أصوات سورية تنادي بالتطبيع مع إسرائيل.. موضة أم رد فعل؟

  • 2019/12/01
  • 11:14 ص

تعبيرية (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي- يامن المغربي

مع موجات الربيع العربي وقمعها من قبل الأنظمة، ظهرت أصوات كسرت المحظور عربيًا بمطالبتها بالتفاهم مع إسرائيل، مستندة إلى أن جرائم إسرائيل تجاه الشعوب العربية واحتلالها للأراضي لا ترقى إلى رد فعل الأنظمة العربية تجاه شعوبها، بينما اتخذ بعض من أصحاب هذه الأصوات مواقفهم نكاية بـ “أنظمة المقاومة”، التي جعلت من قضية فلسطين شمّاعة لحكم ديكتاتوري طويل.

وتقارن هذه الأصوات بين التطور والاستقرار الذي تعيشه إسرائيل والوضع في العالم العربي، خاصة في دول خاض أبناؤها حروبًا طويلة ضد إسرائيل، كسوريا ومصر ولبنان والأردن وفلسطين، منذ عام 1948.

ثلاثة أصوات.. ما الأسباب؟

يرى مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، محمد العبد الله، أن الأصوات المدافعة عن إسرائيل في سوريا تنقسم إلى قسمين: الأول يرى أن إسرائيل تضرب من يقتله على أرضه، والمقصود هنا كل من حزب الله وإيران، وبالتالي يرى أن هناك “تقاطع مصالح غير مباشر” بين الطرفين، دون أن يعني ذلك تغيرًا في الموقف الأساس من إسرائيل.

ولا يرى أصحاب هذا الموقف أن إسرائيل تحولت إلى حليف، بل يتعاملون مع القضية من مبدأ “اللهم سدد رمي الطرفين” في القصف المتبادل بينهما، سواء إسرائيل أو “حزب الله” وإيران، بحسب العبد الله.

أما القسم الثاني، فهم أصحاب ما وصفها العبد الله بـ “الأصوات المأجورة والرخيصة”، التي تحاول الترويج لإسرائيل وللصورة الرسمية التي يرسمها الجيش الإسرائيلي عن نفسه، على أنه جيش لا ينتهك حقوق الإنسان، وهذه الأصوات، بحسب العبد الله، باتت تبعيتها للأجهزة الإسرائيلية واضحة ومعروفة.

ويشير الصحفي السوري المتخصص بالشؤون الإسرائيلية خالد خليل، إلى أن فئة ثالثة تتكون من أفراد يحلمون بالشهرة، يمتدحون إسرائيل بحجة السلام من جهة، أو نكاية بالأنظمة الديكتاتورية من جهة أخرى.

ويرى خليل، في حديث إلى عنب بلدي، أن هذه الأصوات ظهرت في وقت تزداد فيه القناعات بأن المواجهة مع إسرائيل خاسرة عسكريًا وسياسيًا بسبب تفوقها الحالي، وانشغال الدول العربية بأزماتها الداخلية السياسية والاقتصادية.

كما يربط الصحفي السوري العنف الممنهج الذي تعرض له الشعب السوري خلال السنوات الأخيرة بظهور هذه الأصوات.

لكنه يعتبر أن هذه المواقف شعبوية لا تعبر عن جوهر القضية، ولا تحمل أي أبعاد استراتيجية أو مواقف جذرية، فإسرائيل دولة احتلال في النهاية.

هل تشكل هذه الأصوات تيارًا؟

مدير مكتب سوريا في صحيفة “العربي الجديد”، الصحفي عبسي سيمسم، يعتبر، في حديث إلى عنب بلدي، أن هذه الأصوات ليست “موضة” ولم تظهر نتيجة تراكم، بل هي مرتبطة فقط بالظرف الراهن الذي تمر به سوريا، والذي أدى إلى ظهورها.

وعن مستقبل هذه الأصوات وتحولها إلى تيار واضح، يقول سميسم إن زيادة عددها أو قلته يرتبط أيضًا بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ستمر بها سوريا مستقبلًا، وكيف ستسير الأمور في المنطقة ككل.

ويرى سميسم أن حالة العداء الشعبي لإسرائيل ترتبط بنقطتين: الأولى هي أن إسرائيل دولة احتلال، تحتل أراضي سورية وعربية، وهي كيان توسعي من الممكن أن يستغل أي فرصة لاحتلال المزيد من الأراضي العربية، خاصة أن شعارها “من النيل إلى الفرات” هو شعار معلن وليس سريًا.

أما النقطة الثانية فهي متعلقة بالجانب الديني، وهو جانب كافٍ لاستمرار حالة العداء الشعبي مع إسرائيل، بحسب رأي سميسم.

ويشير الصحفي إلى نشوء نوع من الخلط بين “كذبة المقاومة” التي يروج لها النظام وبين “العداء لإسرائيل” كمحتل للأراضي السورية والعربية وكيان توسعي في المنطقة، مؤكدًا أن الثورة منحت أنصارها فرصة للتحرر من كل ما يتعلق بالنظام السوري، وتوفرت بالتالي فرصة لمناقشة عشرات الأفكار التي تتعلق بسوريا.

سياسة إسرائيلية لرسم صورة جديدة

الصحفي السوري المتخصص بالشؤون الإسرائيلية خالد خليل، أوضح أن لدى إسرائيل وحدة استخباراتية تدعى “الوحدة 8200″، وهي وحدة مختصة بـ “استخبارات الإشارات”، تتلقى وتحلل كميات هائلة من المعلومات والمعطيات الإلكترونية، وتحتوي هذه الوحدة على قسم خاص للتجسس على الحسابات العربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتمتلك إسرائيل عشرات الحسابات الرسمية التابعة للحكومة، والناطقة باللغة العربية، وهي حسابات تستمر في محاولة إظهار إسرائيل كدولة عدالة وسلام، ويحاول أصحاب هذه الحسابات رسم صورة مغايرة عن إسرائيل، عن تلك التي ربي عليها ملايين الشبان في العالم العربي، والمرتبطة بجرائم ارتكبتها إسرائيل تجاه شعوب المنطقة.

ويرى خليل أن إسرائيل تلجأ إلى “القوة الناعمة” لتغيير رأي الشارع العربي والترويج لنفسها على أنها تنشد السلام، مستفيدة من الفضاء المفتوح الذي تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال خليل إن إسرائيل توظف كوادر بشرية مدربة ومؤهلة لمخاطبة الشارع العربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لتعزيز وجودها إعلاميًا.

ويحاول القائمون على هذه المنصات إيصال رسائل رسمية حول الأحداث الأمنية في إسرائيل، كما يتم نشر أدعية دينية وأحاديث نبوية وآيات قرآنية من خلالها تصل لدرجة الاستفزاز، بحسب خليل.

ولعبت إسرائيل طوال فترة الحرب السورية على إظهار نفسها على أنها دولة تراعي حقوق الإنسان، واستقبلت عددًا من الجرحى السوريين في المناطق الجنوبية من سوريا.

ويرى مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، محمد العبد الله، أن دور إسرائيل واضح، من خلال استفادتها من الظروف الحالية التي تمر بها سوريا، محاولة تطبيع علاقاتها مع المواطنين، وإرسال رسائل مفادها أن الحكومة الإسرائيلية أفضل من الحكومات العربية ولم ترتكب جرائم وانتهاكات، وبالتالي تحاول الاستفادة من هذا المناخ، بعد أن كشف الربيع العربي الحكام العرب على حقيقتهم باستخدامهم الجيوش ضد شعوبهم، بحسب رأيه.

وأضاف العبد الله أن لإسرائيل دورًا أيضًا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تسعى لإقناع الشعب العربي أن إسرائيل “أفضل” على صعيد حقوق الإنسان، من خلال مقارنة جيشها بالجيوش العربية وتصويرها على أنها جيوش مكونة من قتلة ومجرمين.

ويلفت العبد الله إلى أن المفارقة تكمن بأن الجيش الإسرائيلي يمارس نفس الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، ويرتكب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، ويعتدي على الصحفيين ويقتل المتظاهرين، ويستمر ببناء المستوطنات.

وتوثق منظمات حقوقية محايدة بشكل دوري انتهاكات تقوم بها السلطات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، متعلقة بالاستيطان والتمييز والسلوك في أثناء العمليات العسكرية، ومن بينها منظمة “العفو الدولية“، كما طردت إسرائيل مدير مكتب منظمة “هيومن رايتس ووتش”، عمر شاكر، في 24 من تشرين الثاني الماضي.

للتطبيع الرسمي دور أيضًا

لا يمكن فصل محاولات التطبيع الرسمي العربي، منذ اتفاقية “أوسلو” في عام 1993، التي قلمت أظافر المقاومة الفلسطينية، مرورًا بمبادرة السلام العربية في عام 2002، وصولًا إلى محاولة عقد ما بات يعرف بـ”صفقة القرن”، عن هذه الأصوات الناشئة.

ويشير الصحفي السوري المتخصص بالشؤون الإسرائيلية خالد خليل، إلى أن العديد من الدول العربية لم تعد تحارب “مروجي التطبيع”، بل صار هناك توجه عربي على مستوى الأنظمة لخطب ود إسرائيل، رغم أن الأخيرة دولة احتلال سواء على أرض الواقع، أو ما تشير إليه القرارات الأممية الداعية لانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها منذ عام 1967.

ورحبت عدة دول عربية بخطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للسلام في الشرق الأوسط، التي تعرف بـ”صفقة القرن”، على رأسها دول خليجية، بينما رفضها الأردن والسلطة الفلسطينية بشكل علني عدة مرات.

وظهرت في السنوات القليلة الماضية عدة وجوه إعلامية خليجية، على فضائيات ممولة خليجيًا، نادت بشكل علني بالتطبيع مع إسرائيل، بينما زار مواطنون خليجيون تل أبيب، وأثاروا جدلًا في مواقع التواصل الاجتماعي.

وكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تصريحاته بشأن التطبيع، وقال، في عدة خطابات رسمية وعبر حسابه في “تويتر” باللغة العربية، إن إسرائيل تمتلك علاقات مع ست دول عربية على الأقل دون أن يسميها.

مقالات متعلقة

  1. هل الصلح مع إسرائيل ممكن؟
  2. نحن وترامب والقدس والمآسي العربية
  3. فلسطين تعرف الحقيقة.. وهذا يكفينا
  4. "عسكر على مين؟".. سمير قصير يكتب في زمن "العسكريتاريا"

سوريا

المزيد من سوريا