نقابة الفنانين.. أنا أصرخ إذًا أنا موجود

  • 2019/11/17
  • 11:25 ص

نقيب الفنانين السوريين زهير رمضان (سانا)

نبيل محمد

قوانين، وتعديلات قانونية، ومشاريع قوانين، ولائحة استثناءات، وأخبار لا تحصى، تخرج من ذلك المبنى الصغير (نقابة الفنانين) الذي عادة ما يضم نوعين من الفنانين السوريين، إما الفنان الذي دخل غمار الفن أصلًا من باب البعث، أي إنه فنان مجهول بالنسبة للجمهور، كانت له مشاركاته الفنية البسيطة عبر أعمال رعتها الشبيبة أو اتحاد الطلبة أو فرع من فروع حزب البعث، واستطاع بواسطة شبكة علاقاته الوصول إلى نقابة الفنانين والعمل في سياقين، الأول الاستفادة منها كوظيفة وبوابة لا تبخل بالمهمات والنفقات والتكليفات وحفلات الافتتاح وغيرها مما يدر أموالًا ولا يسمى فسادًا، والسياق الآخر هو تصيّد النجوم الذين قد تصادف لدى بعضهم إجراءات عليهم القيام بها في النقابة، فيتعرف إلى هذا وينال دورًا من ذاك إن أتقن استعراض موهبته خلال دقائق قليلة تجمعه مع مدير إنتاج أو مخرج أو ممثل.

النوع الثاني هم الفنانون الذين انتهت مدة صلاحيتهم الفنية بالنسبة لشركات الإنتاج والمخرجين، فلم يعد أحد يلحظ وجودهم أصلًا، فيحاولون التخلص من سلطة الكآبة والبطالة، عبر الحصول على مكتب ما في نقابة الفنانين، فيستعيدون مجدًا مفقودًا من خلال تماسهم مع الفئة الأولى السابقة الذكر، التي لا تمتلك نجومية سابقة كنجوميتهم، ويمارسون سلطتهم على من انتزعوا أماكنهم أمام الكاميرات إن أتاحت لهم النقابة هذه الممارسة، وهذا بالضبط ما يقوم به حاليًا زهير رمضان ومجموعة الفنانين الذي يديرون هذه المؤسسة الرطبة الكئيبة.

وجدت نقابة الفنانين اليوم، كحال العديد من المؤسسات التي عاشت سباتًا طويلًا سابقًا، مجالًا للنفاذ والشهرة، حين أتاح الظرف السياسي أعلى درجات “المزاودة”، وأباحت الشاشات بساعات بثها الطويلة، التي باتت خلال السنوات السابقة مخصصة للدعاية للنظام ومجمل ممارساته، لمن شاء الظهور والتغني بأسلوبه الخاص بأمجاد الوطن والقائد، وهو تمامًا ما يمارسه زهير رمضان ونقابته، فيضمن حضوره الدائم بالدرجة الأولى، وقدرته على تقديم مراسم الطاعة كل يوم إن شاء، وكذلك أخذ الضوء الأخضر بتسيير أمور مؤسسته، والانتقام من هذا وذاك بتشريع قوانين، تمنع هذا من العمل وذاك من العودة إلى بلاده، وتشهّر بآخر، وتوزع شهادات الوطنية على من شاءت. ولعل أحدث هذه القوانين هو أن من فقد عضويته في النقابة بسبب “المساس بهيبة الدولة” لا يمكنه العودة والعمل في سوريا، ومن المعروف أن العمل في سياق الفن في سوريا حاليًا يتطلب أصلًا ترخيصًا من النقابة، بعد أن مُنحت مزيدًا من الصلاحيات في السلطة على رقبة الإنتاج الفني السوري خلال السنوات السابقة.

من الجميل أنه وأمام كل هذا الصخب الذي تثيره النقابة، بقوانينها، وسخطها، وحضورها الحالي الأشبه بحضور مؤسسة أمنية تمتلك أقبية تعذيب، إلا أن أحدًا لم يلتفت لكل ذلك، وربما لا تخلق تلك القوانين أي أثر حقيقي سوى الصخب الذي تثيره، والذي ترضي فيه صنّاعها، وتفتح لهم الشاشات للحضور في ظل انتهاء صلاحيتهم الفنية السابق ذكرها. فلعل كل من غادر النقابة وبلادها متهَمًا بـ “المساس بهيبة الدولة” لا يفكر حاليًا إلا بالاستمرار بهذا المساس ليلًا نهارًا. ولعل رفض النقابة إعادة المفصولين بناء على هذه التهمة، هو بسبب عدم ورود طلبات عودة أصلًا، بمعنى أن القانون لم يحمل أي أثر فيزيائي واقعي، فعادت النقابة للتذكير بأنها موجودة وتصدر القوانين بشكل دائم، من خلال تدعيم قانون لم يحمل أي أثر، بقانون جديد، يحيي في سابقه روح الفراغ، ودَمَ انعدام الأثر، ويكرر لا جدواه، ويتيح لتلك المؤسسة مزيدًا من الذِّكر في الميديا، فينفض غبارها المتراكم منذ أجيال.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي