أسامة شماشان – الحراك السّلمًي السّوري
أهم ما تعلّمنا قصة أصحاب الكهف، أن وعد الله حق، والباطل مهما طال أمده زائل. ولكن لماذا ماتوا جميعًا بعد يقظتهم ورجوعهم إلى المدينة؟
لأنهم لم يستطيعوا التعايش مع جيل يسبقهم بثلاثمئة سنة، حتى لو كان هذا الجيل مؤمنًا.
لماذا لم يستطع أصحاب الكهف التعايش مع جيل مؤمن جاء بعدهم بثلاثة قرون؟ الجواب هو: لأنهم «رجعيون»، والرجعية اصطلاح نطرحه كثيرًا في أشكال عديدة وصور شتى.
فالرجعي في الحساب، هو الذي يستعمل أصابع اليدين بدلًا من الآلة الحاسبة، والرجعي في البناء، هو الذي يخلط الرمل والإسمنت والماء بيديه بدلًا من الآلة، والرجعي في الدراسات الإسلامية هو الذي يتبنى النظم المعرفية وأدوات استنباط المعرفة السائدة في القرن الثاني الهجري ويريد الحفاظ عليها في القرن الواحد والعشرين.
أما «التقدمي» بالمقابل، فهو الذي يتبنى النظم المعرفية وأدوات المعرفة السائدة في القرن الواحد والعشرين بدراساته الإسلامية، علمًا أن كليهما مؤمن بالله، لكن الأفضلية تبقى للتقدمي، لأنه قادر على استيعاب الرجعي وفهمه، أما الرجعي فغير قادر على فهم التقدمي واستيعابه.
وأشير هنا إلى الأطروحة التي تقول دائمًا، لو أن الله بعث الصحابة أجمعين في القرن الواحد والعشرين، لحلوا لنا مشاكلنا، وهذا وهم، لأن ذلك لو حصل لكان شأنهم شأن أهل الكهف، ولو تواجدوا معنا في زمننا بأرضية القرن السابع فلن يفيدونا في شيء.
وهذا هو حال السلفية الإسلامية، التي تريد أن تحضر الصحابة، وعصر النبوة، والخلفاء الراشدين، إلى القرن الواحد والعشرين، وتفرضه فرضًا على أنه الإسلام الصافي النقي، وهذه الناحية تختلف عن صراع الأجيال، فصراع الأجيال صراع آباء وأبناء في جيلين، أما صراع الأدوات والنظم المعرفية، فهو صراع في جيل واحد.
وتظهر خطورة هذا الصراع الذي قد يؤدي إلى صدام، من كون الرجعي في الدراسات الإسلامية متشنج، يريد أن يفرض الإسلام على الناس بالقوة كما يراه، تحت حجة حاكمية الله، مستعينًا ومعتمدًا على السلطة الاستبدادية، التي يسوغ وجودها في الأصل، بإعطائها صفة الشرعية.