الأسد ينسف العملية السياسية بـ”لاءات ثلاث”

  • 2019/11/17
  • 10:23 ص

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

“لن يكون سوى في أحلامكم”، عبارة قالها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال إحدى مقابلاته التلفزيونية الأخيرة، لخصت رسائل أراد إيصالها إلى حلفائه ومعارضيه مفادها رفضه لأي حل سياسي مقبل يتعارض مع رؤيته، خاصة في ظل توجه دولي، سياسي وإعلامي، لدعم التسوية السياسية في سوريا وخاصة من قبل روسيا.

وجاءت رسائل الأسد ضمن إطلالات إعلامية متكررة مع وسائل محلية وأخرى روسية، خلال الأسبوعين الماضيين، بالتزامن مع انطلاق اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف لوضع دستور جديد يفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة.

لا للقرار “2254”

وكان العنوان العريض لمقابلات الأسد الثلاث “لا لأي شيء”، ورفضه لأي خطوة أو حل سياسي مستقبلي في سوريا لا يكون طرفًا فيه أو لا يتوافق مع وجهة نظره ويحافظ على نظامه، وتجسد ذلك عندما تطرق إلى الحديث عن القرار الأممي “2254” الذي يعتبر مرجعية أساسية لعملية التفاوض السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.

ونص القرار، الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 7588، التي عُقدت في 18 من كانون الأول 2015، في بنده الرابع على “دعم عملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد”.

كما دعم القرار إجراء انتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملًا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة (..) تشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر.

لكن الأسد رفض، في مقابلته مع قناة “الإخبارية السورية”، في 31 من تشرين الأول الماضي، رفضًا قاطعًا إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، وأكد أن “الانتخابات التي ستحصل ستكون بشكل كامل من الألف إلى الياء تحت إشراف الدولة السورية، وإذا أردنا أن نقوم بدعوة أي جهة أخرى، دولية، دول، جمعيات، منظمات، أشخاص، شخصيات، لا يهم.. سيكون تحت إشراف الدولة السورية وبسيادة الدولة السورية”.

وجاء رفض الأسد لمضمون القرار الأممي بعد ساعات من اجتماع مشترك حضره وزراء خارجية الدول الضامنة لمحادثات أستانة (تركيا وروسيا وإيران) في جنيف قبل انطلاق أعمال اللجنة الدستورية.

وأصدر الأطراف الثلاثة بيانًا مشتركًا أعلنوا فيه تمسكهم بعملية سياسية بين أطراف الصراع بدعم من الأمم المتحدة ضمن إطار القرار الأممي.

لا للجنة الدستورية

وإلى جانب رفض القرار “2254”، نسف الأسد عمل اللجنة الدستورية على الرغم من عدم انطلاقها بشكل جدي واقتصارها على جولة واحدة فقط، انتهت في 8 من تشرين الثاني الحالي.

وتنصل الأسد من اللجنة، عبر نفيه أن تكون أعمال اللجنة الدستورية لها علاقة بالانتخابات في سوريا، وقال إن “اللجنة الدستورية لا علاقة لها بموضوع الانتخابات، لها علاقة فقط بموضوع الدستور، أما إذا كانوا يعتقدون أنهم سيعودون إلى عصر الانتداب، فسأقول لهم، هذا لن يكون سوى في أحلامكم”.

كما تنصل من مشاركة النظام رسميًا في لقاءات اللجنة، واعتبر أن الوفد مدعوم من قبل حكومته ولا يمثلها، “فالطرف الأول هو الذي يمثل وجهة نظر الحكومة السورية، أما الحكومة السورية فهي ليست جزءًا من هذه المفاوضات ولا من هذا النقاش”، معتبرًا أن “هؤلاء أشخاص (وفد النظام في اللجنة الدستورية كما تسميه الأمم المتحدة) من نفس جو الحكومة السورية السياسي، ولكن هذا لا يعني أننا نحن كحكومة نفاوض، من الناحية القانونية نحن غير موجودين في اللجنة الدستورية، ولا يعني اعتراف الحكومة بأي طرف”.

ووصف الأسد الطرف الثاني، الذي يمثل “هيئة التفاوض العليا” السورية المعارضة، خلال مقابلة مع قناة “روسيا 24” ووكالة “روسيا سيفودنيا”، في 15 من تشرين الثاني، بأنه وفد معين من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، معتبرًا أن “هذا عمل منافٍ للمنطق وللواقع، ولا بد أن يكون انتماء كل من في اللجنة هو للشارع السوري، وللشعب السوري، لا يمكن أن ينتمي لدولة أجنبية”.

واعتبر أن من ضمن وفد الطرف الثاني عناصر من “جبهة النصرة” التي وصفها بـ”الإرهابية”، مشيرًا إلى أن بعض المشاركين “إرهابيون”، لكن “في المحصلة وافقنا على عدد من هؤلاء وهذا كان ربما يشكل مفاجأة (…) قلنا النتيجة واحدة، الخلفية واحدة، الانتماء واحد، السيد واحد”، بحسب تعبيره.

لا لهيئة انتقالية ورفض لمسار جنيف

ورفض الأسد مسار جنيف الذي يجب أن يفضي إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية ضمن القرار “2254”، واعتبره خديعة أمريكية تهدف إلى إسقاط نظامه عبر “هيئة مؤقتة”، وقال في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”، في 11 من تشرين الثاني الحالي، إن “جنيف خديعة أمريكية تقوم على أن يكسبوا بالسياسة ما لم يستطيعوا كسبه من خلال المظاهرات أولًا، ومن خلال الإرهابيين لاحقًا، وبالتالي تحقيق ذلك عبر العملية السياسية”.

وأضاف الأسد أن مسار جنيف قد فشل، لأنه كان “يهدف إلى إسقاط الحكومة عبر هيئة مؤقتة، ليس من المهم تسميتها، ثم يأتي تغيير الحكومة سلميًا ويسيطرون على سوريا، كما فعلوا في العديد من البلدان الأخرى”.

أما المفاوضات الجارية في جنيف من اجتماعات للجنة الدستورية بين وفود المعارضة والنظام تحت إشراف الأمم المتحدة، فاعتبرها الأسد ضمن مسار “سوتشي” (الذي عقد في روسيا مطلع 2018) لكنها تجري فيزيائيًا فقط في جنيف، وأوضح، في مقابلة مع “روسيا اليوم” أن الاجتماعات والعملية السياسية التي جرت في جنيف، لا تزال في إطار “سوتشي”، لكن “لا يهم أين تعقد أو أين تبدأ المفاوضات”، إذ إن “جنيف فقط المكان والجغرافيا، بينما المسار هو سوتشي”.

كما أكد، خلال لقائه مع التلفزيون السوري، أن “جنيف ليست موجودة وليست جزءًا من هذا الموضوع”، مشيرًا إلى أن النظام عاد إلى جنيف جغرافيًا فقط أما “سياسيًا فهو جزء من سوتشي وكل ما يحصل هو جزء من سوتشي واستمرار لسوتشي ومرجعيته هي سوتشي”.

وتعتبر تصريحات الأسد رفضًا لأي عملية سياسية مستقبلية قد تبدأ مراحلها من عمل اللجنة الدستورية، وهو ما قد يكون مخالفًا لتوجه روسيا التي ضغطت للموافقة على تشكيل اللجنة الدستورية، بحسب تصريحات مسؤولين روس ومعارضين سوريين متكررة.

وتحاول روسيا الضغط على وفد النظام السوري المشارك في أعمال اللجنة، وبدا ذلك واضحًا بضغط المستشار السياسي للمبعوث الأممي إلى سوريا الروسي، فيتالي نعومكين، بقبول جدول الأعمال وعدم عرقلة الاجتماعات، بحسب قول أحد أعضاء اللجنة، طلب عدم ذكر اسمه،  ضمن وفد المجتمع المدني، لعنب بلدي.

وفي ظل تصريحات الأسد، التي قابلها صمت من قبل المعارضة أولًا والأمم المتحدة ثانيًا، تتحضر اللجنة الدستورية لعقد الجولة الثانية في 25 من تشرين الثاني الحالي، بمشاركة الأطراف الثلاثة (النظام، المعارضة، المجتمع المدني).

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا