السويداء – نور نادر
يستقطب قانون الأحوال الشخصية في سوريا جدلًا متكررًا، على الرغم من التعديلات التي طرأت عليه خلال العام الماضي، إذ ما زال كثير من البنود المنصوص عليها فيه، خاصة التي تتعلق بالمحاكم المذهبية، عائقًا أمام كثير من السوريين، خلال معاملات الزواج والطلاق.
مؤخرًا، عاد الجدل في مدينة السويداء حول القانون، إذ يرى قسم من أبناء الطائفة الدرزية، التي تخضع لمحاكم مذهبية، أن المواد المتعلقة بهم “مجحفة” وخاصة في قضية “الطلاق البائن” و”الطلاق التعسفي” وغيرهما، ما يدفع القضاة المذهبيين، إلى خلق حجج جديدة للتساهل في تلك الأحكام.
مواد في قانون الأحول الشخصية
ينظم قانون الأحوال الشخصية في سوريا قضايا الزواج والطلاق والنسب والحضانة والوصايا والميراث، بحسب المحامي وعضو نقابة المحامين في السويداء، مهند بركة، الذي أشار إلى أن محاكم الأحوال الشخصية السورية تنقسم تبعًا للطوائف الدينية، وفق المادة 306 من قانون الأحوال الشخصية في سوريا.
ولفت بركة في حديث لعنب بلدي، إلى أن أحكام هذا القانون تنطبق على جميع السوريين، عدا ما تستثنيه المادة 307، حول أحكام الزواج في الطائفة الدرزية، التي تقضي بعدم وقوع الطلاق إلا بحكم القاضي وبتقرير منه، ولا يجوز عودة المطلقة إلى عصمة مطلقها.
ووفق المواد 34 و35 و36 من قانون السلطة القضائية في سوريا رقم 98 لعام 1965، يُحدد الاختصاص المكاني للمحكمة المذهبية الدرزية في نطاق محافظة السويداء، أما في بقية المحافظات فيبقى الاختصاص للقضاء الشرعي العادي، للنظر في دعاوى أتباع الطائفة وفق أحكامهم.
حجة الغضب
معين (رفض الكشف عن اسمه كاملًا)، هو عضو نقابة المحامين في السويداء ومحامٍ اختصاصي في قضايا الأحوال الشخصية بالمحكمة المذهبية الدرزية، أشار في حديث لعنب بلدي، إلى وجود نقطة إيجابية في أحكام الطلاق والزواج وفق المحاكم الدرزية، إذ تتمكن المرأة وفقها من رفع دعوى تفريق، على عكس المحاكم الشرعية التي لا تسمح للمرأة بطلب الطلاق، إلا في حالات محددة.
بينما يحق، بموجب الشرع الديني الدرزي، للرجل وللمرأة طلب الانفصال، وذلك كحق متساوٍ لكليهما، وفق المحامي، ولا فرق بين طلب طلاق يقدّمه الرجل وطلب تقدّمه المرأة، إذ إن الوجه الجوهري في إعلان الطلاق من قبل الرجل أو من قبل الطرفين، لا يُعبَّر عنه فقط بمجرّد إعلان الرجل أنه يطلق زوجته، فإعلان الطلاق وحده لا يقرر حدوث الانفصال بين الرجل وزوجته، وليست له دلالة على موقع الطرفين أمام الجمهور.
وأضاف، أنه يجب أن تتوفر في عملية إعلان الطلاق ثلاثة شروط، أولها، وجود نية عند أحد الطرفين للطلاق، والثاني، تصميم وإصرار أحد الطرفين على الطلاق، والثالث، إعلان أحد الطرفين عن الطلاق أمام شهود موثوق بهم، مع إعطاء مهلة للطرفين كي يعيدا النظر في الأمر.
ماذا في حال الرجوع عن الطلاق؟
وفق أحكام المادة 307 من قانون الأحوال الشخصية، لا يمكن عودة المطلقة إلى عصمة الرجل الذي طلقها، أي إن الطلاق متى وقع فهو “طلاق بائن”.
المحامي معين، أشار في حديث لعنب بلدي إلى أن المحكمة الدرزية شهدت في الآونة الأخيرة تعدد طلبات الرجوع عن حكم الطلاق النهائي الذي تقرّه، وعن ذلك أوضح المحامي مهند بركة، أن بعض القضاة باتوا يستخدمون “حجة الغضب لإبطال الطلاق”.
لكن هذه الحجة لا تستخدم دائمًا، وفق بركة، “بل في ظروف نادرة واستثنائية حيث لا بد من مراجعة الزوجين المحكمة بعد مدة قصيرة من حكم الطلاق، لضمان منطقية استخدام الحجة المذكورة”.
ولفت بركة إلى أن الوقت عامل ضروري في هذه الحالة، خاصة أن المحكمة، أصولًا، تقدم للزوجين مهلة شهر للتصالح، تضمن فيه وجود وجهاء مدنيين معتمدين من المحكمة يعملون على الإصلاح بين الزوجين في هذه المدة، ليصدر بعدها حكم الطلاق النهائي، الذي لا يجوز للزوجين العودة عنه، تحت أي ظرف أو حجة قانونية.
مواطنون آخرون من السويداء يستخدمون طرقًا أخرى للعودة عن الطلاق، كما فعل فادي (42 عامًا) الذي اضطر أن يعلن إسلامه كي يتمكن من استعادة زوجته في المحكمة الشرعية.
لكن هذه “الحيلة” كما وصفها فادي (رفض نشر اسمه لأسباب أمنية)، في إشارة إلى أن إسلامه ليس قلبيًا بل شكليًا، دفعت به لخسارة كثير من أفراد عائلته ونبذه مجتمعيًا، كون الطائفة الدرزية لا تسمح لأحد بالدخول إليها أو الارتداد عنها، ما دفعه وزوجته لترك المحافظة والاستقرار في دمشق.
“قانون ولكن”
على الرغم من أن حصول المرأة الدرزية على الطلاق ليس صعبًا، بالمقارنة بالنساء من بقية الطوائف في سوريا، لكنها تضطر في كثير من الأحيان إلى التنازل عن حقوقها خلال إتمام قضايا التفريق، وفق ما أكدته إحدى المسؤولات عن حملة منظمة “توليب” لدعم المرأة والطفل، الناقدة لقانون الأحوال الشخصية، لعنب بلدي.
وأطلقت منظمة “توليب” وهي منظمة مدنية مركزها السويداء، حملة على موقع “فيس بوك”، مطلع كانون الأول الحالي، للتوعية بضرورة المساواة بين الجنسين، والتعريف بأنواع التمييز القائم على النوع الاجتماعي في قانون الأحوال الشخصية السوري، نتيجة تبعيته للمحاكم المذهبية.
وتطرقت الحملة في منشوراتها للعديد من المواضيع، منها الحضانة والزواج والإرث وغيرها، إضافة إلى قضايا الطلاق، التي تحدثت عنها المسؤولة عن الحملة (رفضت نشر اسمها لأسباب أمنية)، موضحة أن قضايا الطلاق التعسفي وسهولة التلاعب في الزوجة “أمر مهين”.
وأضافت أن دعاوى التفريق التي يعتبرها البعض ميزة للطائفة الدرزية، تحوي سلبيات تتمثل في أن المرأة التي لا تستطيع تقديم “أسباب وجيهة للطلاق، وتعبر فقط عن رغبتها بالانفصال، تضطر للتنازل عن جميع حقوقها مقابل موافقة الزوج على التفريق”.
وتسعى الحملة إلى خلق الوعي لدى السوريين، حول ما تراه من ثغرات في قانون الأحوال الشخصية، على أمل إحداث تعديلات جذرية، تنتهي إلى تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في المجتمع السوري.