وعيٌ .. لا بد منه
حنين النقري – دوما
ينتاب الكثيرَ من الناس -ممن أحتكّ بهم حاليًا- الإحباطُ واليأسُ من النصر، الكثيرُ من الكلام السلبيّ، الكثيرُ من الخيبة، وندمٌ يلوح من وراء كلماتهم عن عدم استفادتنا من الحرية وكلام الثورات هذا…
توجّه الكتابِ والمفكرين إلى الشريحة المثقفة لا يغني أبدًا عن التوجّه للناس البسطاء… أولئك الذين يشعرون اليوم أن الموت والدمار والنزوح من نصيبهم هم… في ثورةٍ يرون أن ثمارها ستكون من نصيب غيرهم.
في الفترة الماضية قابلت الكثير منهم، الكثير حقّا ممن باتت أقصى أحلامهم ترك البلد بما فيها لمن فيها، والهرب من الموت المحيط بهم حيث حلّوا، الهرب من ثورة يرون أنها ما حققت أهدافها، (حقيقة قيل لي بمنتهى اليأس أنها لن تتحقق)، وأنا لا ألومهم!
لا ألومهم لأن ما يرونه وما يعايشونه هو المزيد من الخسارة والتضحية… المزيد من الفواتير التي يدفعونها هم… وهم فقط!
لومي موجّه لمن سخّر قلمه ووقته وجهوده لفئة مثقفة فقط… ونسي أن ثمّة من يحتاج فكره ورؤيته بأدوات أخرى.. ليس أقلّها نزول المفكّرين للشارع والخوض مع الناس في أحاديثهم لتثبيت نفوسهم وتوضيح ما يستعصي عليهم فهمه وقبوله…
إحدى النقاط الأكثر تردادًا أمامي… كانت لوم الجيش الحرّ – وربما كانت كلمة لوم كلمة مخففة جدًا- إذ حقيقة وصلت الأمور لتجريمه وجعله شريكًا للنظام في القتل! لوم الجيش الحر على دخول أماكن احتدمت فيها الأوضاع الأمنية وساءت بسببه…
فمثلًا ما يجري بدوما اليوم، يرى البعض أن معارك الجيش الحر الأخيرة كانت سببًا له، سببًا في سقوط أعداد كبيرة من الشهداء من دون فائدة تذكر!!
لا أريد أن أخوض بتفاصيل الأمور هنا، لكن برأيي ما يجدر بأي واعٍ فعله عند سماع هذه الكلمات هو أمران بذات الأهمية والأولوية..
أولهما: التذكير بأن الجيش الحر مؤلف من بشر، ولم ولن يكونوا أفضل من جيش النبي وصحابته الذين خالفوا أوامره وارتكبوا أخطاء سجلها التاريخ في معركة أحد مثلًا!
ليس دفاعًا أعمى، ولا حميةً للجيش الحر… لكنه تفرقة بين ظالم ومظلوم…. بين جلّاد ومقاوم… محاولة للحفاظ على الحاضنة الاجتماعية لشباب ثائر قد تصيب اجتهاداتهم وقد تخطئ.
أما ثانيهما فيجدر القيام بالتوجه للجيش الحر…
أدري أن هناك فرقًا بين التخطيط والتنفيذ.. الشجاعة وروح المغامرة لدى مقاتلي الجيش الحر تكون في بعض الأحيان ضارة وتتسبب بخسائر كبيرة كان يمكن تلافي الكثير منها بتخطيط أكبر…
نحن بحاجة لجهود تخطيطية واعية تدرس نقاط ضعف النظام العسكرية، وتسلّط جهودها عليها بدل تحرير المدن والسيطرة على أحياء لا تكفي ذخيرة الجيش الحر لاستمرار الدفاع عنها مما يعني الانسحاب لاحقًا ووقوع مجازر في صفوف المدنيين العزّل. هذا السيناريو المتكرر أفقد الجيش الحر بعضًا من حاضنته الشعبية في المدن المتعرضة للمجازر، وبات من الضروري حقّا توجيه جهودٍ أكبر من المفكرين والعسكرين لتوفير أكبر قدر من الخسائر في صفوف المدنيين…. الخسائر البشرية والمادية… والخسائر المعنوية أيضًا…
الملل، التعب، الرغبة بالاستقرار، الحاجة لما يبثّ الأمل في النفوس، بعضٌ من ندمٍ على ثورة وجدَ الشعب نفسه يخوضها فجأة دونما تخطيط أو وعيٍ كافٍ يسبقها – كحال الثورة المصرية مثلًا-
كل ذلك يحتاج أن يناقَشَ ويحلَل، بدل أن نهرب منه لمشاكل نحسبها أهم… كل ذلك موجود في الشارع، تمتمات ذات ضيق في النفوس تطفو لتصبح كلامًا يتردد بين الناس.
أؤلئك الذين لا يقرؤون ما تكتبون أيها المفكرون… يحتاجون كلماتكم…. يحتاجون وعيكم ودعمكم لهم… ذاك الذي يفترض أن يكون بالقرب منهم… وبلغتهم …. فلا تبخلوا به عليهم…
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :