عنب بلدي – حباء شحادة
تناقلت وسائل إعلام عربية أنباء اعتقال رجل الأعمال السوري مهند المصري على يد السلطات الإماراتية، تلبية لطلب مما وصفته بـ”إنتربول دمشق”، لتدور بعدها حوله تهم بالخيانة وتمويل “الإرهاب” لمصلحة “جبهة النصرة” من جهة، و”تبييض الأموال” والعمالة للنظام والعمل كواجهة لرجال أعمال ومسؤولين يعانون من العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية من جهة أخرى.
مهند المصري، بكلماته الخاصة وعبر معرفاته الرسمية في مواقع التواصل، لم يكن قد أخفى زيارته للاجئين السوريين في تركيا ولا دعم مشروع أنقرة لـ “المنطقة الآمنة”، كما عرض زيارته لسفارة سوريا في أبو ظبي ومشاركته في تحية “نسور قاسيون” داعيًا لهم بـ “جلب النصر للوطن”.
سلسلة الاتهام.. من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار
تداولت مواقع صورة لطلب البحث والتوقيف والتسليم، الذي وجه لرؤساء شعب الاتصال في الدول العربية لتوقيف مهند المصري ورجل أعمال آخر، تم إخفاء اسمه في الصورة، موقع من رئيس فرع الشرطة الجنائية العربية والدولية “إنتربول دمشق”، العقيد خالد الحسن، في 2 من تشرين الثاني الماضي.
لكن تلك الصورة لم يتم تناقلها قبل نهاية الشهر الماضي، حين بدأ أول المواقع بنقل خبر الاعتقال، في 28 من تشرين الثاني الماضي، في حين نشر المصري عبر حساباته الرسمية تهنئة للإمارات في عيدها الوطني، في 2 من كانون الأول الحالي، وإعلانًا عن شراكة جديدة بين مجموعته التجارية “دامسكو غروب” و”أزهر القابضة” في اليوم الذي يليه، والذي انتشر فيه خبر الاعتقال من جديد.
تزامنت أنباء الاعتقال الأولى مع بدء قناة “لنا” السورية، التي يملكها رجل الأعمال السوري المقرب من النظام سامر الفوز، بنشر دعاية لبرنامج “لازم نحكي”، الذي سيعرض يوم الأحد 8 من كانون الأول الحالي، والتي وصفت المصري بـ “مدير أعمال” زعيم فرع “القاعدة” في سوريا، “أبو محمد الجولاني”.
https://www.facebook.com/watch/?v=501170870484867
وكانت التهمة المنسوبة للمصري في طلب البحث والتوقيف هي “تمويل الأعمال الإرهابية”، دون أي شرح، في حين أكدت دعاية “لنا” دوره في استثمار أموال “الإرهاب” وتحويلها للجماعات المسلحة، ذات النشاطات المحلية والعالمية.
وانطلقت بعد تلك التهم تحليلات، نُسبت إلى مصادر “خاصة” مجهولة، ربطت ما بين اعتقاله وسوء علاقته بسامر الفوز، وذكرت استثماره للمعادن والحبوب في إدلب بالتعاون مع الجماعات “الإرهابية”، وأخرى ذكرت عمله لمصلحة مسؤولين ورجال أعمال من أهم الشخصيات في النظام السوري، وكانت التهمة الوحيدة المشتركة بين تلك المواقع الإعلامية، على اختلاف أطيافها وعلاقتها بأطراف النزاع، هي وصفه بـ”الرمادية” و”الحياد” والسعي وراء مصالحه الشخصية.
لكن المصري لم يعلق على أنباء اعتقاله، ولم يرد على أي من التهم الموجهة إليه، كما لم تعلن أي جهة رسمية إماراتية اعتقاله.
وسبق للإمارات أن أوقفت رجل الأعمال السوري فراس طلاس، في تشرين الأول 2017، دون إعلان رسمي، لتفرج عنه بعد أشهر في آذار 2018.
على مسافة واحدة من السوريين
كتب مهند المصري عبر صفحته في “فيس بوك“، في 23 من حزيران الماضي، “أقول لمن يريد المزاودة علينا، إن توجهنا واضح جدًا، دامسكو شركة وطنية سورية بامتياز، تقف على مسافة واحدة تجاه جميع السوريين، بغض النظر عن مواقفهم السياسية وانتماءاتهم العرقية والدينية والطائفية”.
جاء ذلك الدفاع بعد إعلان شركته عن اتفاقية تعاون مشترك مع المفوضة السامية لشؤون اللاجئين، في 8 من حزيران الماضي، لـ “دعم جهود المفوضية في مجال إعادة تأهيل المباني التعليمية المتضررة من جراء الحرب على سوريا”، والتي تضمنت التزام الشركة بتوفير الدعم المالي لإعادة تأهيل مدرسة بريف دمشق.
انطلقت “دامسكو” من دمشق عام 2004، على يد المصري، حسبما ذكر موقعه الرسمي، حين كان يبلغ من العمر 20 عامًا، ودخلت في سوق تداول الأوراق المالية، وتجارة المواد الغذائية الرئيسة، وتجارة زيوت السيارات ومستلزماتها، ونمت حتى افتتحت فرعًا في بغداد بالعراق عام 2008، لتضيف استثمارات في قطاع النفط والطاقة.
ثم انتقلت إلى دبي عام 2011، لتأخذ لها مساحة في برج خليفة، وتضيف الاستثمار في سوق العقارات والتسويق الإعلامي وتنظيم الفعاليات الحكومية إلى أنشطتها السابقة، قبل أن تفتح أحدث فروعها في اسطنبول عام 2017 وتعمل في قطاع توليد الطاقة الكهربائية، وتجارة المعادن والمشتقات النفطية.
تمتلئ صفحات الموقع الخاص بالمصري بـ “الحكم الحياتية” و”أسرار النجاح“، والتي عرّف فيها عن نفسه بـ”رجل الأعمال الطموح”، من مواليد دمشق عام 1984، حاصل على إجازة في إدارة الأعمال، عمل في الشرق الأوسط على مر عقدين من الزمن ويسعى لتوسيع استثماراته إلى أوروبا.
كما وصف المصري نفسه بـ “المُحسن” معددًا “أعماله الخيرية”، من حملات التوعية بسرطان الثدي إلى مساعدة “أصحاب الهمم” في الإمارات، مع تقديم “مساعدات أساسية” للاجئين والنازحين السوريين، بعد زيارته مخيمًا في محافظة هاتاي، في شباط الماضي، بالتنسيق مع منظمة “الهلال الأحمر” التركية، مقدمًا “سللًا غذائية وألبسة وأدوات تدفئة تكفي الآلاف منهم”.
وفي إعلانه عن الزيارة، عبر حسابه في “فيس بوك“، كتب المصري أن شركته افتتحت مراكز تدريب مهني للاجئين السوريين “لإعدادهم في عملية إعادة الإعمار في سوريا”، مع نيتها افتتاح مراكز للتدريب المهني في دمشق.
وشارك المصري في تكريم بعثة المنتخب السوري المشاركة في كأس آسيا بمقر سفارة النظام السوري في الإمارات، ورعت شركته أغنية الفنانة لينا شماميان “يا خيي أنا سورية”، التي حكت عن معاناة السوريين في أثناء السفر وقضايا اللاجئين.
وذكر موقعه الرسمي أن شركة المصري تعاونت مع “إدارة شؤون الشهداء” في دمشق، التي تعنى بشؤون قتلى الجيش السوري، “من خلال دوره في مركز أبناء الشهداء التابع لها”.
ولم يقتصر اهتمام المصري ودوره التجاري على سوريا، إذ حيّا عبر صفحته في “فيس بوك” الحراك الشعبي في العراق ولبنان، داعيًا السلطات لتكون “ذات صدر رحب” في التعامل مع المطالب “المحقة” للمحتجين.
في الإمارات.. بين الشقاق التركي والتقارب السوري
أثارت تصريحات مهند المصري عن دعم “المنطقة الآمنة” التركية، كونها البوابة “الشرعية” لتنفيذ المشاريع التنموية التي تسهم في عودة السوريين إلى أراضيهم، جدلًا حول غاياته وتوجهاته، وقادت لوصفه بـ”المعارض” للنظام السوري.
ونُسبت أسباب اعتقاله من قبل الإمارات لتقاربه مع تركيا التي تأزمت علاقاتها بالإمارات بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، في تموز عام 2016، واتهام أبو ظبي بالضلوع في المحاولة.
وقال المصري في حديثه لوكالة “الأناضول“، في 19 من كانون الثاني الماضي، إن شركته “ستكون السباقة في تنفيذ العديد من الخطط والمشاريع الرائدة في الداخل، التي من شأنها خلق آلاف فرص العمل، وتشجيع عودة السوريين، والحد من الاعتماد على المساعدات الخارجية”.
وكانت مجموعة المصري التجارية قد شاركت في “مؤتمر بادر الأول لعالم الأعمال والفرص الاستثمارية“، الذي أقيم في اسطنبول في 5 و6 من كانون الأول 2018، وأسهمت برعايته مع مكتب رئاسة الجمهورية التركية ووزارة التجارة التركية، بمشاركة أكثر من 150 مستثمرًا من 58 بلدًا لجلب مشاريع بقيمة ثلاثة مليارات دولار في تركيا.
وبعد أيام من تلك المشاركة تلقى المصري تكريمًا من وزارة الداخلية الإماراتية، في 15 من كانون الأول 2018، بعد رعايته احتفالًا باليوم الوطني وعام زايد الذي حمل اسم “زايد التسامح والسلام”.
إلا أن معايدته في العام الحالي باليوم الوطني للإمارات لم تلقَ التكريم ولا التقدير الماضي، بعد أن احتفلت الإمارات بعيدها الوطني للمرة الأولى في سفارتها بدمشق بعد ستة أعوام من القطيعة، مشيدة بالقيادة “الحكيمة لفخامة الرئيس بشار الأسد”، ومركزة على “متانة” العلاقات الإماراتية- السورية، التي غاب في زحمتها الحديث الرسمي عن اعتقال المصري ومصيره.