قبل فترة ذكر أحد أعضاء الفريق الاقتصادي الحكومي في أحد لقاءاته المصغرة أن النظام يعتمد كليًا على المساعدات الخارجية، وأنه فيما لو توقفت تلك المساعدات، فإن النظام قد يصاب بالشلل اقتصاديًا وماليًا، ولن يعود قادرًا على تمويل عملياته. وقبل أيام أشار النائب الاقتصادي إلى أن الاقتصاد السوري سيصاب بـ «السكتة القلبية» إذا ما استمرت الثورة لثلاثة أشهر. وأكد النائب نفسه في تصريحات إعلامية أنه سأل أحد الوزراء في الحكومة الحالية عن سبب إصراره عن رفع سعر المازوت بليرتين لليتر الواحد (من 23 ليرة إلى 25 ليرة لليتر)، فكان جواب ذلك الوزير «بدنا ندفع رواتب!!».
إن كل ما سبق أعلاه يشير وبكل وضوحٍ إلى أن النظام يعاني ضغوطًا اقتصادية ومالية هائلة نتيجة العقوبات المفروضة عليه عربيًا وغربيًا ونتيجة «إضراب الكرامة» الذي حقق – ولايزال- نجاحات متعددة. كما أن امتناع الكثيرين عن سداد فواتير الكهرباء أو رسوم السيارات وغيرها من الأموال التي اعتاد النظام الحصول عليها من جيوب الشعب ليستخدمها لتمويل حربه على شعبه. وبذلك بات النظام طيلة الأشهر الماضية يعتمد لدرجة كبيرة على المساعدات المالية من «أصدقائه» الإيرانيين بالدرجة الأولى، إضافة إلى بعض الدعم من العراق وروسيا، إلا أن الدعم المالي – وغير المالي- الإيراني للنظام كان الأكثر أهمية بالنسبة للنظام.
واليوم يبدو أن النظام قد فقد هذا الداعم الأهم. فالنظام الإيراني الذي قدم طيلة الأشهر الماضية المليارات من الدولارات للنظام، ودفع فواتير السلاح وآلة القتل التي يستوردها نظام الأسد من روسيا، هذا النظام الإيراني دخل اليوم مرحلة جديدة سيكون لها تأثيرها الكبير على موقفه وقدرته على الاستمرار بدعم نظام الأسد. فالريال الإيراني فَقَدَ ما يقارب ثلث قيمته خلال الأسبوع المنصرم، حيث انخفضت قيمة الريال الإيراني أمام الدولار الأمريكي من 24500 ريالًا للدولار ليصبح 37500 ريالًا للدولار. وقد ترافق ذلك مع ضغوط تضخمية كبيرة أدت إلى ارتفاع نسبة التضخم بما يقارب 40% خلال أيام قليلة. وقد كان السبب الرئيس وراء هذا الانخفاض العقوبات الغربية المفروضة ضد النظام الإيراني، وربما يكون للدعم المقدم للنظام السوري والذي ذكرت بعض التقارير الصحفية أنه بلغ ما قيمته 10 مليارات دولار خلال الأشهر الأخيرة، دورٌ في ذلك التراجع إلا أنه بالتأكيد ليس السبب الرئيس أو الأهم لما يحدث الآن في إيران.
وقد دفعت هذه الظروف بالكثيرين من أبناء الشعب الإيراني للنزول إلى الشارع احتجاجًا على سياسات الحكومة الإيرانية ومنها دعم النظام السوري – ولا يقتضي ذلك بالضرورة مناصرة هؤلاء للشعب السوري وثورته- وعلت الصيحات في شوارع طهران وسواها من المدن الإيرانية مطالبة بالاهتمام بالشعب الإيراني بدل دعم النظام السوري.
إن ما يجري في إيران يثير بضعة نقاط فيما يخص الوضع في سوريا لعل من أهمها فقدان النظام السوري أحد أهم داعميه لفترة على الأقل، وبذلك سيواجه النظام مصاعب مالية من جديد، بعد أن ساهمت المساعدات الإيرانية بتمويل عمليات النظام لبضعة أشهر. كما أن ذلك سيعطي دفعًا وأملًا كبيرين للسوريين الثائرين بأن الضغوط الاقتصادية التي تواجِه النظام قد يكون لها دور كبير في إضعاف النظام، سواء كانت هذه الضغوط داخليةً أم خارجية. فالضغوط الداخلية والتي تتمثل أساسًا باستمرار إضراب الكرامة والامتناع عن تمويل آلة الحرب الأسدية، والتوقف عن سداد ثمن الصواريخ والقذائف والبراميل التي تقتلنا – إذ لم تعد الرصاصة هي التي تقتلنا حاليًا- أما الضغوط خارجية فتتمثل بالعقوبات العربية والغربية المفروضة على النظام ومموليه وداعميه ومصادر تمويله، وهي العقوبات التي لم يظهر أثرها فيما مضى بسبب عدم الرغبة الجادة في تطبيقها أحيانًا، وبسبب تغطية المساعدات الإيرانية -وغيرها- للفجوة التي أحدثتها هذه العقوبات احيانًا أخرى.