تعا تفرج
لن تتطور المرأة السورية
خطيب بدلة
أعتذر للقراء عن جدية هذه الزاوية، إذ اعتدنا فيها على نوع من الهزل..
أقول: المرأة السورية لن تتطور في المستقبل المنظور، لأن معظم شرائح الشعب السوري، من الرجال والنساء، يمتلكون قناعة راسخة مفادُها أن وضع المرأة السورية بطبيعة الحال جيد، و(إِسْمْ ألله عَلِيْهْ)، فما الداعي لطرح هذه القضية أصلًا؟ وطالما أن القرار غير متوفر فلن نضع قدمنا على أول الطريق قط.
جرى في الفترة الأخيرة نقاش حول مشاركة المرأة السورية في الثورة. هذه المشاركة لا ينظر إليها بوصفها شرفًا، أو فضيلة، بل مؤشرًا على وضع عام. ربما كان مبعث النقاش هو مشاهدتنا ذلك الحضور الاستثنائي اللافت للمرأة اللبنانية وهي بكامل رونقها وأبهتها، إنْ في ساحات التظاهر، أو على منابر إلقاء الكلمات الثورية، أو في استديوهات القنوات التلفزيونية التي تغطي وقائع الثورة، حيث السيدات والبنات يوجدن، ولا يكتفين بترداد العبارات الثورية مثل “كلن يعني كلن”، وإنما يشاركن في الشرح والتفنيد والتحليل وإعطاء خلاصات لما جرى ويجري، استنادًا إلى المعطيات السياسية المحلية والعربية والدولية، ويركزن بشكل أساسي على الانتقال من نظام المحاصصة الطائفية إلى نظام مدني يقوم على المواطنة والكفاءات.
قلت إن مشاركة المرأة السورية في الثورة كانت محدودة، ومحدوديتها مخجلة، والسبب الرئيس هو القمعُ المركب الذي تعاني منه: قمع تاريخي مستمر منذ ما قبل الإسلام، وقمع سلطة الأسد الذي يطال الرجل والمرأة على حد سواء، وقمع الجماعات الدينية المتعصبة التي ترى أن المرأة أقل شأنًا من الرجل في كل شيء.
لم يبلغ نضال المرأة السورية نفسها في سبيل تحررها ذُرى تاريخية عالية، على الرغم من أنه حقق بعض الالتماعات في الخمسينيات وأوائل الستينيات.. وإن كانت المرأة السورية قد حصلت على حق الانتخاب في وقت مبكر بعد جلاء القوات الفرنسية 1946، فهذا لا يعني أنها تطورت. الانتخاب بحد ذاته لا يعني أن المجتمع متطور، وأن المرأة متطورة. العملية الديمقراطية تحتاج إلى مؤسسات كبيرة، وممارسات ديمقراطية تشمل المجتمع برمته.
لماذا لم تشارك المرأة السورية في الثورة؟ هذا السؤال، بلا شك، خطير، ومثير للحساسيات، ولكن لا بد من طرحه.. وفي محاولة الإجابة عنه تبرز أمامنا حقيقة أن الشعب السوري لم يشارك (كله) في الثورة. التحرر النسبي للمرأة السورية موجود لدى المسيحيين وبعض الأقليات الأخرى، ولكن الأقليات لم تشارك في الثورة، ومن ثم حرمت ميادين التظاهر ومؤسسات النشاط الثوري من ذلك الحضور القوي للمرأة.
قال مشاركون في النقاش إن قمع النظام هو السبب (الوحيد) الذي جعل المرأة تخاف وتحجم عن المشاركة، وهذا إقلال من شأن المرأة بالطبع، إذ يعني أن الرجل أشجع منها وأكثر استعدادًا للتضحية، وقالوا إن المرأة شاركت بالفعل، وسُجنت وتعرضت للتعذيب والاغتصاب، وإن هناك نساء من الأقليات شاركن بشكل قوي في الثورة، وهذا كله صحيح طبعًا، ولكن على نحو محدود جدًا، وأي واحد منا يمكنه أن يذكر أسماء النساء المسيحيات والعلويات والدرزيات والإسماعيليات اللواتي شاركن في الثورة واحدة واحدة!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :