عنب بلدي – محمد حمص
أربكت الولايات المتحدة الأمريكية حليفتها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بعد قرارها الانسحاب من سوريا، إثر انتهاء مهمتها في قتال تنظيم “الدولة الإسلامية” والقضاء عليه، ثم الإعلان عن العودة والاهتمام بالنفط السوري والبقاء لحراسته، الأمر الذي لم يغير المعادلة النفطية السورية بشكل كبير، وإنما نقلها بشكل رسمي إلى يد واشنطن التي قالت إنها ستخصص الإيرادات النفطية لدعم “قسد”.
رغم تمسك أمريكا بموارد النفط علنًا، يصعب تحديد أين ستصرف الإنتاج، لا سيما مع حاجة مناطق سيطرة النظام السوري الشديدة للبترول، في وقت أغلقت فيه واشنطن كل الأبواب أمام حكومته بالعقوبات، ولذا قد يكون النظام أبرز زبائن النفط السوري، وواحدًا من الداعمين غير المباشرين لـ”قسد”، التي يعتبرها “عدوًا” بشكل أو بآخر، بسبب “مشروعها الانفصالي”، بحسب الرواية السورية الرسمية.
السيطرة على حقول النفط تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية أحد أكبر المكاسب التي حققتها في الحرب ضد تنظيم “الدولة”، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 27 من تشرين الأول الماضي، عازيًا ذلك إلى ثلاثة أسباب: “أولا لأن التنظيم كان يستخدمه، ثانيًا لأنه مفيد للكرد، ثالثًا لأننا سنأخذ منه أيضًا، قد نوكل شركة (إكسون موبيل) أو أي شركة أمريكية للذهاب إلى حقول النفط والتنقيب فيها”.
التأثير الأمريكي.. سهولة التصريف وزيادة في الإنتاج
دخلت الولايات المتحدة بشكل رسمي على خط النفط السوري، بعد تصريحات ترامب ببقاء القوات الأمريكية لحراسة آبار النفط السورية، في 27 من تشرين الأول الماضي.
ولكن حال أطراف الصراع في سوريا لم يتغير، فبعد سيطرة تنظيم “الدولة” على حقول النفط، انتقلت إلى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ثم وُضعت تحت يد القوات الأمريكية.
وفقد النظام السوري سيطرته على نحو 80% من آبار النفط السوري، وتخضع حاليًا لسيطرة واشنطن، وفي الوقت الذي يصر فيه الأمريكيون على البقاء يمكنهم تطوير إنتاج تلك الحقول، وتسهيل تصدير إنتاجها.
ويرى الخبير في قطاع النفط السوري ومعاون وزير النفط السابق في الحكومة السورية المؤقتة، عبد القادر العلاف، في حديث إلى عنب بلدي، أن الأمريكيين قادرون على تطوير إنتاج النفط وإيصاله للكميات المنتجة في مطلع الثورة السورية عام 2011، وعلى الأخص حقول النفط في المنطقة الشرقية في الحسكة والرميلان التي لم تصب بأذى، بالإضافة إلى حقول دير الزور والحقول بين محافظتي الرقة ودير الزور التي يمكن أن تعود لإنتاجها بعد الصيانة.
ورجح العلاف أن يصل الإنتاج من الحقول الخارجة عن سيطرة النظام السوري إلى 400 ألف برميل، وهذه كمية تمول “قسد” ويبقى فائض لتمويل جزء من العمليات الأمريكية في سوريا.
وحول تصريف النفط السوري، قال العلاف إن جزءًا من النفط كان يذهب في الأسواق المحلية بالمناطق “المحررة” (الخاضعة لسيطرة المعارضة)، وجزءًا كان يشتريه النظام السوري عن طريق وكلائه.
وأضاف أن الولايات المتحدة قادرة على تسويق النفط بشكل أكبر بسبب علاقات شركاتها، وحتى لو أغلقت الحدود في وجهها من قبل القوات التركية والسورية على الحدود السورية مع تركيا، فهناك حدود سوريا مع كردستان العراق.
“تصدير النفط ليس عثرة، طالما أن الأمريكيين موجودون فهم قادرون على تسيير عمل الشركات وعلى رفع سوية الإنتاج” |
النظام السوري يدعم “قسد”
هناك صعوبة في تحديد الكميات التي يشتريها النظام من الآبار التي تسيطر عليها “قسد” شمال شرقي سوريا، إلا أن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ذكرت في تقرير لها، في 19 من أيلول الماضي، أن الحقول النفطية الخاضعة لسيطرة “قسد” تنتج ما يقارب 14 ألف برميل يوميًا.
واستنادًا إلى شهادات حصلت عليها الشبكة الحقوقية، فإن “قسد” تبيع برميل النفط الخام للنظام السوري بقرابة 30 دولارًا، أي بعائد يومي يقدر بـ 420 ألف دولار، وبعائد شهري يقدر بـ 12 مليون و600 ألف دولار، وبعائد سنوي يقدر بـ 378 مليون دولار، باستثناء عائدات الغاز.
وذكر التقرير أن هناك مؤشرات “توحي” بتنسيق بين “قسد”والنظام السوري، منذ منتصف عام 2012، عندما انسحب النظام السوري من محافظة الحسكة، إذ بدأت تلك العمليات منذ نهاية عام 2017، عندما أحكمت “قسد” سيطرتها على آبار وحقول النفط والغاز في محافظة دير الزور.
وتكون عمليات التزويد من حقلي الرميلان والسويدية في محافظة الحسكة، اللذين لم يتوقف إنتاجهما منذ منتصف 2012.
ومع اختلاف المشهد الميداني وبعد قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأخير بالإبقاء على قوات أمريكية مخصصة لحماية آبار النفط، ورصد جزء مما تجنيه تلك الآبار لدعم “قسد”، بدأت تصريحات النظام السوري وحليفته روسيا تهاجم الولايات المتحدة.
إذ اتهمت موسكو الولايات المتحدة بتهريب نفط تزيد قيمته على 30 مليون دولار شهريًا من سوريا، “بشكل غير قانوني”، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن واشنطن لا تعتزم ترك حقول النفط في المدى القريب، وفق وكالة الأنباء الروسية (تاس).
من جانبه يرى الخبير في شؤون النفط السوري عبد القادر العلاف أن الرقم الذي ذكره الروس منطقي وقد يكون أكبر من ذلك، مشيرًا إلى أن النظام السوري يمول “قسد” بشكل أو بآخر على الرغم من ادعاءاته الأخيرة، التي اعتبرها العلاف أنها “بروباغندا”، فهو يشتري من “قسد” اليوم ويسهم في تمويلها عن طريق تجار وسماسرة، منهم شركات عائلة قاطرجي، كما كان يتعامل مع تنظيم “الدولة” في وقت سابق عن طريق جورج حسواني.
كيف تؤثر سيطرة الأمريكيين على النفط
مع انطلاقة عملية “نبع السلام” التي بدأتها تركيا، في 9 من تشرين الأول الماضي، وإعادة تموضع الأمريكيين عند حقول النفط في المنطقة الشرقية، بدأت أسعار المحروقات الواردة إلى محافظة إدلب شمال غربي سوريا بالارتفاع بشكل محدود.
ووصل سعر لتر المازوت الوارد من المناطق الشرقية لسوريا إلى 365 ليرة سورية، مسجلًا ارتفاعًا بقيمة 80 ليرة سورية، بحسب نشرة شركة “وتد” في 14 من تشرين الثاني الحالي، وهو تأثير تتسبب فيه عوامل طرق المحروقات واستيرادها وتوافرها في المحطات، بينما سجلت بقية أنواع المحروق ارتفاعًا لا يتجاوز 25 ليرة سورية على المازوت والبنزين المستوردين من تركيا.
ويرى العلاف أن تأثير سيطرة الأمريكيين على النفط شمال شرقي سوريا لا يزال غير واضح، مشيرًا إلى أن العلاقات والتفاهمات الأمريكية- التركية هي التي تحكم تجارة النفط بين تلك المناطق، والتي قد تؤثر على فتح الطرق أو إغلاقه.
وأضاف العلاف أن سوق المحروقات في الشمال الغربي لن يتأثر بشكل كبير لأن تلك المناطق خاسرة بالأساس، وإن تبدل النفوذ والسيطرة على تلك الآبار، والفرق الذي قد يسجل هو عمليات الاستيراد عن طريق السماسرة والتجار وفتح المنافذ وإغلاقها.