نعم أنا مسلمة، وأرتدي الحجاب ولكني لا أضمر الشر لأحد، ولا أزرع في نفوس أطفالي سوى المحبة
من هناك.. مع المحبة، ومع الاختلاف
لبنى محمد
أودعها إلى الباب… وقبيل أن تغادر ضيفتي، أو بالأصح مضيفتي في بلادها، تلتفت إليّ وتردد «Don’t worry، don’t worry…
أعرف أنك ستشعرين بفرق في بلدنا، وأعرف أن هناك بعض الاختلافات بين ثقافتنا وثقافتكم».
أومئ لها برأسي بينما تتزاحم فيه الاختلافات التي أشارت إليها المسؤولة الاجتماعية عن أسرتنا في برنامج دمج اللاجئين.
«ليس ما تقصدينه بعض الاختلافات، لربما تقصدين أن أغلب الحياة هنا اختلاف، أم أنك فعلًا لا تعلمين؟ دعيني أخبرك عن ذلك… ولكن من أين أبدأ؟
من اليد التي تمتد لمصافحتي مباشرة عند مقابلة أي شخص، رجلًا كان أم امرأة، واعتبار عدم المصافحة من باب عدم الاحترام. وأنا، القادم الجديد إلى دياركم، أجد نفسي مرارًا ملزمًا بتبرير موقفي، عند الطبيب، وفي المدرسة، وفي المكتبة، وفي الحديقة وأينما ذهبت… أنه ليس تقليلًا من شأن أحد، ولكنه من علامات ديننا الذي يحافظ على حدود العلاقات بيننا.
أو علني أبدأ بالحديث من مسألة الحجاب، «البعض من الاختلاف» الذي أشرت إليه يا صديقتي. «البعض» الذي يتعدى أثره إلى إطلاق أحكام على أسرة بأكملها. فلأنني أم وزوجة ترتدي الحجاب، بات أبناؤها وزوجها إرهابيين-أو قابلين للتحول إلى ذلك على أحسن تقدير.
أوصل صغيرتي إلى المدرسة، فتطالنا نظرات «التحفظ» من الجميع. أما ابنتي ذات الأربعة عشر ربيعًا فتسألها المدرّسة عّما إذا أجبرناها ارتداء الحجاب أم أنها اختارته، وعمّا إذا كانت ستنزعه في الصيف. أمّا ابني فقد اعتاد النظرة التي تبدو على وجه محادثه حين يعلم الأخير أن أمه ترتدي الحجاب… تلك النظرة التي كونتها الأحكام المطلقة، والأنماط، والتصور المسبق عن المسلمين.
هل تعلمين «بعض» الألم الذي يعتصرنا حين نبحث عن منزل للإيجار، ونحصل على الموافقة الأولية بعد التواصل مع مالكيه، ومن ثم نُقابل بسيل من الحجج بعد لقائهم… لأننا أسرة مسلمة، ولأن ارتدائي للحجاب بمثابة رفع راية الإرهاب.
دعيني أخبرك عن عائق اللغة، الذي تجاوزته معك حين تواصلنا بالإنكليزية التي نجيدها كلانا.. ولكن أتعلمين كم من متعصب للغته امتنع عن الرد لأننا لم نستخدم لغتكم الأم، أو كم من موقف أسوأ وضعنا فيه… حين يكون الرد بأنه كان حريّا بنا أن نجد ملاذًا آخر يؤوينا.
مواقف كهذه يا صديقتي تجعلنا أسرى لحظات ملؤها مزيج مؤلم من الأسى والندم.
أما المفاهيم، فعن أي اختلاف عساني أحدثك؟ وإنها لنعمة بالنسبة إليّ أنك سبق وزرت بلدانًا عربية، واستضفت قبلي عائلات مسلمة، تركية وباكستانية… لذا أنا على يقين أنك تدركين حجم الاختلاف الذي نشعره حين تكون الرحلة المدرسية إلى «الديسكو»، ويكون الرقص واجبًا يدخل في تقييم الطلاب، وحين تكون فترات النشاط والسباحة مختلطة.
أنا على يقين أنك ستفهمينني حين أحدثك عن شعوري وأنا أسمع ابنتي تقرأ نصًا مقررًا، وبالقليل الذي أعرفه من اللغة التي بدأت أتعلمها، ومن نظرات ابنتي المراهقة أثناء قراءته أفهم أنه عن مواعدة بين شاب وصديقته، وعن كلام وحكايا لا تمت لعاداتنا ولا لمجتمعنا ولا لديننا بصلة.
أين «البعض» من الاختلاف الذي تتحدثين عنه وكيفما توجهنا نرى مشاهد لا أدري كيف أبررها لأطفالي، أو كيف أعين ابني المراهق على التعايش في جو كهذا وعلى التوفيق بين ما حوله وبين ما نرشده إليه.
وأمور أخرى كثيرة تواجهنا، متعبة.. ومزعجة.. لكنها تبقى هامشية أمام غيرها، وتبقى تفاصيل أمام الجوهر، وتبقى هي البعض بحق.
لا أنكر الاختلاف، ولا أحاول تجاهله أو التقوقع تهربًا منه، ولكني أنكر كيف برر «البعض» منكم اختلافنا عنكم لمعاملتنا على أننا متهمون دائمًا وأننا مخطئون.
نعم نحن مختلفون، ونعم أنا مسلمة، وأرتدي الحجاب، ولكني لا أضمر الشر لأحد، ولا أزرع في نفوس أطفالي سوى المحبة.»
قاطعت مضيفتي النبيهة سيل أفكاري، ويبدو أن جمودي إذ لم أعقب على قولها أوحى إليها بما في ذهني. «لماذا تزاحمت في ذهنك السلبيات فقط، انظري إلى الإيجابيات أيضًا.. انظري إلى الجميل، إلى الدقة في المواعيد، الخدمات… انظري إلى جمال الطبيعة، وحرية الأطفال، تعليمهم وملاعبهم.. انظري إلى الأمان المحيط بهم».
أومأت برأسي ورددت بابتسامة، عجزت عن تقديم غيرها، ابتسامة بأني أقدر أنها فهمت شيئًا مما يجول بخاطري.
Auf Wiedersehen إلى اللقاء.. إلى أن أراك في يوم آخر.. في يوم قد أكون فيه أكثر تفاؤلًا.. أو تقبلًا لواقع اخترته وأجبرت عليه في آن معًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :