لا أدوية لمرضى السرطان في مشافي سوريا الحكومية

  • 2019/11/17
  • 10:15 ص

طفل يلعب بالون داخل جناح السرطان في مستشفى الأطفال بسوريا - 20 شباط 2017 (رويترز)

عنب بلدي – ميس حمد

“منذ أيام سقط عمي فجأة مغمى عليه بينما كان يستحم، حملناه واتجهنا به سريعًا نحو مشفى المواساة، لم نكن نعلم حينها أنه مصاب بسرطان الدم”، بهذه الكلمات سرد تميم لعنب بلدي تجربة عمه مريض السرطان، وعلاجه في مشفى حكومي بدمشق معني بمعالجة الأورام السرطانية.

“فور وصولنا أُدخل عمي إلى قسم الإسعاف، وبعد خروجه افترشنا أرض أحد ممرات المشفى في الطابق الأرضي، منتظرين سريرًا لعمي المتعب”، يضيف تميم، “أسرعت طالبًا من أحد الممرضين المعونة بمسكن أو دواء، لكنه أجابني بأن دواء مرضى السرطان ليس متوفرًا الآن”.

تغيب أدوية مرضى السرطان عن المشافي الحكومية السورية، وتتوفر في الصيدليات الخاصة، كما تغيب أيضًا الإحصائيات الرسمية لعدد المصابين بالسرطان في سوريا، ما يفتح باب التساؤل حول إلمام وزارة الصحة بواقع الأمن الدوائي لمرضى السرطان.

وكان السجل الوطني للسرطان، الذي أُسس عام 2001، معنيًا بتوثيق عدد حالات مرضى الأورام السرطانية، لكن رئيس “قسم علم الأمراض الباثولوجية” في كلية الطب بجامعة “تشرين”، الدكتور زهير الشهابي، تحدث لصحيفة “تشرين” الحكومية، في 11 من تشرين الثاني الحالي، أن هذا السجل “غير مفعل” منذ بدء “الحرب” في سوريا.

شكاوى المرضى وأهاليهم باتت مسموعة في الصحف الحكومية والمحلية، التي بدأت الحديث عن نقص حاد في الأدوية بعموم أنواعها لدى صيدليات عدد من المشافي الحكومية، بالتزامن مع إغلاق “وزارة الصحة”، منتصف العام الحالي، عددًا من الصيدليات المحيطة بمشافٍ حكومية في دمشق.

من جانبها، قالت وزارة الصحة في موقعها الرسمي، في شباط الماضي، إن “تخديم مرضى السرطان من التشخيص إلى التدبير والمتابعة ما زال متوفرًا، وبشكل مجاني، في كل من الهيئة العامة لمشفى دمشق، ومشفى ابن النفيس، ومجمع ابن رشد الطبي في حلب، ومشفى حماة الوطني، ومشفى زيد الشريطي في السويداء، ومشفى الباسل في طرطوس.

في الوقت ذاته قدمت حكومة النظام حوافز للمستثمرين في الصناعات الدوائية، كتوفير مقاسم مجانية في المدن الصناعية، والإعفاء من الرسوم والضرائب بغرض توفير أدوية السرطان.

الدواء يهرَّب من المشافي.. كيف؟

الصيدلانية (ن. ح) من دمشق، تحفظت على ذكر اسمها لأسباب أمنية، تقول “يتردد علي بعض الناس إلى الصيدلية حيث أعمل، يعرضون علبًا دوائية أو إبرًا مسكنة يصلح إعطاؤها للأمراض المزمنة ومرضى السرطان، أرفض شراءها، فهي يجب أن تكون مجانية ومتوفرة في المشافي الحكومية”.

تقول الصيدلانية إنها ما زالت تجهل الطريقة التي وصل فيها الدواء لأيدي هؤلاء، وكيف يريدون بيعه بأسعار باهظة، لكنها تحصر مصدر الحصول عليه بالمشافي الحكومية.

عنب بلدي تواصلت أيضًا مع (س. ح)، وهي صيدلانية عملت في صيدلية تابعة لمشفى حكومي في دمشق وتعمل حاليًا بشكل مستقل، وتقول إن العاملين في هذه الصيدليات كانوا يطلبون من المريض إظهار معاملته التي أجراها عند دخول المشفى، وتقرير الطبيب الكامل، لصرف أدوية السرطان.

وتقول الصيدلانية، إن عمليات التهريب من صيدليات المشافي الحكومية غير مستبعدة، وتتم بطريقة نظامية، عبر اتفاق بين مراجع وممرض، للحصول على ختم للوصفة، يمكّن المراجع من الحصول على الدواء.

لكنها استبعدت أن يكون تهريب الأدوية كبيرًا في صيدليات المشافي، وعزت فقدان الدواء في عدد من صيدلياتها إلى قدوم مرضى من محافظات أخرى للعلاج في دمشق أو اللاذقية، وقد يسمح الأطباء لهم بالحصول على أكثر من جرعة، قد يحملونها إلى محافظاتهم، بدلًا من السفر عند موعد كل جرعة.

وحاولت عنب بلدي التواصل مع أحد الممرضين العاملين في صيدلية “مشفى المجتهد” في دمشق، الذي يعاني أيضًا من نقص في الأدوية بينما تتوفر في الصيدليات المجاورة (أغلق بعضها في آب الماضي)، لكنه رفض التعليق على القضية.

الحكومة ملزمة بتأمين الدواء

العقوبات الأوروبية والأمريكية التي فُرِضت على الحكومة السورية وشركات تتعامل معها منذ عام 2012، ورغم إقصاء الإمدادات الطبية إلى حد ما عن دائرة العقوبات، أخضعت القطاع الطبي إلى الحد الذي دفع ببعض الشركات لغض النظر عن توريد أدوية السرطان إلى سوريا أو إيقافها.

وفي حديث لعنب بلدي مع رجل أعمال يورد أدوية السرطان من لبنان، تحفظ على ذكر اسمه، قال إنه “عقد في منتصف شهر أيلول الماضي صفقتين لتوريد إبر لعلاج الأورام السرطانية إلى سوريا، بلغت تكلفة الصفقة الأخيرة نحو 54 مليون ليرة”.

“العمل في القطاع الدوائي ذو أرباح مجزية، لكن العمل على إمداد دولة كسوريا ترزح تحت عقوبات يعني بالضرورة تحمل عقباتها، كالدخول في دوامة البنوك الأجنبية، والتعامل مع المدفوعات الخاصة باستيراد الأدوية”، بحسب رجل الأعمال، الذي يشير إلى عدم استقرار سعر الليرة الذي يؤثر على وتيرة عملية التصدير إلى سوريا، بالإضافة إلى المخصصات المنخفضة لوزارة الصحة.

وكانت حكومة النظام السوري سمحت للقطاع الخاص، عبر بعض شركاته، باستيراد أدوية السرطان، فبعض المرضى من ميسوري الحال يفضلون العلاج على حسابهم الشخصي بدلًا من الانتظار في دور المرضى بالمشافي الحكومية، وتحمل عناء التشخيص والحصول على جرعة دوائية.

تكلفة علاج مريض السرطان، وفق ما صرح به رئيس قسم المعالجة الشعاعية والكيميائية للأورام في مشفى “تشرين الجامعي”، والأستاذ في كلية الطب بجامعة “تشرين”، ميخائيل جرجس، تتغير تبعًا لنوع المرض، فبعض الأدوية العلاجية تكلف الحكومة نحو ثلاثة إلى أربعة ملايين ليرة سورية شهريًا كسرطان الثدي، بينما يحتاج بعض المرضى إلى أدوية بشكل مستمر لعلاج الورم.

لكن من يتلقون العلاج على حسابهم الشخصي يعانون أيضًا من تفاوت أسعار الدواء، الذي بررته نقيبة صيادلة سوريا، وفاء كيشي، لصحيفة “تشرين” الحكومية، بأن “معظم أدوية السرطان يتم استيرادها من عدة دول، وعليه يحدث تفاوت في تسعيرة كل صنف دوائي”.

في عام 2013، قالت منظمة الصحة العالمية، إن السرطان في سوريا يحتل المرتبة الثالثة من بين عشرة أمراض رئيسية مسببة للوفاة في سوريا، وتوقعت المنظمة ارتفاع حالات الإصابة وسط خروج مشافٍ عن الخدمة، وتعرض بعضها لضرر جزئي.

في حين وفرت المنظمة عام 2017 علاجًا لنحو 16500 مريض سرطان في سوريا، من خلال دعم دولي، حسب تقرير صادر عنها في 17 من نيسان عام 2017.

ووفقًا للتقرير فإن حوالي 25 ألف مريض بالسرطان يحتاجون إلى العلاج كل عام، بما في ذلك 2500 طفل دون سن 15 عامًا، يعانون من سرطان الدم والأورام اللمفاوية.

على الجانب الآخر، جرى في تشرين الأول من العام الماضي حديث عن افتتاح معمل لإنتاج أدوية السرطان في المدينة الصناعية بعدرا في ريف دمشق، بحسب ما ذكره نقيب صيادلة سوريا، محمود الحسن، لصحيفة “الوطن” المحلية، لكن منذ تاريخ إعلان الخبر حتى تاريخ كتابة المقال لم يرد أي مستجد عن البدء ببناء أو تشييد المعمل المذكور.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع