُجهت إليها اتهامات سابقة بارتكاب تفجيرات أو تسهيل مرور المفخخات إلى الأماكن المستهدفة، “ويبقى الحكم على الواقع الميداني بحاحة لمعطيات وتحقيقات تكشف الطرف المسؤول عن تلك العمليات”، بحسب قوله.
بينما تسود التوقعات أن تستمر تلك التفجيرات مع استمرار الصراع بين الجهات المتصارعة في المنطقة، ومع تداخل وتضارب مصالح أطراف عدة، بانتظار تغييرات جذرية تطرأ على الواقع الميداني والسياسي على حد سواء.