على الرغم من تأكيد أطراف اتفاقية سوتشي، المتعلقة بمنطقة شرق الفرات، بأنها لاتزال سارية منذ 22 من تشرين الأول الماضي، تستمر المعارك بين “الجيش الوطني” السوري المدعوم من أنقرة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بمساندة قوات النظام السوري المدعوم من موسكو، في منطقتين تشرفان على الخط الدولي “M4″، هما تل تمر قرب الحسكة وعين عيس التابعة للرقة.
ويدفع التصارع المستمر على هاتين المنطقتين إلى التساؤل عن أهميتهما، وعن سبب إصرار القوى المتحاربة على الفوز بالسيطرة عليها، وكانت عنب بلدي، أوضحت في تقرير مفصل بوقت سابق، أهمية بلدة تل تمر بريف الحسكة.
عين عيسى.. عاصمة “الإدارة الذاتية”
هي إحدى نواحي سوريا تتبع إداريًا لمحافظة الرقة، منطقة تل أبيض، ومركزها بلدة عين عيسى، تمتلك عقدة مواصلات مهمة، تربط بين محافظاتي حلب والحسكة عبر الطريق الدولي “M4” الذي يمر من منتصفها، كما أنها تتميز بطرق محلية تربطها بمدينة تل أبيض على الحدود التركية، ومدينة الرقة.
سيطرت عليها “قسد” بدعم من التحالف الدولي، منتصف عام 2015، بعد معارك مع تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي حاول عدة مرات إعادتها إلى سيطرته لكنه فشل.
أسست فيها القوات الأمريكية، التي تقود التحالف، قاعدة عسكرية مطلع عام 2016، ما جعلها تتحول إلى منطقة استراتيجية، دفعت “الإدارة الذاتية” الكردية، إلى تأسيس عدد كبير من المؤسسات والمجالس التابعة لها فيها.
صحفي كردي، يعمل مع صحيفة إعلام محلية (تحفّظ على ذكر اسمه)، قال لعنب بلدي، اليوم الأحد 1 من كانون الأول، إن عين عيسى تحوّلت إلى شبه عاصمة لـ”الإدارة الذاتية” في الشمال بإيعاز أمريكي، مشيرًا إلى أنها كانت مهملة والخدمات فيها سيئة قبل إنشاء القاعدة الأمريكية.
وأكد الصحفي أن عين عيسى شهدت الكثير من الاجتماعات المهمة بين مسؤولي “الإدارة الذاتية” ومسؤولين في التحالف الدولي، إضافة إلى مسؤولين غربيين.
وبحسب ما رصدت عنب بلدي، شهدت عين عيسى قبل نحو شهرين، زيارة لوفد من البرلمان البريطاني، حيث اجتمع حينها، مع الرئاسات المشتركة للمجلسين التنفيذي والعام وعدد من أعضاء “الإدارة الذاتية”.
وتزامنت زيارة الوفد البريطاني لعين عيسى، مع زيارة ممثل وزارة الخارجية الفرنسية، إريك شوفالييه برفقة وفد ألماني.
وفي تموز الماضي، عقد المستشار الأمريكي الخاص ضمن قوات التحالف الدولي، وليم روباك، لقاءات مع قيادات في “الإدارة الذاتية” في عين عيسى.
وإلى جانب الزيارات التي يجريها مسؤولون في التحالف الدولي إلى عين عيسى، تشهد البلدة اجتماعات دورية لمؤسسات “الإدارة الذاتية” كـ “هيئة الداخلية” و”هيئة الصحة” و”ومجلس المرأة” و”المجالس التنفيذية”، وجميع هذه المؤسسات تعقد كل شهر تقريبًا اجتماعاتها الدورية في عين عيسى.
إضافة إلى الاجتماعات السابقة، شهدت عين عيسى، في أيار الماضي، ملتقى حمل اسم “ملتقى العشائر”، جمع شيوخ عشائر ووجهاء من شمال شرقي سوريا، بقيادات ونواب من الرئاسة المشتركة لـ “المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا”، مثل عبد حامد المهباش، وبيريفان خالد، وإليزابيت كورية، وأمينة أوسي، ومسؤول المخيمات في شمالي وشرقي سوريا، شيخموس أحمد.
ونتجت عن الملتقى مخرجات، تقضي بإخراج نساء وأطفال من أبناء مناطق شمالي وشرقي سوريا، الذين نزحوا إلى مخيم “الهول” نتيجة للأوضاع التي مرت بها مناطقهم في أثناء المعارك ضد “تنظيم الدولة”، وفق وكالة “ANHA” التابعة لـ “الإدارة الذاتية“.
خط الدفاع عن عين عرب
عند النظر إلى سير الحياة في قلب بلدة عين عيسى بريف الرقة، بحسب ما تنشره وسائل الإعلام التابعة لـ”الإدارةالذاتية”، يُلاحظ تركيز مؤسسات الإدارة فيها منذ نحو شهرين على تنظيم مسيرات شعبية تندد بما تصفه بـ”العدوان التركي”.
وعلى بعد بضعة كيلو مترات عن تلك المسيرات المتواصلة حتى اليوم الأحد، تجري معارك محتدمة بين “قسد” و”الجيش الوطني” السوري، في سباق محموم بينهما للسيطرة على البلدة والتحكم بالطرق المحلية وطريق الـ”M4″ الذي تشرف عليه.
وتجري هذه المعارك على الرغم من سريان الاتفاق الروسي- التركي، الذي توصل إليه الرئيسان فلاديمير بوتين، ونظيره رجب طيب أردوغان، في 22 من تشرين الأول الماضي، والذي قضى بتوقف المعارك في منطقة شرق الفرات ضمن عدة بنود.
الناطق باسم “الجيش الوطني” الرائد يوسف حمود، أوضح لعنب بلدي اليوم الأحد، 1 من كانون الأول، أن “قسد” متمسكة بعين عيسى، لأنها تعتبر خط الدفاع الأول والرئيسي، عن مدينة عين العرب، بريف حلب.
وقال إن البلدة تقع على امتداد شبكة طرق مهمة وتمتلك عقدة المواصلات التي تربط مناطق عين العرب وتل أبيض وصولًا إلى الجنوب في منبج، مشددًا أن “قسد” تريد الاحتفاظ بتلك العقدة للربط بين مناطق سيطرتها، لأنه في حال خسارتها ينقطع التواصل مع عين عرب، وفق تعبيره.
ودخلت قوات النظام السوري بلدة عين عيسى بعد يوم واحد من الاتفاق مع “الإداراة الذاتية”، في 13 من تشرين الأول الماضي، حيث نص الاتفاق على انتشار قوات النظام في مناطق الإدارة، منعًا لتقدم الجيش التركي الذي كان قد بدأ، في 9 من تشرين الأول الماضي، عمليته العسكرية.
ومطلع شهر تشرين الثاني الماضي، وصلت شاحنات عسكرية ومدرعات روسية محملة بالأسلحة والذخائر إلى مدينة عين عيسى.
ونشر حينها موقع، “نورث برس”، المتخصص بنقل أخبار المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا، صورًا للشاحنات والمدرعات الروسية، في أثناء توجهها إلى مركز التنسيق والعمليات العسكرية بين القوات الروسية و”قسد” في البلدة.
وحول ما إذا كانت روسيا تدعم بقاء “قسد” في عين عيسى، قال حمود، “روسيا لاتريد أن تخرج قسد من البلدة لأنها تستخدمها ورقة ضغط على الأطراف الأخرى الفاعلة في المنطقة “.
وتتبادل كل من تركيا و”الإدارة الذاتية” الاتهامات بخصوص خرق الاتفاق الروسي- التركي، وتصر أنقرة على إبعاد “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تمثل العمود الفقري لـ”قسد” عن المنطقة الآمنة التي تنوي إقامتها بين مدينتي تل أبيض ورأس العين، اللتين سيطرت عليهما تركيا و”الجيش الوطني” خلال عملية “نبع السلام”.