النظام السوري يبدأ “ملهاة سياسية” لتمييع عملية اللجنة الدستورية

  • 2019/12/01
  • 10:51 ص

الرئيس المشترك لوفد النظام السوري احمد الكزبري في اثناء مؤتمر صحفي - الأربعاء 27 تشرين الثاني (عنب بلدي)

مراد عبد الجليل – عنب بلدي

بعد جولة أولى من مناقشات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، وُصفت بـ “الجدية” ولاقت إشادة من قبل المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون، بدأ النظام السوري بمحاولة تمييع العملية الدستورية في الجولة الثانية الخاصة بانعقاد اللجنة المصغرة، التي اختتمت أعمالها، في 29 من تشرين الثاني الماضي، عبر تقديمه مقترحات اعتبرتها المعارضة خارج نطاق المبادئ الدستورية.

خمسة أيام احتضنتها العاصمة السويسرية (جنيف)، كان الهدف منها اجتماع اللجنة المصغرة المؤلفة من 45 عضوًا (15 اسمًا لكل من وفود المعارضة والنظام والمجتمع المدني)، والبدء في مناقشة مواد الدستور وفق جدول أعمال يقترحه كل طرف، إلا أن وفد النظام قدم جدول أعمال خالف نص ونطاق عمل اللجنة الدستورية، بحسب ما وصفه الرئيس المشترك للجنة من وفد المعارضة، هادي البحرة.

وتحولت الجولة إلى نقاشات وتقديم اقتراحات من قبل الطرفين، وسط محاولة المبعوث الدولي تقريب وجهات النظر، والتوصل إلى اتفاق على جدول أعمال يفضي إلى جلوس الوفود على الطاولة، لكن تعنت وفد النظام ورفضه أي مقترح لا يتوافق مع رؤيته ورغبته حال دون ذلك، ليعلن بيدرسون في مؤتمر صحفي انتهاء الجولة دون إحراز تقدم.

“الركائز الوطنية”.. بداية الملهاة

في 31 من تشرين الأول الماضي، أكد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال مقابلة مع قناة “الإخبارية السورية” أن الحوار في اللجنة الدستورية سيمتد لأشهر وربما أكثر، واصفًا إياه بـ”السفسطائي”، وهو ما بدا واضحًا من اليوم الأول لانطلاق الجولة الثانية للمجموعة المصغرة، التي واكبتها عنب بلدي من جنيف.

وبحسب القواعد الإجرائية في اللجنة الدستورية التي توافق عليها وفدا المعارضة والنظام، يجب على الرئيسين المشتركين (وهما هادي البحرة من وفد المعارضة، وأحمد الكزبري من وفد النظام) أن يتوصلا إلى جدول أعمال لجلسات اللجنة قبل 72 ساعة من انعقادها.

وتقدم وفد المعارضة بمقترح لجدول أعمال الجولة، في 21 من تشرين الثاني الماضي، أي قبل انعقاد الجولة بثلاثة أيام، وتضمن اعتماد خطة عمل مستقبلية، تقوم على مناقشة مواد دستورية تشمل الحقوق والحريات والسلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ومؤسسات الأمن والجيش والشرطة، إضافة إلى مناقشة مقدمة الدستور والمبادئ الأساسية والدولة، في الجولة الثانية.

في حين لم يتقدم النظام السوري بأي مقترح في الموعد المحدد، الأمر الذي دفع بيدرسون إلى إرسال نائبته، خولة مطر، إلى العاصمة السورية قبل عقد الجولة بثلاثة أيام، بهدف الحصول على جدول أعمال، بحسب ما علمته عنب بلدي من مصادر من داخل وفد المعارضة، إلا أن مطر عادت خالية الوفاض من دمشق.

ومع بدء الساعات الأولى من الجولة، تقدم وفد النظام السوري بمقترح أطلق عليه “ركائز وطنية تهم الشعب السوري” تضمن مواضيع متعلقة بإدانة التدخل الأجنبي وخاصة التركي في شمال شرقي سوريا، ومكافحة الإرهاب، ورفع الحصار الاقتصادي عن سوريا، واعتبار كل من حمل السلاح في وجه “الدولة” إرهابيًا.

لكن المعارضة رفضت المقترح، واعتبرته خارج سياق عمل اللجنة الدستورية ومحاولة لعرقلة عملها، وبدأت بتقديم مقترحات جديدة بهدف مجاراة النظام في مقترحاته ودفعه إلى طاولة الحوار.

ووصل عدد مقترحات وفد المعارضة إلى خمسة، منها مناقشة “الثوابت الوطنية والمبادئ الأساسية ذات الصلة لإعداد وصياغة الدستور”، والثاني مناقشة “المبادئ الأساسية الدستورية، بما في ذلك الثوابت الوطنية”، لكن النظام أصر على مقترحه وعدم الدخول في مناقشة بنود الدستور قبل التأكيد على “الثوابت الوطنية”، بحسب وجهة نظره.

وقدم وفد النظام مقترحًا جديدًا يعتمد دخول الوفود كاملة إلى قاعة الاجتماعات ومناقشة كل عضو لما يريد، الأمر الذي رفضه وفد المعارضة، على لسان هادي البحرة في مؤتمر صحفي في 28 من تشرين الثاني الماضي، وقال، “لسنا هنا في منتدى ثقافي لنجري حوارًا ونقاشات بينما البراميل تتساقط على السوريين. إننا هنا في مهمة وطنية لتحقيق انتقال سياسي حقيقي وجوهري يؤدي إلى تحقيق السلام في سوريا”.

الروس صامتون.. رسائل لبيدرسون

وفي ظل مماطلة النظام، بدا واضحًا عدم ممارسة روسيا ضغطًا على وفده، على عكس الدور الذي نتج عنه تشكيل اللجنة، إذ لم تكن روسيا غافلة عما يدور في أروقة الأمم المتحدة ومحاولات التعطيل المتكررة، لكنها لم تتدخل.

وأكد مصدر من داخل وفد المعارضة، تحفظ على ذكر اسمه، أن هدف روسيا من ذلك هو إرسال رسائل إلى المبعوث الدولي، غير بيدرسون، بسبب حديثه في مجلس الأمن، الأسبوع الماضي، عن توافق في اللجنة وهو ما عدته موسكو خارج صلاحياته.

وكان بيدرسون أشاد في إحاطته لمجلس الأمن الدولي، في 22 من تشرين الثاني الماضي، بمخرجات الجولة الأولى من عمل “اللجنة الدستورية”، وأشار إلى أنها أتاحت تبادلًا واسع النطاق للأفكار بين مجموعات النظام والمعارضة والمجتمع المدني.

ولم تعجب تصريحات بيدرسون الجانب الروسي، ما أدى إلى إطلاق وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، تحذيرًا إلى مكتب المبعوث الأممي من التدخل في شؤون اللجنة، وقال، بحسب ما نقلت عنه قناة “روسيا اليوم”، في 25 من تشرين الثاني الماضي، إنه لا يجب أن تصدر محاولات تدخل من مكتب الممثل الخاص للأمم المتحدة، وأكد أهمية تحقيق التوازن في كادر موظفي مكتب المبعوث الأممي، “الذي يجب أن يعتمد مبدأ التمثيل الجغرافي العادل المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة”.

كما طلبت روسيا من وفد المعارضة، بحسب المصدر، مناقشة ثوابت عمومية تتعلق بضمان بقاء الدولة السورية كرسائل جامعة للسوريين، وتكون هناك، في الوقت ذاته، مواضيع مشتركة يمكن الحديث عنها كالعقد الاجتماعي ومعاناة المواطن السوري ورفع الحصار، بحيث يكون لدى النظام مخرج ورسائل طمأنة أمام حاضنته لا تؤثر على المعارضة عمومًا، الأمر الذي رفضه وفد المعارضة رفضًا قاطعًا.

في حين وعدت موسكو خلال لقاء سفيرها في جنيف مع وفد المعارضة، الخميس الماضي، بأن تكون الجولات المقبلة أفضل من حيث فاعلية الاجتماعات.

أما موعد الجولة المقبلة من اجتماعات المجموعة المصغرة من اللجنة الدستورية فلم يحدده بيدرسون، الذي أكد لوفد المجتمع المدني خلال لقائه بهم، الجمعة الماضي، أنه سيلتقي مع المسؤولين الإيرانيين والروس والأتراك لتحديد جدول أعمال اجتماعات المجموعة، وأنه لن يدعو الوفود إلى الاجتماعات قبل تحديد الأجندة مع الدول الضامنة.

المماطلة من قبل النظام في عمل اللجنة الدستورية بدأت، وهو ما توقعته المعارضة في تصريحاتها الإعلامية المتكررة، فهل ستدخل اللجنة في متوالية أرقام على غرار جنيف وأستانة؟ أم سيكون لدى الدول الضامنة، وخاصة روسيا، كلام آخر في الضغط للوصول إلى دستور يفضي إلى انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة؟

مقالات متعلقة

دولي

المزيد من دولي