مراجعة بتول محمد
ينقل الكاتب راوي حاج عبر روايته “لعبة دي نيرو” تفاصيل الحرب الأهلية في لبنان، عن طريق سرد قصة صديقين يمثلان واقع الشباب الذين لم يفهموا معنى الحرب بعد، لكنهم وجدوا أنفسهم وسط نيرانها، مجبرين على قضاء يومهم، واتخاذ جميع قراراتهم في الحياة بما يلائم الظروف المؤلمة المحيطة.
الصديقان بسام وجورج من “البلطجية” الذين يعيشون في بيروت الشرقية. يحلم بسام بالفرار إلى روما، بينما يهتم جورج فقط بتأمين راحته لا أكثر، ومع سقوط القنابل واندلاع العنف في كل ركن من أركان البلاد، يتنبه الصديقان إلى وجوب إيجاد طريقة للبقاء على قيد الحياة.
يسلّط الكاتب الضوء في روايته هذه على الجانب الاجتماعي الذي كان سائدًا في ظل الحرب الأهلية اللبنانية، وعلى الجانب النفسي الذي رافق أبطال الرواية خاصة عند اضطرارهم لاتخاذ قرارهم، إما البقاء في المدينة والتوغل في الإجرام أو الرحيل.
تصف الرواية معاناة الشباب وأوجاعهم، خياراتهم المحدودة في ظل الحرب، لحظاتهم الصعبة والمرعبة التي تجبرهم على التعايش مع واقع العنف الذي يرفضونه، وفترة التيه والضياع التي تجلت بـ”التشبيح” على الرجال والنسوة والفتيات القاصرات.
يحاول الصديقان بشتى الوسائل البقاء، إلا أن الجهود المبذولة تبدو عقيمة، ففي زمن الحرب الحياة الطبيعية أمر شبه مستحيل. بسام عازم على الرحيل، وجورج يعتقد أن البقاء أفضل. كلا الخيارين عبارة عن مقامرة، نتائجها بالطبع مجهولة على جميع الأصعدة.
الحياة في شوارع بيروت وأزقتها التي صورها الكاتب بكلماته، تحفز خيال القارئ على رسم تفاصيل المدينة بأزقتها الموحشة وشوارعها المهجورة المملوءة بالخوف والرعب في ذهنه من جهة، وعلى رؤية الوجه الكامل البشع لبيروت في ظل الحرب الأهلية من جهة أخرى.
يضع الكاتب أفكار الرواية وسط الدم والقنابل والبنادق، والسلع المهربة، والجنس والموت وعنف الحرب، جميعها بصور جميلة وغنائية، تصف أبشع المشاهد بمزيج من الاستعارات والتلميحات السحرية، ما قد يكون غريبًا وصادمًا أحيانًا في ضوء القصة العنيفة.
اختار الكاتب عدم استخدام علامات الاقتباس كثيرًا أو المسافات البادئة، وهذا ما جعل الحوار يبدو واقعيًا جدًا، إذ اعتمد على محادثة دون انقطاع بين شخصين، إضافة إلى أنه ابتعد قدر الإمكان عن مصطلحات مثل “تنهد، يصرخ، يخبر…”، تاركًا الأمر للقارئ لاستنتاج النبرة التي تبنتها الشخصيات.
لعبة دي نيرو هي أولى روايات الكاتب اللبناني الكندي راوي حاج، نشرت في عام 2006، وحازت على جائزة اتحاد كتاب مقاطعة الكيبيك للعام ذاته، ما جعلها تتصدر قائمة أكثر الكتب مبيعًا في المقاطعة، ثم في كندا بعد ترشيحها لـ “جائزة الحاكم” في ذات السنة.