يافا إدريس
هنا شارع صفد، هنا شارع حيفا. هنا شارع لوبية.. هنا مخيم اليرموك. تردد اسم المخيم مرارًا في الإعلام منذ أواخر عام 2012 حين غادره سكانه إثر ضربة للطيران الجوي السوري، وعاد ليتصدر نشرة الأخبار في شهر سيبتمبر 2013 منذ أن أحكمت القوات السورية النظامية والميليشيات الفلسطينية الداعمة لها حصارها عليه، وتركت سكانه يصارعون الموت والجوع والخذلان. ثم أخذت قصة المخيم صدى عالميًا في شهر أبريل الماضي حين احتل تنظيم داعش معظم مساحته بعد صراع مع الكتائب المسلحة بداخله وبدأت براميل النظام السوري بتدمير ما بقي صامدًا منه.
يعد مخيم اليرموك من أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا، ويقع في الجزء الجنوبي من دمشق على مساحة تقارب 2.11 كم مربع، وتم إنشاؤه عام 1957 لتوفير السكن والإقامة للاجئين الفلسطينين. ولكنه مع بداية الثورة تمدد ليتسع لأخوته السوريين النازحين من المناطق المجاورة يستضيفهم ببيوته ومدارسه يسعف جرحاهم ويواري ثوّارهم بحواريه الضيقة العصية على المداهمات.
في ذكرى النكبة الـ 67 تقول م.ع، الفلسطينية من مخيم اليرموك، «حنيني اليوم إلى المخيم أكبر بكثير من حنيني لفلسطين وحلمنا الأزلي أنا وعائلتي بالعودة إلى حيفا طغت عليه رغبتنا بالرجوع إلى منزلنا في المخيم واجتماعنا هناك على سفرة واحدة، فأنا وأمي في دمشق وأخي في السويد وأختي في ألمانيا.. تشتتنا، وكلما ابتعدنا عن المخيم خطوة صارت فلسطين أبعد ألف مرة».
يضيف الحاج أبو محمد، السبعيني، «مؤامرة! حتى يغلقوا ملف اللاجئين الى الأبد، لم يتركوا أمام شبابنا إلا الموت أو المهجر، خونة يا عمي؛ ما عاناه الشعب الفلسطيني من تآمر وتنكيل الأنظمة العربية يوازي مافعلته إسرائيل إن لم يكن أعظم».
اختلطت الأوراق مجددًا أمام الفلسطينين، وبات من الواضح لديهم أن قضيتهم كانت ورقة رابحة بيد بعض الأنظمة يمرروا من خلالها مصالحهم ويحافظوا فيها على نفوذهم، وأن تحرير فلسطين يبدأ بتحرير دمشق وغيرها من العواصم العربية التي ترزح تحت وطأة الاستبداد.
يقول محمود درويش: نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ وَنَزْرَعُ حَيْثُ أَقمْنَا نَبَاتًا سَريعَ النُّمُوِّ ، وَنَحْصد حَيْثُ أَقَمْنَا قَتِيلاَ.
واليوم اقتلع الفلسطينيون من جذورهم المؤقتة في مخيمات سوريا بأيدٍ عربية هذه المرة، وحصدوا شتاتًا جديدًا فوق شتاتهم السابق، ولكنهم قالوا منذ البداية «واحد واحد واحد.. فلسطيني سوري واحد»، دمنا هنا واحد؛ حكايتنا رغم خصوصية بعض فصولها واحدة؛ وطريق خلاصنا جميعًا واحد أيضًا.