تركيا تسقط طائرة روسية في الشمال السوري
مقتل طيار روسي وأسر آخر
بوتين ينذر بـ”عواقب” بسبب إسقاط الطائرة الروسية
روسيا تتوعد تركيا بالرد
اجتماع طارئ للناتو على ضوء إسقاط تركيا لطائرة روسية
قبل أربعة أعوام من الآن، تصدّرت العناوين السابقة الصفحات الأولى لمواقع كبريات الوكالات والصحف العربية والأجنبية، وخُصصت للحادثة مساحات كبيرة للتحليل، وشرعت شاشات الفضائيات في استقبال المحلليين العسكريين والسياسيين لاستشراف تداعيات هذه الحادثة التي وصفت بالتاريخية.
شكّلت حادثة إسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية، بنيران تركية، علامة فارقة بمسار الأحداث في سوريا، خاصة أنها وقعت بعد نحو شهرين على تدخل روسيا عسكريًا في سوريا، فكيف تغير مسار العلاقات بين البلدين حتى يومنا هذا؟
في 24 من تشرين الثاني 2015، ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن طائرة حربية من طراز “SU-24” تحطمت في سوريا جراء إصابتها بصاروخ أُطلق من الأرض، وأن الطيارين تمكنا من مغادرة الطائرة.
في حين، ذكر مسؤولون عسكريون أتراك، أن طائرات تركية من طراز “F-16” أسقطت الطائرة الروسية، بعد تحذير طياريها مرات عدة بأنهما ينتهكان المجال الجوي التركي.
معركة كسر عظم
أشعل التصريح الرسمي الأول الذي أدلى به الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حول إسقاط الطائرة الروسية، معركة كسر عظم سياسية مع الحكومة التركية، حيث اتهمها بأنها داعمة للإرهاب، وأنها وجهت طعنة لروسيا في ظهرها.
وعلل بوتين، حينها، ما ذهب إليه باتهام السلطات التركية بممارسة “سياسة داخلية موجهة نحو أسلمة البلاد كلها”، وأضاف، “الأمر يتعلق بدعم النزعات المتطرفة في الإسلام”.
بدوره، اعتبر رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيدف، أن “أعمال أنقرة أصبحت دليلًا على دعمها للمتطرفين من تنظيم الدولة الإسلامية، وتقويض علاقات حسن الجوار الطويلة بين روسيا وتركيا، ولا سيما في الاقتصاد والمجال الإنساني”.
في حين نقل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، المواجهة السياسية مع تركيا إلى التشكيك في أن سياسات الرئيس التركي وحكومة حزب العدالة والتنمية تلقى تأييد الرأي العام التركي.
في المقابل، ظلّت التصريحات الرسمية التركية، متمسكة في أن الطائرة الروسية اخترقت الأجواء التركية مدة من الزمن، وأنه تم تحذيرها قبل إطلاق النار عليها.
عقوبات صارمة
بعد ثلاثة أيام على الحادثة، أعلنت روسيا عن حزمة عقوبات اقتصادية ضد تركيا، بعد أن وقع الرئيس الروسي مرسومًا رئاسيًا يتناول المواد التي يُحظر استيرادها من تركيا، ونشاط الشركات التركية في روسيا، والأتراك الذين يعملون لمصلحة شركات روسية في داخل البلاد.
ودعا المرسوم أيضًا إلى وقف الرحلات السياحية التجارية بين البلدين، وفرض مجموعة كبيرة من العقوبات الاقتصادية على تركيا.
كما قررت موسكو تعليق نظام دخول المواطنين من دون تأشيرة الذي كان متبعًا بينها وبين أنقرة، وبالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية، قررت روسيا تعزيز دفاعاتها المضادة للطائرات في سوريا من خلال الدفع بطراد حربي قبالة السواحل السورية ونشر صواريخ جديدة في قاعدتها العسكرية هناك.
ورفضت موسكو تأكيدات أنقرة أن الطائرة الروسية دخلت الأجواء التركية لمدة 17 ثانية رغم تحذيرها.
من جانبها، نصحت وزارة الخارجية التركية المواطنين الأتراك بتجنب السفر الى روسيا إلا للضرورة الملحة، حيث اتخذت هذا القرار عقب تعرض الزائرين والمقيمين الأتراك في روسيا الى مضايقات.
كما حذر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حينها، روسيا من “اللعب بالنار” باستخدام قواتها في سوريا.
بعد هذه التصريحات المتبادلة، والعقوبات المفروضة من قبل موسكو على أنقرة، دخل البلدان في نفق قطع العلاقات والركود في التعامل.
اعتذار يُعيد العلاقات
مطلع حزيران 2016، انتقلت العلاقات بن البلدين إلى مسار جديد، بعد أن أعلن الكرملين، أن الرئيس التركي اعتذر لنظيره الروسي عن إسقاط المقاتلة الروسية، ودعا إلى “إصلاح العلاقات بين تركيا وروسيا”.
وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، حينها، إن “الرئيس التركي عبر عن تعاطفه وتعازيه الحارة لعائلة الطيار الروسي الذي قتل، وقدم اعتذاره”، مضيفًا أن أردوغان قال إنه سيبذل كل ما بوسعه لإصلاح العلاقات الودية تقليديًا بين أنقرة وموسكو.
وكان أردوغان قد صرح قبل أيام من اعتذاره لبوتين، بأنه يعتزم تعزيز علاقات تركيا مع روسيا، في حين ردّ عليه بوتين، بأن موسكو على استعداد لإعادة النظر في علاقتها مع أنقرة لكن الأمر يتطلب من تركيا أن تتخذ “الخطوة الأولى”، حسب قوله.
سوريا تجمع البلدين
بعد اعتذار أردوغان لبوتين، وعلى الرغم من وقوف كل منهما إلى جانب طرف من أطراف الصراع في سوريا، إلا أن وجودهما هناك كان بوابة لتعزيز العلاقات بينهما على عدة أصعدة على رأسها العسكرية.
كان التدخل الروسي- التركي في الملف السوري سببًا أساسيًا أيضًا لتشبيك العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، عبر إنشاء مسار أستانة، الذي تعتبره كل من أنقرة وموسكو قاعدة أساسية للحل في سوريا، والذي كان النتاج الأول لعودة العلاقات بين البلدين.
أفرز اجتماع أستانة بعد ذلك خرائط لـ “خفض التصعيد” بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة في الشمال السوري، وكانت هذه الخرائط تقتضي بحسب روسيا وتركيا، إنشاء قواعد عسكرية ونقاط مراقبة ودوريات مشتركة للبلدين في الشمال السوري.
ويومًا بعد يوم، تشهد العلاقات بين البلدين تطورات، حتى أصبحت توصف تلك العلاقة بأنها أكثر من دافئة، وقد تُرجم هذا الدفء، بثلاث مراحل حساسة تتعلق بتعقيدات الملف السوري.
أولى هذه المراحل اتفاق سوتشي في أيلول 2018، الذي حد من العمليات القتالية في إدلب، وثبت الوضع على ما هو عليه إلى يومنا هذا، وثانيها صفقة صواريخ “S400″ الروسية لتركيا التي تسلمتها أنقرة، في تموز الماضي، على الرغم من معرفتها، بأنها تخاطر بعلاقتها مع أمريكا الرافضة لهذه الصفقة، وثالثها اتفاق سوتشي بخصوص معارك الجيش التركي و”وحدات حماية الشعب” (الكردية)، الذي أوقف عملية “نبع السلام” في منطقة شرق الفرات نهاية تشرين الأول الماضي.
–