اليوم الدولي لإحياء الإبادة الجماعية وتكريم المرتكبين
منصور العمري
تحتفي الأمم المتحدة في 9 من كانون الأول/ديسمبر كل عام بـ “اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة“. اختارت الأمم المتحدة هذا اليوم عام 2015، لأنه يوافق الذكرى السنوية لاعتماد “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” عام 1948، عقب محرقة اليهود )الهولوكوست( على يد ألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها، التي راح ضحيتها نحو ستة ملايين يهودي.
اليوم وبعد 72 عامًا على الاتفاقية لم يتعلم العالم من دروس التاريخ، ولا تزال جرائم الإبادة الجماعية تُرتكب دون محاسبة أو تقديم العدالة لضحاياها، بينما تحوّل الدول العظمى كرامة الضحايا ومعاقبة المرتكبين إلى أوراق سياسية تعزز سطوة المجرمين.
بينما تحتفل الأمم المتحدة ودول العالم بهذه المناسبة، تحيي دولتا ميانمار (بورما) والصين جرائم إبادة جماعية تجاه المسلمين وسط صمت وتخاذل دولي وإسلامي. يشمل الإحياء الدولي لهذه الجرائم أيضًا انتهاك الدول العظمى لالتزاماتها الدولية، وعدم الاكتراث بمحاسبة عناصر داعش الذين ارتكبوا جريمة الإبادة الإيزيدية، وإهانة الضحايا وكرامتهم بتحويل قضيتهم إلى ورقة سياسية يتلاعب بها مجرمون عتاة مثل بشار الأسد.
يتخاذل الرئيس الفرنسي ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عن بذل جهود لمحاسبة مرتكبي هذه الجريمة، ويحاولون تصدير المشكلة إلى دول كالعراق وجماعات حاكمة مثل الإدارة الذاتية الكردية في سوريا، وهي دولالعراق
وجماعات بحاجة للدعم والمساعدة في إنهاء انتهاكاتها لحقوق الإنسان، لا تكديس الالتزامات فوق كاهلها المرهق أساسًا.
يقول الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن عناصر داعش ليسوا المشكلة الرئيسة في سوريا، ولكنه يتجاهل أنهم من ارتكب جريمة الإبادة الجماعية الإيزيدية، بينما يحول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الحديث عن مرتكبي الإبادة الجماعية إلى نكتة. ويرفض الاتحاد الأوروبي وبريطانيا استعادة مواطنيهم من الدواعش.
كما تحولت المعاقبة على هذه الجريمة إلى ورقة سياسية يتلاعب بها مجرمون ارتكبوا الفظائع كبشار الأسد، الذي طرح إمكانية محاسبة داعش على جرائمها في محاكمه، في محاولة لكسب مزيد من الأوراق لمساومة أوروبا لإعادة تأهيله، حين قال في مقابلته مع المجلة الفرنسية “باري ماتش” مؤخرًا: “كل إرهابي في مناطق سيطرة الدولة السورية سيخضع للقانون السوري.. ولدينا محاكم مختصة بالإرهاب في سوريا، فإذًا سيخضعون لمحاكمة”، في رسالة إلى الدول الفرنسية من خلال الإعلام الفرنسي، بينما لا تولي الولايات المتحدة الأهمية اللازمة لتقديم العدالة لضحايا الإبادة الإيزيدية، وتقود سياسة براغماتية فجة في سوريا.
تبقى مسؤولية محاسبة مجرمي داعش عن الإبادة الإيزيدية ورقة في مهب ريح مصالح الدول ومساوماتهم السياسية التي لا تعطي الأولوية لتقديم العدالة للضحايا ومعاقبة المرتكبين.
تهاون الدول بمعاقبة مرتكبي جرائم الإبادة ينتهك تعهداتها في المادة الأولى من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها: “تؤكد الأطراف المتعاقدة أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في زمن السلم أو في وقت الحرب، جريمة بموجب القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها”.
تقول الأمم المتحدة في موقعها: “الأيام الدولية هي مناسبات لتثقيف عامة الناس حول القضايا ذات الأهمية، ولتعبئة الموارد والإرادة السياسية لمعالجة المشاكل العالمية والاحتفال بالإنجازات الإنسانية وتعزيزها”.
عدم التزام الأمم المتحدة بتثقيف الناس حول الإبادة الجماعية، ومن ضمن ذلك الحديث عن تخلي الدول العظمى عن مسؤولياتها وتعهداتها، يجعل احتفالها بهذا اليوم نفاقًا صرفًا، وعملًا مضادًا لمبادئها والتزامات الدول باتفاقياتها، لتحول الواقع إلى إحياء للجرائم وتكريم المرتكبين وإهانة كرامة الضحايا.
على الدول العظمى تحمّل مسؤولياتها والتزاماتها الدولية بمعاقبة المرتكبين وتعويض الضحايا معنويًا وماديًا، لا التهرب منها وتصديرها إلى أوساط ستفاقم معاناة الضحايا وتعزز سطوة المجرمين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :