إن ما تشهده سوريا في هذه الظروف الاستثنائية من مآس وقتل وتشريد ينعكس على أفراد المجتمع السوري كافة، ويؤدي إلى آثار نفسية تختلف درجتها بين فرد وآخر. ولكن جيل الطفولة هو الجيل الأساس الذي يجب الاهتمام به وبمشكلاته بالدرجة الأولى، فهو الجيل الذي سيرِث النتيجة التي نعمل لأجلها في بناء المجتمع الحر السليم، ومن هنا ينبع الاهتمام بهذا الجيل تربويًا وتعليميًا ونفسيًا.
الصدمة:
حدث مفاجئ أو غير متوقع الحدوث يتعرض له الشخص إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، كالسماع أو المشاهدة، ما يؤدي إلى اختلال توازن الفرد وحدوث بعض الاضطرابات النفسية والسلوكية نتيجة ذلك. وقد تكون الصدمة ناتجة عن كوارث طبيعية أو عن الإنسان كالحروب والصراعات.
ومن الصدمات التي شهدها مجتمعنا في هذه الآونة عمليات المداهمة والاعتقال والقتل لأحد أفراد الأسرة، الإصابة بالقصف أو الرصاص، هدم البيوت من قبل عصابات الجيش والأمن….
وفي جميع هذه الحالات، فإن خطر التعرض للإصابة بالصدمة يُعدّ واردًا بنسبة كبيرة، ما ينتج عنه اضطرابات نفسية تسمى باضطراب ما بعد الصدمة. وبالنسبة للأطفال، فكلما زاد تعرض الطفل للخبرات الصادمة كلما زادت لديه مخاطر ظهور أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة.
أعراض ما بعد الصدمة:
1- أعراض أولية: وتظهر تلقائيًا كلما استعاد الطفل الحدث إلى ذاكرته، وقد تمتدّ لفترة طويلة وتغزو رأسه بحيث لا يقوى على مقاومتها، ما يؤدي إلى الشعور بالذنب والحزن والعدوانية والتوقف عن مسارات السلوك السوي، وظهور حالات من التشويش والخلط الذهني والأرق والاضطراب في النوم وغيره…
2- أعراض ثانوية: وهي الأعراض الجسدية كالاضطراب في الطعام ونقص الوزن المفرط أو السمنة المفرطة والخمول الجسدي وغيره…
إن قدرة الطفل على التكيف والتوافق مع نفسه وأسرته ومجتمعه وتمتعه بسمات شخصية إيجابية من شأنها إن تحميه أو تقلل من الإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة. ومن أمثلة تلك السمات:
– تجنب العدائية والسلوك العدواني ماديًا ومعنويًا نحو الذات ونحو الآخرين.
– تعزيز الاستقلالية والاعتماد على النفس إلى حد ما بمواجهة أعباء الحياة اليومية.
– تقدير الذات من خلال قبول الطفل لذاته وإعجابه بها وإدراكه لنفسه على أنه شخص ذو قيمة وجدير بالاحترام والتقدير من قبل الآخرين.
– الكفاية الشخصية من خلال ثقة الطفل بأنه قادر على النجاح في مواجهة مطالب المحيط.
ويتم ذلك من خلال توفير فرص الدعم النفسي والاجتماعي من قبل الأسرة بالدرجة الأولى ثم الأصدقاء والأقارب والمعلمين، إضافة إلى الدعم الديني.
عوامل حماية الاطفال:
من أهم العوامل التي تساعد على حماية الأطفال من اضطراب ما بعد الصدمة:
– السمات الإيجابية للشخصية كالطموح والأمل والحس الوطني والإيمان.
– الحس الإيديولوجي وثقافة التحدي والصمود في وجه العدو.
– شبكة الدعم النفسي التي تتجلى باحتضان الطفل من قبل الأسرة والمسجد والأصدقاء والمعلمين وغيرهم من الدائرة المحيطة به.
– وسائل الترفيه والتسلية التي من شأنها أن تساعد على تفريغ الطاقات الانفعالية والحركية.
– استراتيجيات التكيف والتأقلم كعدم التفكير بشكل مستمر بالأحداث الصادمة، القدرة على التعامل مع تكرار التعرض للأحداث الصادمة، الاجتهاد في الدراسة، وعدم الاستسلام لصعوبة الظروف وتحدي الصعاب، والابتكار في حل المشكلات.