إيران تُدير ظهرها لشرق الفرات وتواصل تغلغلها اقتصاديًا في سوريا
عنب بلدي – تيم الحاج
عند النظر إلى سير المعارك والاتفاقيات المبرمة في منطقة شرق الفرات، النقطة الأكثر سخونة في سوريا منذ أكثر من شهر، نتيجة المعارك والانتشار الجديد فيها، يبدو المشهد واضحًا لجهة اللاعبين وغاياتهم، مع ملاحظة جليّة، هي غياب تام لأي دور لإيران وميليشياتها هناك، التي رافقت على الدوام قوات النظام السوري في كل جولاته العسكرية في سوريا.
إيران، الغائبة عن المعارك التي يخوضها اللاعبون المحليون، وهم “الجيش الوطني” السوري من جهة و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) معززة بقوات النظام من جهة ثانية، في منطقتين من شمال شرقي سوريا (عين عيسى وتل تمر)، حاضرة في مجال آخر في البلاد يعزز محاولات تمددها اجتماعيًا وتغلغلها اقتصاديًا، وذلك عبر مضيّها في توقيع الاتفاقيات مع النظام السوري.
طهران تلتفت لقطاع الكهرباء
مع التحضيرات التي كانت تجريها تركيا لإطلاق معركة “نبع السلام”، مطلع شهر تشرين الأول الماضي، بهدف إبعاد “قسد” التي تمثل “وحدات حماية الشعب” (الكردية) عمودها الفقري، كانت طهران تحضر لعقد صفقات تجارية مع النظام وتحديدًا في قطاع الكهرباء.
وكان ملاحظًا تزايد الاتفاقيات الموقعة بين النظام وحليفته إيران، بعد توقف المعارك في إدلب أواخر شهر آب الماضي، وهي (الاتفاقيات) تندرج تحت بند السعي الإيراني لحجز مقعد في سوق إعادة الإعمار بسوريا رغم التحذيرات الدولية وخاصة الأمريكية.
أحدث تلك الاتفاقيات، التي وقّعت بين الطرفين، كانت قبل أيام، وتتضمن منظومة الكهرباء وتطوير التجهيزات الكهربائية في سوريا.
وفي 7 من تشرين الثاني الحالي، قال وزير الكهرباء في حكومة النظام السوري، محمد زهير خربوطلي، إن إحدى الشركات الإيرانية ستزور سوريا للتعاقد لتأهيل محطة كهرباء حلب قريبًا.
وأوضح خربوطلي أن الجدولة المالية التي أُدرجت في العقد مع الشركة ستكلف 63 مليار ليرة سورية (93 مليون دولار أمريكي)، وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة “الوطن” المحلية.
وكانت حكومة النظام السوري وقّعت، مطلع أيلول الماضي، اتفاقية تعاون مع شركة إيرانية لتوليد الطاقة الكهربائية في المنطقة الواقعة بين حمص وحسياء، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وفي نهاية عام 2018، وقعت إيران اتفاقية مع النظام السوري بقيمة 400 مليون يورو لإنشاء محطة كهرباء في مدينة اللاذقية، ونقلت حينها وكالة أنباء الطلبة (إسنا) عن وزير الطاقة الإيراني، رضا أردكانيان، قوله إن طهران توصلت إلى اتفاق مع دمشق لبناء محطة كهرباء قيمتها 400 مليون يورو (460 مليون دولار) في مدينة اللاذقية.
ويعتبر قطاع الكهرباء من أكثر القطاعات التي تأثرت في سوريا خلال سنوات الثورة السابقة، بحسب مدير توزيع الكهرباء في دمشق، مصطفى شيخاني، الذي قال، في آب من عام 2018، إنه “من أكثر القطاعات الحيوية التي تم استهدافها ومحاولة تخريبها وإخراجها عن العمل”.
وفي تموز الماضي قال ناشطون إيرانيون إن منظمة “جهاد البناء” الإيرانية عملت على بناء محطة تحويل للطاقة قرب بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي.
وأوضحوا حينها، أن قوتها الاستطلاعية 66-20 كيلوفولت، وتقدر تكلفتها بنحو مليار و300 ألف ليرة سورية (مليونان و80 ألف دولار أمريكي).
استثمار مربح
سعي إيران للسيطرة على قطاع الكهرباء في سوريا ليس جديدًا، فطهران ترتكز في ذلك على مطامع قديمة، بدأت قبل عام 2011 وتحديدًا عام 2009، عندما تم استجرار عدادات كهرباء من إيران لتركيبها في سوريا، وكان الهدف منها رفع وتحرير أسعار الكهرباء على مراحل، لكن قيام الثورة السورية أدى إلى تأجيل هذا المشروع.
وفي حديث سابق إلى عنب بلدي، رأى الباحث الاقتصادي يونس الكريم، أن إيران تريد حجز استثمارات لها من خلال قطاع الكهرباء، لأن روسيا باتت تسيطر على معظم مفاصل الدولة السورية.
ولفت إلى أن قطاع الكهرباء يُعتبر قطاعًا واعدًا، وفيه أرباح كبيرة لعدم وجود شركات منافسة، موضحًا أن “قطاع الكهرباء احتكاري بامتياز خاص بالدولة”.
وقال الباحث لعنب بلدي إن إيران تريد من خلال قطاع الكهرباء أن تكون قريبة من الحلقة الوسطى، أي من التجار والصناعيين والفقراء السوريين، عبر إمدادهم بالكهرباء، لكسب ودهم ومحاولة السيطرة عليهم عبر شراء ولاءاتهم.
طهران ترفض “نبع السلام”
أعرب عدد من المسؤولين الإيرانيين عن رفضهم لعملية “نبع السلام” التي انطلقت في 9 من تشرين الأول الماضي، وتوقفت بعد 14 يومًا، على ضوء اتفاق بين موسكو وأنقرة سبقه اتفاق بين الأخيرة وواشنطن لكنه لم يكلل بالنجاح.
والتزمت طهران بموقف واحد حيال العملية، ودعت في تصريحات متكررة إلى الالتزام بـ”وحدة الأراضي السورية”، وإلى التمسك بـ”اتفاقية أضنة” كسبيل وحيد للوصول إلى السلام والاستقرار.
وكان أبرز التصريحات الإيرانية بشأن “نبع السلام” رفض طهران إقامة قواعد عسكرية تركية في سوريا، معتبرة أن القواعد التركية “تنتهك” السيادة الوطنية لسوريا، وفق ما نقلت وكالة “مهر” الإيرانية عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي.
من جانبه، انتقد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الموقف الإيراني من عملية “نبع السلام”، وقال في مؤتمر صحفي بأنقرة، في 22 من تشرين الأول الماضي، “ثمة أصوات مزعجة تصدر من الجانب الإيراني حيال نبع السلام، وكان ينبغي على السيد روحاني إسكاتها، فهي تزعجني أنا وزملائي”.
وكان أحدث لقاء جمع الرئيسين، الإيراني حسن روحاني، بنظيره التركي، اللذين يمثلان ضلعين أساسيين في مثلث تحالف مسار أستانة (تركيا، إيران، روسيا)، قبل أقل من شهر على انطلاق عملية “نبع السلام”.
وفي سياق أستانة، قال المحلل السياسي حسن النيفي، في حديث إلى عنب بلدي، إنه من الملاحظ أن دور طهران في مسار أستانة بدأ يضمحل حتى بات مهمشًا.
وتعليقًا على عدم مشاركة إيران في عملية “نبع السلام”، اعتبر حسن النيفي أن انكفاء إيران عن شرق الفرات يوازيه أيضًا انكفاء عن غربه ومناطق أخرى، وفق قوله.
وأشار إلى أن هناك واقعًا جديدًا يفرض نفسه اليوم على إيران، في ضوء الثورات التي انطلقت في كل من العراق ولبنان، بالإضافة إلى الاحتجاجات المندلعة في إيران بسبب الوضع المعيشي.
وقال المحلل السياسي، “بلا شك هذه الثورات بإلاضافة إلى الثورة السورية تواجه عدوًا واحدًا هو إيران”.
ولفت إلى أن طهران الآن هي أحوج ما تكون إلى ميليشياتها المنتشرة في كل مكان، لكي تقاتل معها في الداخل الإيراني، معتبرًا أن إيران باتت مشغولة بالدفاع عن ذاتها أو عن الأنظمة أو الأذرع المباشرة التي تمسك بها.
وأضاف حسن النيفي، “شهدنا في الأيام الماضية ميليشيات إيرانية تضرب المتظاهرين في العراق، وميليشيات حزب الله تعتدي على المتظاهرين في لبنان”.
وأوضح أن الثورة العراقية تطالب بخروج إيران من العراق، بالإضافة إلى مطالبة المتظاهرين في لبنان بتجريف نفوذ “حزب الله”، وهذا الكلام ينطبق على الثورة السورية أيضًا، وفق تعبيره.
وختم قائلًا، “إيران عدوة لشعوب ثلاث دول فضلًا عن وجود ثورة كبيرة داخل إيران الآن، لذلك هي تعيش حالة من الانكفاء “.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :