الجوع كافر
إبراهيم العلوش
موجة جديدة من تجويع السوريين يسهم فيها نظام الأسد وتجاره بسوء إدارتهم وبعشوائية تصرفاتهم، التي تجلب كل يوم نوعًا جديدًا من الخراب، فالجوع يحل في بيت كل سوري، معارضًا كان أو مؤيدًا، وباستثناء تجار الحرب فالكل اليوم تحت الحاجة أو تحت الخوف من الحاجة.
خلال الأسبوع الماضي انخفض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار من 600 ليرة إلى حدود الـ1000 ليرة ليستقر لحظة كتابة هذا المقال عند 850 ليرة. وقد امتنع البنك المركزي عن التدخل من أجل وقف الانهيار وتضاعف الأسعار، فوصل كيلو السكر مثلًا إلى 450 ليرة، وصار الخبز يباع بالرغيف الواحد في محافظة الرقة، رغم عدم تبعية المحافظة إلى النظام ولكنها لا تزال مربوطة في التعامل مع المناطق السورية التي يسيطر عليها.
تلقى مؤيدون للنظام هذا الغلاء بشعاراتهم المعهودة عن الممانعة والتصدي للإمبريالية والخليج والمؤامرة، وقد أعلن أحد المؤيدين عبر منصته الإعلامية “إننا لن ننزل إلى الشارع للاحتجاج حتى لو وصل الدولار إلى خمسة آلاف ليرة”! وهذا أمر طبيعي بالنسبة للمتورطين بقتل ونهب السوريين، فالنظام هو خشبة الخلاص الوحيدة لهم، وما نهبوه من أموال ومعدات وأشياء ثمينة، حولوها مع قادتهم إلى عملات عالمية لا تتأثر بالحياة السورية، ولا بمعاناة فقرائها وحرمانهم من الغذاء والدواء ووقود التدفئة.
المؤيدون حملة السلاح حولوا معاركهم الممانعة إلى أعمال سلب، فاعتيادهم على العيش بدخل عالٍ جعلهم يتحولون إلى نهب البيئات المساهمة بدعم النظام ممن لا يحملون السلاح، وقد كانت أعمال النهب التي قامت بها عصابة “فاطر” في تل سلحب مشهودة، وتداولتها وكالات الأنباء ومنصات النظام الإعلامية، إذ قتلت العصابة قبل أيام مدير ناحية تل سلحب في محافظة حماة وعددًا من عناصر الأمن الجنائي، وجرحت عددًا منهم، بمن فيهم رئيس فرع الأمن الجنائي في حماة، الذي كان يشارك في الصراع ضدهم.
عصفت أزمة الدولار في لبنان بكثير من الأموال المودعة في البنوك اللبنانية لمصلحة تجار وضباط النظام السوري، وقد أصدر البنك المركزي اللبناني قرارًا بعدم صرف أكثر من ألف دولار مهما كانت الأموال المودعة في المصارف اللبنانية، وهو ما أربك النظام السوري ووضعه في مواجهة مباشرة مع الغلاء وتذمر الناس من هذا الوضع الكارثي.
وكالة “سبوتنيك” الروسية عزت ارتفاع الدولار في سوريا إلى الإشاعات في الأسواق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى المؤامرة الخارجية على الاقتصاد السوري، متناسية حرمان الدولة السورية من واردات الموانئ والغاز والبترول والفوسفات التي تنهبها الشركات الإيرانية والروسية، بعدما أجبرت النظام على توقيع عقود تنازل عن الموارد السورية لعشرات السنين المقبلة، من أجل إبقاء عائلة الأسد على رأس الدولة السورية.
لم تنفع انتصارات النظام على الشعب السوري، فالليرة السورية والوضع السياسي في تدهور، وإيرادات الدولة من التحويلات الخارجية تتناقص وتجعل النظام في حالة تكالب على المزيد من التنازلات للروس والإيرانيين، من أجل بقائه وإعادة الهيبة له أمام مؤيديه، الذين يسحقهم الغلاء بعد أن سحقت المعارك مستقبل أولادهم دفاعًا عن عائلة الأسد.
يجوع السوريون وينامون في الظلام وبلا تدفئة، من أجل أن تستمر عائلة بانتصارات مزعومة، أما دول الاحتلال فتنهب ما تبقى في سوريا من موارد، وترفض أن تطعم جائعًا أو أن تدفئ بردانًا أو أن تؤوي نازحًا أو مهجّرًا في العراء، فالروس لا يهمهم إلا ما نهبوه، والإيرانيون غارقون بأوهام الإمبراطورية الفارسية، وبالتصدي لشعبهم المنتفض، والأمريكيون سيطروا على منابع النفط في الجزيرة ويرفضون إعادة بناء ما دمروه أو تعويض من قتلوه أو هجروه باسم محاربة الإرهاب بإرهاب أشد منه.
هذا الشعب ضحى بالكثير، ولن يقبل باستمرار هذا النظام ولا بالاحتلالات التي تسبب بها، وهو ليس إرهابيًا كما يدعي نظام الأسد، وهو أيضًا ليس بكافر كما يقول المتطرفون، لكن الجوع الذي ينهشه اليوم هو الكفر، وكل هذه الدول التي تجتمع من أجل السوريين لا تقرر أكثر من أغنية زياد رحباني الهزلية: “اجتمعنا وقررنا.. نسلق بيضة”!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :