خطيب بدلة
اكتشفتُ لكم، قبل أيام، اكتشافًا رائعًا، وهو أن خفة الدم لا علاقة لها بتعاطي الحشيش، ولكن أهالي بلدنا، بمجرد ما يلتقون برجل ذي نكتة حاضرة، وبديهة سريعة، ومقدرة على إلقاء الحكايات المضحكة، يسارعون إلى القول “أكيدْ هالزلمة حَشّاش! وعندما يجلس الواحد منهم بين أشخاص يتبادلون النكات، ويضحكون بصفاء، يعلق على الموضوع بقوله: شو هاد! تحشيش؟!
حينما طرحتُ هذه الفكرة على الأصدقاء الحشاشين التائبين، في “المَقْطَع الشرقي”، قال أبو أيوب: بالفعل، الظرافة ما لها علاقة بالتحشيش، بشار الأسد، مثلًا، ما بيحشش، ومع هيك كلامه بيضحّك، خصوصي لما بيشوبر بأصابيعه وبيحكي عن الانتصارات الخرندعية، على عكس أبو عاجوقة اللي طول عمره بيحشّش، ومع هيك التنكيت تبعه متل اللَطْمْ على المناخيرْ!
ضحكنا جميعًا، وبضمننا أبو عاجوقة الذي قال: نعم سيدي، صحيح. أنا تقيل دم. وعبييط.. إنته يا “أستاذ بَدْلة” بدك الحق، ولا بدك ابنْ عَمُّه الباطلْ؟!
قلت له: آ؟ والله ما بتفرق. فضحك الشباب ضحكة فيها نوع من الشخترة والشفترة، وقال أبو غزوان وهو يصفي ضحكته: وأنا كمان. وأنا كمان، الله وكيلكم ما عادتْ فارقة معي بين الحق والباطل، متل رِجْلي. دخيل اللي خَلَقَكْ وصَوَّرَكْ يا أبو سليم، قِلّي، رَكْضْنَا وَرَا الحَقّ طول هالعمرْ بأيش نفعنا؟!
أطلق أبو سليم ضحكتَه التي يسميها “الضحكة الأمْزُوكِيّة”.. ضحكة طويلة، جعلت وجهه يحمرّ، ثم يزرقّ، ويُخَنِّق، ويُنَتِّع، ولم تنتهِ إلا حينما انفلت بالسعال، وحاول الكلام مرارًا، إلى أن هدأ، وشرب بلعة ماء، أتبعها بسحبة من السيجارة، وتمكن أخيرًا من الكلام، فقال:
– كيف ما استفدنا من رَكْضْنَا وَرَا الحَقّْ يا خاي؟ استفدنا كتير. أنا طلقت مرتي، لا والله مو أنا اللي طلقتها، هيي طلقتني. وابني انقَتل في القصف الروسي على المدرسة اللي كان عَمْ يتعلم فيها، وبنتي اللي عمرها 12 سنة انخطفتْ، وبعد مدة عرفنا إنها صايرة زوجة أمير! قلنا لحالنا منيح، هادا أمير، بكرة بيكتبْ لها جُبّْ بَتْرُونْ (يقصد: بترول) على اسمها. هوب، وإذ بيطلع أمير من هدول الشَخَّاخين تبعنا.. وغرفة نومي أجتها قذيفة طِلِعْ نصّْهَا عَ الخَلَا.. بس مو هون النكتة، النكتة إنه لما انقصفت الغرفة ما كنا جواتها، الله وكيلك لو كنا جواتها كانت القذيفة عملتنا جَاوِرْمَه. وكنا يا سيدي نقبض معاش تقاعدي ما بيكفي حق تلات ربطات خبز وسيكارتين حشيش، قالوا لنا إذا بدك تقبض معاشك لازم تروح ع حماه حتى يشوفك المحاسبْ ويتأكدْ إنك لسه عايشْ. ولي.. أنا بدي أروحْ على حماه؟! حَلَفْ لي ابن عمي ناجي يمينْ، بالطلاق بالتلاتة، إنه من إدلبْ لحماه صايرْ في 43 حاجزْ، شي تابع لنظام بيت أبو براميل، وشي لبيت “أبو مَنْهَج”.. قلنا لهم: خيو بلا هالراتب، خدوه إنتوا، واشتروا فيه علكة سهام اللذيذة.
قال أبو عاجوقة: يخرب بيتك يا أبو سليم على هالسحبة.. على أساسْ بدنا نسأله سؤال للأستاذ، بس علي الطلاق نسيت! يا الله سيدي منأجلها للجلسة الجاية.
(ملاحظة: هذه الجلسة مُتَخَيَّلة)