طريق تركيا- اليونان
سوريون يقطعون البحر إلى أوروبا مجددًا
برنامج “مارِس” التدريبي – وئام الحاج
يفترش العشرات من الراغبين باللجوء إلى أوروبا ساحة “بسمني” وسط مدينة إزمير التركية، التي تنتشر فيها شبكات التهريب، يدفعون ما يلزم، ويستعدون لخوض رحلة غير معروفة العواقب.
محمد (40 عامًا)، متزوج ولديه طفلتان، ترك وظيفته في وزارة المالية بدمشق هربًا من الخدمة الاحتياطية، فغادر إلى إدلب، ومنها إلى تركيا بطريقة غير شرعية، بقصد الوصول إلى أوربا عبر البحر.
اختار محمد (فضلت عنب بلدي عدم كشف اسمه الكامل حرصًا على سلامته) اليونان كوجهة أولى، ولإتمام الرحلة إلى هناك تواصل مع العديد من سماسرة التهريب، “اخترت طريق البحر إلى اليونان عبر الجزر المنتشرة في بحر إيجة، خاصة بعد انتشار أقاويل عن أن السلطات التركية ستسمح للقوارب بالوصول إلى الجزر هناك، في حال معارضة أوروبا لإقامة المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا لإنشائها في شرق الفرات”، يقول محمد لعنب بلدي.
وأعادت التحركات التركية في شمال شرقي سوريا خلال الشهرين الماضيين، والتهديدات لأوروبا بفتح طريق اللجوء، أسباب هجرة السوريين من الأراضي التركية، سبقتها حملات الترحيل لمخالفي قوانين الحماية المؤقتة منذ تموز الماضي، من البلد الذي يستضيف أكبر قسم من اللاجئين السوريين في العالم.
وكانت أعداد المهاجرين الواصلين إلى اليونان تراجعت بنسبة 90% بعد عام 2016، لكن الحملة التركية الأخيرة لترحيل الأجانب المخالفين من مدنها الرئيسية، أدت إلى عودة ارتفاع أعداد المهاجرين عبر البحر إلى اليونان.
ويبلغ عدد اللاجئين الواصلين إلى اليونان عبر البر والبحر، منذ بداية عام 2019 حتى العاشر من تشرين الثاني الحالي، 59 ألفًا و448 لاجئًا، بحسب إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
خبرة ضد النصب والاحتيال
وصل محمد إلى إزمير عبر سيارة أجرة خاصة بطريقة غير شرعية أيضًا، لكونه لا يحمل بطاقة حماية مؤقتة (كيملك)، لذا اضطر لدفع ألف ليرة تركية (نحو 180 دولارًا أمريكيًا)، بينما لا تكلف الرحلة بحافلات النقل العادية أكثر من 100 ليرة.
“نتواصل يوميًا مع سماسرة ومهربين يعملون كشبكة متصلة، دون أن نقابلهم أو نعرفهم شخصيا”، يقول محمد، الذي يعتقد أنهم “مرتبطون بشكل مباشر مع مافيات تركية”.
لم يسلم محمد من الاحتيال المادي، لكن غيره أبدى خبرة أكبر، فبينما دفع هو 1700 يورو، علم أن آخرين دفعوا 1200 يورو فقط لقاء الرحلة بواسطة “البلم”، وللمهرب ذاته.
ونشطت مؤخرًا في إزمير وغيرها من الولايات التركية التي يعبرها المهاجرون إلى أوروبا مكاتب لتأمين الأموال، تتعامل مع المهربين والسماسرة، إذ يضع المهاجر المبلغ الذي سيدفعه للمهرب في مكتب التأمين، ويدفع 50 دولارًا إضافيًا للمكتب، ويحصل على “شيفرة” يعطيها للمهرب أو السمسار، الذي يأخذ بدوره المبلغ من مكتب التأمين بعد وصول المهاجر إلى اليونان.
أكثر من محاولة
خالد (32 عامًا)، متزوج ولديه طفل واحد، ترك عائلته في مدينة اسطنبول، واختار ركوب الأمواج للوصول إلى حلمه الأوربي، بعد أن هُدد بالترحيل إلى مدينة قونية التي يحمل بطاقة حماية مؤقتة منها.
يقول خالد (فضلت عنب بلدي عدم نشر اسمه كاملًا)، “تنطلق من منطقة شيشمة غربي إزمير معظم البلمات، وهي قوارب مطاطية بطول ثمانية أمتار، تتسع لـ 12 شخصًا فقط، بينما يقوم المهربون بتحميلها بأكثر من 40 شخصًا”.
التقت عنب بلدي خالد قبل محاولة السفر الثانية، إذ أكد أنه كاد أن يغرق خلال رحلته السابقة، بعد أن حمّل المهرب القارب 60 شخصًا بينهم نساء وأطفال، قبل أن تنتشله فرق الإنقاذ.
نقل خفر السواحل خالد إلى مركز احتجاز” شيشمة”، الذي وصفه بأنه “سيئ جدًا”، حيث “لا طعام ولا ماء، ولا حتى أماكن للنوم”، وبعد أن قضى ثمانية أيام أُطلق سراحه، ليعاود المحاولة مرة جديدة.
إزمير ليست وحدها الطريق إلى الجزر اليونانية، بل هنالك ولايات آيدن وبودروم وموغلا ومرميس أيضًا، بينما تشكل إزمير “عاصمة التهريب والسماسرة” فمن ساحة “بسمني” تحديدًا، يتم توزيع المهربين على بقية الولايات.
وتعتبر جزر كيوس وشيوس وليفسوس وسيمي ورودوس وكوس، من أبرز الجزر التي تصل إليها القوارب من إزمير، حيث يضطر اللاجئون للتعامل مع السماسرة من جديد، أو البقاء فيها إلى أن يتم نقلهم إلى البر، وهو الخيار الذي يحتاج وقتًا أطول.
لـ “البلمات” أنواع
تختلف أنواع وتسميات القوارب المستخدمة في طرق التهريب، وتختلف الأسعار من نوع لآخر، إذ درجت لدى المسافرين تسمية “البلم” عن القارب المطاطي الذي كان أبرز القوارب المستخدمة في عام 2015، لكن اليوم يبدو الأمر مختلفًا بعض الشيء.
أبو عبدو الحلبي (اسم مستعار)، هو أحد سماسرة التهريب في إزمير، تحدث لعنب بلدي عن أنواع الزوارق المستخدمة في طريق تركيا- اليونان، عبر بحر إيجة.
“للبلمات” نوعان، وفق “أبو عبدو”، الأول (العادي) وهو مطاطي تتراوح أجرة السفر فيه بين 1000 و1200 يورو، بينما تتراوح أجرة “البلم المعدل” بين 1200 و1700 يورو، وهو شبيه جدًا بالمطاطي مع تعديل أرضيته بوضع الخشب لزيادة التحمل، إضافة إلى تبديل المقود الذي يجعل منه شبيهًا بمقود القوارب.
وصل خالد خلال رحلته الثانية إلى اليونان، باستخدام “البلم المعدل”، أما محمد فوصل إلى اليونان عبر اليخت السياحي، وهو الأكثر تكلفة، إذ يضطر الراغب بالسفر عبره الانتظار لأيام، قد تصل إلى شهر، وتكلفته بين 3000 و3500 يورو.
ويشير “أبو عبدو” إلى أن بعض المهربين يستخدمون “جيت بوت” وهو قارب رياضي سريع جدًا، صمم للمسابقات البحرية، واستعمل في طرق التهريب لأول مرة منذ عامين، وهو خطير جدًا على العائلات، وتكلفة السفر فيه تتراوح ما بين 2000 و2800 يورو.
إلى غربي أوروبا.. المهمة التالية
يستغل بعض المهربين حاجة الراغبين بالوصول إلى الجزر اليونانية بأي طريقة كانت، بحسب السمسار “أبو عبدو”، الذي تحدث لعنب بلدي عن مسافر اتفق مع أحد المهربين للوصول إلى إحدى الجزر عبر “جيت بوت”، لكنه تفاجأ عند وصوله إلى نقطة التهريب أن الزورق هو عبارة عن “بلم معدل”.
واتفق أحدهم مع مهرب على الركوب بـ”بلم معدل”، لكنه تفاجأ بعد وصوله إلى نقطة التهريب أنه مطاطي، يقول “أبو عبدو”، ويتابع، “رضخنا للأمر الواقع تحت تهديد السلاح من قبل المافيا التي تستلم جميع النقاط البحرية”.
الوجهة تكون ضمن إحدى طرق الاحتيال أيضًا، فـ”أبو عبدو” يعرف شخصًا اتفق مع مهرب للوصول إلى جزيرة كيوس، ليتفاجأ أنه قد وصل إلى جزيرة متليني “التي تعد من أسوأ الجزر، إذ لا يمكنك الخروج منها بسهولة”.
المهمة التالية بالنسبة لخالد ومحمد الواصلين إلى اليونان هي محاولة تأمين مهربين آخرين، يساعدونهما على الانتقال إلى إحدى دول غربي أوروبا، بعد الوصول إلى البر اليوناني.
عملية الانتقال إلى غربي أوروبا قد تستغرق وقتًا أطول، وقد يجبر خالد ومحمد على البقاء في مخيمات الجزر اليونانية، مدة طويلة، في ظروف صعبة، بانتظار الرحلة المقبلة.
تعاني مخيمات المهاجرين واللاجئين على الجزر اليونانية من الازدحام الشديد ونقص الخدمات، مع ارتفاع أعداد الواصلين خلال الأشهر القليلة الماضية وبطء الإجراءات القانونية للبت في طلبات الوافدين.
كما تحاول الحكومة اليونانية فرض المزيد من الإجراءات وسن قوانين للحد من وصول اللاجئين إليها، ومنها القانون الذي أصدرته في 31 من تشرين الأول الماضي، بهدف تسهيل إجراءات البت في طلبات اللجوء وتسريع إجراءات الترحيل لغير المقبولين، التي واجهت عراقيل قانونية سببت ازدحام أكثر من 35 ألفًا، 19% منهم من السوريين، على جزرها.
ووفق القانون، يجري أفراد الشرطة اليونانية والجيش المقابلات مع طالبي اللجوء بعد أن كان يجريها الموظفون اليونانيون، وستكون عملية استئناف الطلبات والاعتراض على الرفض أصعب، بعد أن منعت الحكومة مشاركة موظفي مفوضية اللاجئين بعملية إعادة التقييم، كما سمحت باحتجاز طالبي اللجوء المرفوض طلبهم حتى 18 شهرًا.
ويعيش طالبو اللجوء في ظروف غير صحية، إذ تعاني المخيمات من نقص حاد في عدد الأطباء المدربين وفق نظام الرعاية الصحية اليوناني الذي يرفض قبول الأطباء من المنظمات غير الحكومية.
ومع انتقادات من منظمات حقوقية عدة، ما زالت اليونان تصعّب إجراءات اللجوء، وتحاول الحد من إمكانية وصول المهاجرين، تنفيذًا للاتفاقات الأوروبية- التركية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :