درعا – حليم المحمد
فشلت محاولات النظام السوري بإعادة الحياة التجارية إلى سوق الهال (الجملة) وسط مدينة درعا، رغم عمليات التأهيل والتسويق الإعلامي، ليبقى سوق طفس المركز التجاري الأول للتجار والمزارعين في المحافظة.
افتتح مجلس محافظة درعا سوق الهال في المدينة مطلع تشرين الثاني الماضي، بعد أن فرض على أصحاب المحلات التجارية ترميم محلاتهم وإعادة العمل فيها، ملوحًا بمساءلة قانونية في حال المخالفة.
ورغم الجهود المبذولة من النظام لإعادة الحياة التجارية إلى السوق، لم يشهد الأخير إقبالًا من تجاره وزبائنه وحتى المزارعين، لتبقى معظم المحلات مغلقة جراء المخاوف من ضعف الحركة الشرائية وعمليات السرقة المتوقعة.
بينما حافظ سوق الهال في مدينة طفس بريف درعا على استيعاب معظم الإنتاج الزراعي في المحافظة، وبقي مصدرًا للشراء والتوزيع وحتى التصدير إلى العاصمة دمشق.
يقع سوق الهال في منطقة السوق وسط درعا، وهي منطقة تعرضت لدمار واسع خلال المعارك التي خاضها النظام في السنوات السابقة، وتوجد في المنطقة حواجز تابعة للأجهزة الأمنية تشتهر بسمعة “سيئة” في التعامل مع السكان.
ضغوط لإعادة تأهيله
حاول النظام عبر إعلامه وأجهزته الأمنية الضغط على تجار درعا لإعادة سوق الهال الرئيس إلى سابق عهده، وتنشيط الحركة التجارية فيه، بعد أن فرض على أصحاب المحلات ترميمها على نفقتهم الخاصة وإعادة فتحها.
ووجه “مجلس مدينة درعا” في 22 من نيسان الماضي، إنذارًا لتجار سوق الهال في المدينة لإصلاح محالهم التجارية خلال مدة 15 يومًا، وجاء فيه، “يطلب إليكم (التجار) السعي وإجراء ما يلزم لإعادة تفعيل وتأهيل محلاتكم الواقعة ضمن سوق الهال في مدينة درعا، وذلك خلال 15 يومًا”.
وحذر “مجلس مدينة درعا” في الإنذار من أن التخلف عن المدة المحددة سيعرض التاجر للمساءلة والمحاسبة القانونية.
محافظ درعا، خالد الهنوس، تحدث في مقابلة سابقة مع قناة “الإخبارية السورية”، في أثناء افتتاح سوق الهال، قائلًا إن المنطقة كانت خط تماس بين قوات النظام وجبهة المخيم وأدى ذلك إلى دمار كبير في المنطقة، متوقعًا أن يكون الإقبال في الأيام المقبلة على السوق أكبر.
فشل في عودة السوق
أبو أسامة من أهالي مدينة درعا، قال لعنب بلدي، إنه يمتلك محلًا تجاريًا ضمن سوق الهال، ولكنه بالوقت الحالي لا يفكر بفتحه رغم تهديدات مجلس المدينة بالمساءلة القانونية، مضيفًا “لا أفكر حاليًا بفتح محلي ضمن سوق الهال لأن المنطقة غير مأهولة بالسكان حاليًا، والدمار فيها كبير”.
أما بالنسبة لحركة التجارة وإقبال التجار والمزارعين على السوق، فقال أبو أسامة، “أتوقع أن تكون الحركة خفيفة جدًا، لأن حواجز النظام وخاصة التي تتبع للجوية وما يعرف عنها من معاملتها السيئة مع المواطنين وكثرة الحواجز والتفتيش وانعدام الحركة ليلًا، هي عوامل تعيق الحركة التجارية وتبادل الخضار والفواكه من سوق درعا والأسواق الأخرى بالمحافظات”.
بينما يقول المزارع رشدان الأحمد (35 عامًا)، إن المزراعين في الوقت الحالي يفضلون سوق الهال في مدينة طفس على سوق المدينة، معللًا ذلك بأن الحركة في سوق درعا ما زالت ضعيفة بشكل كبير وأغلب المحلات ما زالت مغلقة وتجار الشحن لا يرغبون بالذهاب إلى السوق بسبب النشاط الذي يشهده سوق طفس.
ويضيف رشدان الأحمد وهو من مزارعي المنطقة الغربية، أن الحواجز الأمنية تعيق الدخول إلى مركز المدينة، ما يجعل المزارعين يتجهون إلى سوق طفس للهروب من حواجز النظام وأيضًا الهرب من المخالفات المرورية، ليكون سوق طفس مقصدًا لهم، خاصة مع تصدير منتجاتهم إلى العاصمة دمشق، بحسب قوله.
كذلك أبو مازن (30 عامًا)، وهو صاحب محل خضار في سوق درعا، قال لعنب بلدي، “يهمني شراء الخضراوات والفواكه بأقل سعر ممكن، وبنفس الوقت أسعى إلى أن تكون الجودة ممتازة، لذلك نتجه الى سوق الهال في مدينة طفس لسببين، الأول كثرة البضاعة فتكون الخيارات أكثر أمامنا، والسبب الثاني هو منافسة الأسعار بين التجار في سوق طفس كونه مقصدًا لإنتاج المزارعين”.
ويقول عامر علي (40 عامًا) لعنب بلدي، وهو من سكان مدينة درعا، إنه رغم محاولات مجلس المدينة ترميم سوق الهال والمنطقة الصناعية، إلا أن الحركة ما زالت ضعيفة لأسباب تتعلق بالدمار الذي لحق بالمنطقة، “وخوف أصحاب المحال على بضاعتهم ومعداتهم من السرقة وكثرة الحواجز والمراكز الأمنية بالمنطقة”.
وأضاف عامر، “بالنسبة لسوق الهال في درعا رغم تشغيله وصيانته من قبل مجلس المدينة، يبقى الإقبال على سوق مدينة طفس كونه بمنطقة ريفية ويتوسط المشاريع الزراعية ولا توجد هناك شرطة مرور وحواجز للنظام”، بحسب تعبيره.
محاولات بائسة
حاول النظام السوري إعادة الأمور في درعا إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، وخاصة ضمن مركز المدينة، في خطوة لنقل السوق الاستثنائي الذي أنشأه سابقًا في حي الكاشف، وهو حي سكني، محاولًا إقناع أصحاب الحرف بالخروج من الأحياء السكنية والتوجه إلى المنطقة الصناعية القريبة من سوق الهال في المدينة بعد أن عمل على تأهيلها وترميمها وصيانتها.
وكان رئيس مجلس مدينة درعا، المهندس أمين العمري، تحدث في وقت سابق لقناة “الإخبارية السورية”، عن تأمين جميع الخدمات الضرورية من مياه وكهرباء وبنية تحتية لسوق الهال، وأن المجلس في صدد استكمال الصيانة، بينما أشار مدير الشركة العامة للكهرباء في درعا، غسان الزامل، للقناة، حينها، إلى أن نفقات صيانة الكهرباء لسوق الهال في درعا بلغت أربعة ملايين ليرة.
وأوضح الزامل، أن صيانة الكهرباء في السوق شملت تركيب كابلات تورسيديه وشد أمراس وعلب توزيع وكابلات للمشتركين وعدادات، منوهًا إلى أن مركز التحويل الخاص بالسوق جاهز وأن هذه الأعمال تنفذ بالتعاقد مع مجلس مدينة درعا.
وتحوي محافظة درعا ثلاثة أسواق هال رئيسة، الأول منها وسط المدينة، إضافة لسوق مدينة طفس وسوق مدينة نوى بريف المحافظة، ويحتل سوق طفس المرتبة الأولى من حيث الحركة التجارية المتمثلة بإقبال المزراعين والتجار وغيرهم، كما يتميز بموقعه الاستراتيجي، إذ يتوسط المناطق الزراعية ومنه تنطلق القوافل التجارية إلى باقي مناطق المحافظة.
وسيطر النظام السوري بدعم روسي على محافظة درعا في تموز 2018، لينهي حكم المعارضة فيها، ومنذ ذلك الوقت لم تشهد المنطقة تقدمًا على الصعد الاقتصادية والأمنية والاجتماعية ما يعكس فشل النظام وأجهزته في ذلك.
وكان رئيس حكومة النظام السوري، عماد خميس، زار درعا، في آب عام 2018، وأشار إلى ضرورة تشكيل لجان فرعية في مناطق المحافظة لإعادة إحياء القطاعات الزراعية والصناعية والإنتاجية، انطلاقًا من أن “إعادة الإعمار مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمجتمع الأهلي”.
وقال خميس حينها إن “الحكومة بدأت بإعادة الخدمات الأساسية لجميع المناطق، تمهيدًا لإطلاق المشاريع الخدمية والتنموية وفق بنية حقيقية”.