قمة لندن الرباعية.. احتمالات المنطقة الآمنة

  • 2019/12/08
  • 12:00 ص

أسامة آغي

يعتبر لقاء لندن الرباعي، الذي جمع قادة تركيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، تعبيرًا عن قلق أوروبا حيال اتجاهات الصراع في سوريا، وتأثير هذا الصراع على استقرار أوروبا بصورة عامة، وعلى مصالحها في منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة. وكذلك يعتبر سعيًا تركيًا لإقناع أوروبا بضرورة الإسهام الفعال في تمويل بناء المنطقة الآمنة، ولعب دور فعال في حل الصراع السوري وفق القرار 2254.

ورغم التقارب المعلن بين دول المجموعة الأوروبية حيال ملف الصراع السوري، تبقى هناك تفاوتات بين مواقف أعضائها، هذه التفاوتات تتعلق بزاوية النظر إلى مسألتين رئيستين، أولاهما مسألة الحل السياسي، وطريقة إنجازه، والوسائل المستخدمة من أجل الوصول به إلى بر الأمان المقبول. وثانيهما مسألة القلق من تزايد الدور التركي في ملف الصراع السوري، هذا الدور تنظر إليه أوروبا بغير العين التركية، التي تعبر عن قلق من نفوذ قوات حزبي الـ PYD وPKK في منطقة شمال شرقي سوريا (شرق الفرات)، وما يستتبع هذا النفوذ من خطر على الأمن القومي التركي.

إن أوروبا “المسيحية” تتوجس خيفة من النهوض التنموي التركي الشامل “الإسلامي”، فهي تنظر إلى هذا النهوض على أنه قدرة تركية على الهيمنة الجيوسياسية في الشرق العربي، وفي أوروبا الوسطى، وهذا يعني حسب نظرتها “الاستشراقية” تهديدًا جديًا للحضارة الأوروبية، ذات السمات المسيحية.

إن هذا الإطار الرؤيوي، يكشف عن أمرين حقيقيين هما، محاولة أوروبا لكبح جماح التطور النهضوي الاقتصادي والسياسي والعسكري التركي، انطلاقًا من معطيات تاريخية، نتجت عن علاقة الدولة العثمانية بأوروبا. والأمر الثاني خوف القوى الاقتصادية والسياسية الليبرالية واليمينية الأوروبية من قدرة تركيا الفتية على لعب دور استقطاب تنموي كبير في منطقة أوراسيا، وهذا يعني تهديدًا لمصالحها التي أفرزتها نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولهذا تنظر إلى تقليم أظافر القوى الانفصالية الكردية المتمثلة بقوات الـ PYD وPKK  بعين الحظر، وكأن هذه القوات يمكن أن تلعب دور ركيزة إقليمية لهم في هذه المنطقة الحساسة عالميًا.

إن خوف أوروبا من زيادة الدور التركي في ملف الصراع السوري، واعتقادها بأن هذا الدور سيحدث تبدلات في اتجاهات الحل السياسي لغير ما رسمته السياسات الغربية، هو ما يجعلها في حالة قلق وبحث عن تطمينات سياسية، تُبقي شيئًا من النفوذ الغربي حاضرًا، على اعتبار أن أي تطورات سلبية تتعلق بالاستقرار الديموغرافي لسكان هذه المنطقة سيؤثر على استقرار المجتمعات الأوروبية، وسيحملها عبئًا إضافيًا.

إن أوروبا الغربية تعرف مقدار التأثير التركي في الصراع السوري، وأن هذا التأثير يذهب إلى خلق مساحة سلام حقيقية في هذا البلد، تعيد الحيوية إلى اقتصاده ومجتمعه، بعيدًا عن الآثار العميقة التي سببتها الحرب التي شنها النظام السوري ضد شعبه، وضد المكونات السورية بعمومها.

إن من مصلحة أوروبا خلق تعاون فعال مع تركيا بالملف السوري خارج حساسيات “الذهنية المسيحية” لبعض دوائر حكمها السياسية. وهذا يفترض قاعدة تعاون اقتصادية واجتماعية وسياسية، وتفعيلًا حقيقيًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووحدة سياساته حيال قضايا الصراع العالمي، دون استخدام لغة الحذر بين أعضائه، التي مارسها الأوروبيون في أزمة سحب منظومة الدفاع الجوية باتريوت من تركيا، وترك الدولة التركية مكشوفة للخطر في حالة تطورات الصراع في سوريا والمنطقة.

إن “المنطقة الآمنة” هي خيار اضطراري، لحل مسائل متعددة في آن واحد تركيًا، فمن جهة يتم إبعاد خطر الـ PYD وحليفه PKK عن منطقة الحدود السورية التركية، وهو يعني أيضًا بقاء السكان السوريين الكرد في مدنهم وبلداتهم، ويمنع تحويلهم إلى دروع بشرية لمصلحة رؤية سياسية، لا توافق أغلبية كرد سوريا وأحزابهم عليها.

إن “المنطقة الآمنة” التي تريد تركيا بناءها، تسمح بعودة جزء من السوريين إلى سوريا، سواء من اللاجئين أو النازحين داخليًا، ممن لا تتوفر لديهم منازل للسكن، أو ممن يريدون العودة إلى بلادهم ليتمكنوا من العيش الطبيعي فيها، في ظل غياب حقيقي للحل السياسي الشامل، الذي يتم من خلاله انتقال سياسي من دولة الاستبداد إلى دولة مؤسسات وطنية وديمقراطية، تسمح بالتعايش على قاعدة المواطنة.

إن أوروبا التي لم تستخدم نفوذها السياسي بشكل فعال، حيال الضغط لتنفيذ القرار الدولي 2254، تكون عمليًا قد أسهمت في بقاء الصراع السوري مستمرًا وقابلًا للتوسع إقليميًا، ولهذا فهي معنية بخلق تقاطعات جديدة خارج ذهنية حساسياتها التاريخية حيال تركيا، وخارج حساباتها الضيقة من قضايا منطقة الشرق الأوسط، ومعنية بتقديم الدعم المالي لمشروع المنطقة الآمنة، حيث سيسهم هذا المشروع بفرض صيغة حل سياسي تمنع تعويم نظام الاستبداد وإعادة انتاجه من جديد.

فهل يتحقق مشروع المنطقة الآمنة التي تطمح تركيا إلى إنشائها، أم أن أوروبا ستراوغ في المساعدة على ذلك، ما يجعلها عرضة لضغوطات قد لا تدخل في حساباتها المؤقتة، ضغوطات قد تجعل نفوذها الإقليمي في حالة تراجع حقيقي، أمام تقدم نفوذ روسي تركي أوسع، وتحالف بينهما أعمق، وأكثر قدرة على الحياة. ننتظر جلاء حقيقة ما اتفق عليه في اجتماع لندن، وما سيحدث من تطورات في القريب العاجل.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي