حنين النقري – عنب بلدي
«بلد المقاومين.. البلد التي لا تقهر»، يبدو أن هذه المعاني لاسم مدينة تدمر فارقتها مؤخرًا بعد تاريخ طويل من المجد، وصارت «عروس الصحراء» سبيًا بين أيدي مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية»، لتنطلق التحذيرات من كل حدب وصوب عمّا سيفعله «مجاهدو» التنظيم بالآثار فيها.
آخرون قلقون على حال الأهالي والسجناء مجهولي المصير، إلا أن زاوية أخرى من التوتّر ليست في هذا وذاك ظهرت اليوم على الساحة، يعيشها أهالي مدينة حمص وقراها بعد أن بات التنظيم في محافظتهم وعلى أبوابهم، فكيف هو الواقع هناك؟
خوف «البعث»
خالد، طالب هندسة من كلية البعث في حمص، يخبرنا أن حديث طلاب أبناء الطائفة العلوية اليوم بات مقتصرًا على مخاوفهم من «داعش»، فبعد أن «كانت كل أحاديثهم تتغنى بانتصارات النظام وتحمل استفزازًا طائفيا لباقي الطلاب، يتحدثون اليوم بلهجة رعب عن داعش؛ بالفعل صارت هوسًا وخاصة بعد تحرير إدلب والشغور، زاد الأمر بلّة وقربًا منا سقوط تدمر».
يُعرف معظم أساتذة جامعة «البعث» بموقفهم من الطلاب غير المنتمين لطوائفهم، يقول خالد إن هناك دكتورين على الأقل ممن ينتمون للطائفة العلوية تركوا الجامعة «هناك العديد من الطلاب تخرجهم متوقف على مقررات الدكتور الذي يقوم بإعطاء مقررات لأكثر من سنة دراسية؛ اليوم يفاجأ الطلاب بأنه انتقل لجامعة اللاذقية تاركًا وراءه كل شيء» فيما تصل لآذان الطلاب أنباء عن احتمال التحاق عدة أساتذة آخرين به.
المشافي تستنفر
أصوات سيارات الإسعاف لم تتوقف يوم سقطت تدمر بيد «داعش»، هذا ما أكّده معظم من تحدّثنا إليهم من حمص، إذ توضح الممرضة (ل.ل) في مشفى الزعيم الواقع في حي عكرمة المؤيد «إن أعدادًا كبيرة من جثث جنود الجيش وصلت إلى مشفى الزعيم، ومثلها بقية مستشفيات حمص، هناك حالة هلع حقيقية هنا».
أواصر أخوّة!
أبو حمزة، حاج حمصي، يخبرنا عن تغيّر معاملة الحواجز معه ومع الآخرين في المناطق السنية، بعد أن كانوا يعانون من تدقيق وتفتيش شديد كلّما مرّوا على أحد الحواجز «العناصر اليوم لا يأخذون هوياتنا الشخصية أنا ومن هم في سنّي، لا أحد يفتشنا، هناك تعامل مختلف تشعر أنه بسبب الخوف في قلوبهم».
فوجئ أبو حمزة لدى مروره على حاجز السفير (من الحواجز المعروفة بحمص) بما قاله أحد العناصر «لازم نقوي الأواصر يلي بيناتنا يا حجي، ونكون إيد وحدة مشان إذا إجت داعش تخبونا عندكن».
استغرب الحاج من هذه اللهجة اللطيفة «بصراحة شعرت بخوف في قلوب العناصر، لعلّهم يتنبؤون بأن النظام سيتخلى عنهم في حال اقتحام المدينة من الثوار أو من قبل داعش، ولن يبق لهم إلا أهاليها».
قوي وضعيف
يرى إبراهيم (21 عامًا) أن سكان الأحياء المعارضة للنظام عمومًا أصيبوا بحالة من اللامبالاة «مرّ على رأسنا الكثير، كنا الطرف الأضعف في سنوات الثورة، من لم يخرج من حمص حتى اللحظة لن تعنيه الشائعات حول داعش، لكن العلوية -وهم الطرف الذي كان يرهبنا دومًا بقوته- خائفون للغاية ويشعرون بتهديد وجودهم، هم وحدهم من يفكرون بالخروج إلى الساحل أو السفر، وبعضهم بدأ بهذا بالفعل».
تؤكد الطمأنينة التي تمتلكها السيدة هدى، من أهالي حيّ الدبلان، ما يقوله إبراهيم، فهي تواجه مخاوف دخول مقاتلي داعش إلى حمص بقولها «لم أغادر منزلي قط، تحملنا القصف واقتحامات باباعمرو بصبر؛ هل ستدخل داعش؟ لا يهمني.. ما حدا بيموت قبل ما يخلص عمره».
اللافت في حديث الشخصيات التي تواصلنا معها هو روح الثورة وجذوتها في داخل كل منهم؛ مدينة حمص اليوم خاضعة للنظام، يحاول أن يثبت شرعيته على أرضها ما استطاع، لكن هل يمتلك شرعيةً في قلوب الناس كالحاج أبو حمزة الذي يقول «أكثر ما يقلق معظم من حولي هو أن نفقد هذه الخدمات إن دخلت داعش؛ أمور أخرى مثل إلى من تنتمي الحواجز المسيطرة على حمص لن تضيف فارقًا إلى حياتنا، قمنا بهذه الثورة وخرجنا ضد النظام، حواجزه وحواجزهم سواء».