ديفيد ميليباند – سي إن إن
عام واحد مر على استيلاء تنظيم “الدولة الإسلامية” الدراماتيكي على مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، فيما يستمر التنظيم بالتوسع في سوريا لرسم حدود دولتهم في منطقة الشرق الأوسط.
سقوط الرمادي في أيار الجاري وهي المدينة الأخيرة التي تسيطر عليها الحكومة وأكبر مدن العراق، والسيطرة على مدينة تدمر السورية والتي تبعد قرابة 640 كيلومتر غربها، تعتبر مكاسب استراتيجية، كما أن التسجيلات المصورة التي تنتشر تبدو مهمة في الترويج الإعلامي للتنظيم.
جذب التقدم السريع للتنظيم اهتمام العالم، وشاهدنا تحالفًا بين الدول الغربية والعربية، في محاولة لإيقاف تقدم “الجهاديين”، والذي يعتبر قضية مشتركة مع إيران، بيد أن هذا التحالف لم يقدر حتى الآن على وضع حد للحرب في سوريا.
وقد قُتل أكثر من 220 ألف شخص( رغم أن التقديرات تشير إلى أن عدد القتلى أكبر من ذلك بكثير) خلال 4 سنوات من الحرب والفوضى، في حين تُرك السوريون الذين يحتاجون المساعدة يواجهون مصيريهم، وسُمح لتنظيم “الدولة” بالتوسع والنمو من العراق عبر الحدود مع سوريا.
وعلى الرغم من هذا كله فإن الجهود الدبلوماسية لوضع حد لإنهاء الحرب والتقليل من أثرها على المدنيين انحسرت إلى أدنى مستوياتها في هذه الفترة.
مأساة السوريين تتضاعف
صحيح بأنه في وقت مبكر من الأزمة طرحت جامعة الدول العربية خلال مؤتمر جنيف 2 في كانون الثاني من عام 2014، مقترحات وخطة مكونة من 6 نقاط بمساعٍ من كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، إلا أن ذلك لم يحقق أي نتائج ملموسة على الرغم من العزيمة القوية التي كانت في ذلك الوقت.
وتركز الأمم المتحدة من خلال مبعوثها إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، على الإبقاء على قنوات التواصل من خلال المشاورات التي يديرها والتي تعتبر “محادثات حول المحادثات” وسط جمود سياسي، على الرغم من اجتماع بريطانيا مع روسيا هذا الأسبوع لاستئناف المناقشات بين البلدين حول الأزمة في سوريا.
التعاون الدبلوماسي من أجل سوريا داخل مجلس الأمن يقتصر على مناقشات حول تأمين وتمرير القرارات الإنسانية فقط، في حين لم يتمكن أعضاء المجلس حتى الآن من الضغط على أحد الأطراف المتنازعة لوقف الاستهداف المتعمد للمدنيين وتدمير البنية التحتية، وسط القصف العشوائي للمناطق السكنية في ظل حصارها، إذ نجد الآن ما يقارب 5 ملايين شخص بحاجة للمساعدات.
وتضاعفت مأساة المدنيين في سوريا في ظل الأحداث التي تمر بها البلاد، بينما ترى تخبطًا متزايدًا في المجتمع الدولي دون إحراز أي تقدم يذكر.
12.2 مليون لاجئ سوري بحاجة للمساعدة
وقد ازداد عدد السوريين داخل البلاد والذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية من مليون شخص عام 2011 إلى 12.2 مليون، بينما غدا أكثر من نصفهم مشردون وسط الدمار، وسط نقص في الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية التي زادت بنسبة 6 أضعاف مما كانت عليه في بداية الحرب، بينما انخفضت الاحتياجات الأساسية التي تقدمها الأمم المتحدة داخل سوريا إلى 48% العام الماضي بعد أن كانت بنسبة 68% عام 2013.
كما فرّ قرابة 4 ملايين شخص من سوريا منذ بداية الحرب، ولجؤوا إلى المخيمات في دول الجوار وهم بحاجة إلى الماء والغذاء واللباس والتعليم، بينما ترزح الدول التي تستضيفهم تحت وطأة تدفق أعداد كبيرة منهم.
عجز الدول المضيفة للسوريين
وتعتبر تركيا أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم، وقد وصلت تكلفة استضافتها للاجئين السوريين في العام الماضي إلى 4.5 مليار دولار أمريكي، بينما تحتاج لبنان التي يشكل السوريون اللاجئون فيها ربع أو ثلث السكان المحليين إلى قرابة 2.5 مليار دولار لتستعيد حالتها التي كانت عليها قبل الأزمة، وفقًا لتقرير البنك الدولي عام 2013.
أما الأردن فهي واحدة من أكثر الدول التي تعاني من نقص المياه على كوكب الأرض، وتستضيف قرابة 630 ألف لاجئ مسجل – ما يعادل أن تستوعب الولايات المتحدة سكان بريطانيا- أشارت إلى أن تكلفة استضافة السوريين عام 2014 وصلت إلى 871 مليون دولار.
في الوقت نفسه يوجد في كردستان العراق قرابة 250 ألف لاجئ سوري مع أكثر من مليون عراقي طلب الحماية فيها منذ كانون الثاني من عام 2014، في الوقت الذي لا تستطيع فيه السلطات الكردية تلبية الحاجة المتزايدة من فرص العمل والخدمات الأساسية في الإقليم، إذ ازداد معدل الفقر أكثر من الضعف خلال الـ 17 شهرًا الماضية.
لكن وعلى الرغم من الاحتياجات الكبيرة للاجئين السوريين، ترى مساعدات الأمم المتحدة لهم قد انخفضت إلى نسبة 64% بعد أن كانت 73% عام 2013، في ظل الفشل القدرة على إعادة توطينهم بما يتناسب مع حجم الأزمة في بلادهم.
وتسعى الدول المجاورة لسوريا إلى اتخاذ خطوات للحد من تدفق اللاجئين إلى أراضيها، في ظل تقارير تفيد بترحيل قسري للاجئين سوريين إلى بلادهم.
كيف ينبغي للمجتمع الدولي أن يستجيب
يتعين على مجلس الأمن الدولي والدول الإقليمية التي تستطيع التأثير على الأطراف المتنازعة في سوريا اتخاذ خطوات فورية لمحاسبة الذين فشلوا بالتزامهم بالقانون الإنساني الدولي من خلال ممارسة الضغط عليهم بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون قيود إلى المحتاجين في سوريا.
كما يجب على الدول دائمة العضوية في المجلس واللاعبين الإقليميين كتركيا وإيران والسعودية وقطر أن تعين كبار الدبلوماسيين كمبعوثين إنسانيين لتوفير الاحتياجات والتركيز على المعاناة الإنسانية للسوريين، كما يجب عليهم تنظيم وساطات لوقف إطلاق النار ودعم جهود الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية من خلال قرارات نافة من مجلس الأمن.
وأخيرًا يجب على الأمم المتحدة أن تسعى إلى تمويل سوريا خلال عام 2015 بالاحتياجات اللازمة، إذ ينبغي أن تحصل كل من لبنان والأردن وتركيا والعراق على المساعدة المالية والمشاريع طويلة الأمد لسد العجز وإعادة تشغيل الخدمات العامة وخلق فرص عمل للسوريين داخل المجتمعات التي تستضيفهم.
كما يتعين السعي نحو تضييق الأزمة في سوريا والتي تصبح أكثر تعقيدًا ولا يمكن التنبؤ بالعواقب التي تنتج عنها.
ويصادف الشهر المقبل ذكرى مرور ثلاث سنوات على خارطة الطريق في جنيف، بينما يستمر العقم في سبيل الانتقال السياسي في سوريا؛ دعونا من هذه الذكرى ولنركز عقولنا على الأحداث في مدينتي تدمر والرمادي.
ترجمة عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الإنكليزية من المصدر اضغط هنا.