زينب مصري | تيم الحاج | مراد عبد الجليل
العام 2030.. السوريون يتكاثرون لكن التعداد السكاني لا يزيد، عقارات لا تجد من يثبت ملكيتها، مواريث لا تذهب لأحد، عدد الناخبين أقل من ذي قبل، وسوريا بلد الأصل، لا أكثر.
صورة متخيلة لما سيكون عليه المشهد السكاني السوري بعد عشرة أعوام، في حال امتدت حالة العزوف عن تسجيل اللاجئين السوريين لمواليدهم في السجلات الرسمية السورية لأسباب تتنوع بين المادية، والسياسية، والتحول إلى جنسيات أخرى لدول ستصبح أوطانًا لقسم من السوريين بعد جيل من الآن.
أكرم في الدانمارك، محمد وعبد المجيد وإيمان في تركيا، وراغب في لبنان.. آباء سوريون في دول اللجوء، تجمعهم قضية بلدهم، ولا تجمع أبناءهم جنسيته.
ليسوا حالات نادرة، فبحسب استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي عبر صفحتها على “فيس بوك”، حول تسجيل السوريين في الخارج لأبنائهم في السجلات الرسمية السورية، فإن 82٪ من المشاركين الذين وصل عددهم إلى أكثر من 300، لم يحصل أبناؤهم على ثبوتيات سورية.
عنب بلدي التقت الآباء الخمسة للوقوف على ظاهرة عدم تسجيل المواليد السوريين في الخارج، ومعرفة الأسباب التي دفعتهم لذلك، كما التقت حقوقيين وعاملين في مجال تعقيب المعاملات في سوريا ودول اللجوء، لتشخيص الظاهرة في محاولة لإيجاد حلول لها.
في أوروبا ودول الجوار..
سوريون لا يورثون الجنسية لأبنائهم
بعد انشقاقه عن جيش النظام اختبر أكرم، المصمم والمصور الفوتوغرافي، الذي ينحدر من مدينة إدلب، رحلة لجوء طويلة عبر البحر من تركيا إلى اليونان، ومنها إلى الدنمارك ليؤمّن حياة جديدة ومستقرة لابنه المستقبلي، الذي سيولد فيما بعد في البلد الجديد.
لم تكن الجنسية السورية من ضمن خيارات أكرم لحياة ابنه الوحيد الجديدة في أوروبا، إذ لم يسجله بعد ولادته في دوائر النفوس السورية، مبررًا ذلك بأن تسجيل الأطفال السوريين في مؤسسات النظام يُعد اعترافًا بشرعيته، لذلك “لم ولن يفعل”.
أكرم، الذي طلب عدم نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية، يرى أن تسجيل الأطفال أمر لا يُستحق التفكير به، “ولديه من المشاكل والهموم ما يغنيه عنه”، لا يفكر بالعودة إلى سوريا مطلقًا، بعد أن أصبح عسكريًا منشقًا “إلا في حالة سقوط النظام”، وبالتالي فإن ابنه المولود في الدنمارك والحاصل على حق لجوء، لن يعود أيضًا.
لا يتخوف أكرم من حرمان ابنه من حقوق المواطنة السورية، فـ “إن كان النظام من سيمنح الجنسية السورية لابني.. فلا نريدها”، أما في حال سقوط النظام وحلول حكومة معترف بها دوليًا، “سيأتي من يحل المشكلة”، بحسب تعبيره.
ويكتفي أكرم بمبرراته حول عدم تسجيل ابنه، في ظل سهولة عملية تسجيل الزواج والمواليد في أوروبا، مقارنة مع ما هو الحال عليه في تركيا ولبنان، كأكبر تجمعين للاجئين السوريين حول العالم.
موطن بديل و”كيملك” في تركيا
بحسب المادة 12 من قانون الجنسية التركية رقم 5901، يستطيع الأجانب في تركيا الحصول على الجنسية التركية بشكل استثنائي بشرط عدم وجود أي حالة تهدد الأمن القومي التركي عند الشخص المراد منحه الجنسية، ودون النظر إلى الشروط اللازمة الأخرى، ويكون ذلك بقرار من مجلس الوزراء.
وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، قال في مؤتمر صحفي في آب الماضي من العام الحالي، إن 92 ألف سوري في تركيا حصلوا على الجنسية التركية الاستثنائية، 47 ألفًا منهم بالغون و45 ألفًا و280 منهم أطفال، معظمهم من المعلمين والمهندسين والأشخاص الأكفاء. |
محمد الحسن ابن مدينة دير الزور، مقيم في تركيا منذ ست سنوات، ويعمل إمام مسجد ومدرّسًا للعلوم الإسلامية، يرفض تسجيل طفله لدى المؤسسات الحكومية في سوريا.
حصل محمد وعائلته على الجنسية التركية الاستثنائية، بعد قرار حكومي تركي بتجنيس المدرّسين السوريين في تركيا من حملة الشهادات الجامعية، ولم يسجل طفله الثالث، المولود في تركيا، في النفوس السورية، “لأن ابنه يعيش الآن كمواطن تركي له كامل الحقوق في تركيا”.
في حديث لعنب بلدي، تساءل محمد، “ما الفائدة الآن من تسجيله في سوريا وحصوله على الجنسية السورية؟”، مشيرًا إلى أنه في حال عودته إلى سوريا مستقبلًا “من الممكن أن يسجل ابنه”.
وأضاف أنه لا يمكن أن يُحرم ابنه من الجنسية السورية ومن الأوراق الثبوتية، معتبرًا أنه “من البديهي أن أي طفل والداه سوريان سيكون سوريًا ويحصل على الجنسية متى أراد”.
التكلفة عبء على اللاجئين
تتنوع الأسباب وراء عدم تسجيل السوريين أطفالهم المولودين في بلاد اللجوء، بدوائر النفوس السورية، وتعد التكلفة المادية المرتفعة التي يطلبها “سماسرة” التسجيل وتثبيت الأوراق في سوريا، السبب الأبرز لذلك.
وتبدأ تكلفة التسجيل من 100 دولار أمريكي تنقسم بين أتعاب “السمسار” وأتعاب المحامي الذي ينوب عن الأبوين، ومن الممكن أن ترتفع بحسب ما يطلبه المحامي.
وقد تتراوح التكلفة لتسجيل الطفل الواحد بين 100 و500 دولار أمريكي، في حال كان زواج الأبوين مسجلًا رسميًا في دوائر الدولة، وفي حال لم يكن الزواج مسجلًا فيحتاج الأبوين لدفع تكلفة تثبيت الزواج مضافًا إليها تكلفة التسجيل حسب عدد الأطفال، وذلك بحسب معقب معاملات في مدينة حماة، تواصلت معه عنب بلدي وطلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية.
بدأت الحكومة التركية بتسجيل السوريين الموجودين على أراضيها في مديريات إدارة الهجرة بالولايات التركية، في 22 من تشرين الأول 2014، ومنحهم “بطاقة الحماية المؤقتة”.
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تشمل الحماية المؤقتة حتى السوريين الذين ليسوا قادرين على تقديم أي وثائق رسمية، وتشمل الأطفال حديثي الولادة. ويُقدر عدد الأطفال السوريين المولودين في تركيا منذ عام 2011 حتى عام 2018 بـ276 ألفًا و185 طفلًا، بحسب تقرير خاص نشرته مؤسسة الرقابة العامة التابعة للبرلمان التركي على موقعها الرسمي. |
عبد المجيد عطية، الأب لثلاثة أطفال، أكد ذلك أيضًا، فبعد خروجه من مدينة الرقة وانتقاله إلى إحدى مناطق سيطرة المعارضة حيث تزوج، قرر الانتقال للعيش في تركيا، وأنجب أطفاله.
حصل عبد المجيد وعائلته على “بطاقة الحماية المؤقتة” ولم يستطع تسجيل أطفاله الثلاثة في سوريا، أولًا لعدم معرفته بمتطلبات التسجيل كالأوراق الثبوتية، وثانيًا لأن التكلفة المالية المرتفعة التي يطلبها المحامون في سوريا والتي تشكل له عبئًا ماديًا لا يسمح له عمله في صيانة الأدوات الكهربائية بتحملها.
تخوف من تزوير الأوراق
بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوجد ما يقارب عشرة ملايين شخص عديمي الجنسية حول العالم، والأطفال هم أكثر الأشخاص المعرضين لانعدام الجنسية وعدم الحصول على هوية وأوراق ثبوتية، حين يولدون في بلدان أجنبية بعد انتقال آبائهم بسبب ظروف قهرية، مثل الحروب الناشئة في بلدانهم الأصلية، فتتعقد القوانين وتكثر الثغرات فيها ويُستبعد الأطفال المولودون داخل البلد أو خارجها من الحصول على الهوية أو الجنسية.
تعي الناشطة الإعلامية في الحراك الثوري السوري سابقًا إيمان (اسم مستعار استخدمته) خطر تعرض طفلتها (6 سنوات) لانعدام الجنسية، لكن “ما باليد حيلة”، فلم يجرؤ أحد على إتمام معاملات تسجيل زواجها الذي تم في تركيا، وتسجيل طفلتها، لكونها مطلوبة للنظام السوري هي وزوجها.
ومما زاد أمور إثبات النسب وتسجيل الطفلة تعقيدًا وفاة الزوج لاحقًا في تركيا، تقول إيمان (30 عامًا) في حديث لعنب بلدي، إنها تفضل عدم تسجيل ابنتها الآن خوفًا من عمليات النصب والاحتيال والأوراق المزورة، التي ربما تدخلها في “متاهات” في بلد اللجوء.
حصلت الطفلة على “بطاقة الحماية المؤقتة” التركية، التي يوجد في معلوماتها بعض الأخطاء الإملائية لا تُصحح إلا بوجود دفتر عائلة لا تملكه الوالدة، لأن زواجها بالأساس غير مسجل في سوريا.
مُجبر أم بطل؟
يرى رامي عساف، المحامي في رابطة المحامين الأحرار بتركيا، أن عدم تسجيل اللاجئين السوريين في تركيا لأطفالهم ليس بسبب الإهمال، وإنما يعود إلى أسباب عدة، أحدها التكلفة المادية التي يحتاجها المواطن السوري لتثيبت زواجه وتسجيل طفله في القنصلية السورية باسطنبول.
ولأنّ الكتلة البشرية للاجئين السوريين موجودة الآن في الجنوب التركي، فإن السوريين المقيمين فيها يضطرون للسفر إلى مدينة اسطنبول، ويترتب على ذلك صعوبات منها الحصول على إذن سفر من الجانب التركي، إلى جانب تكلفة السفر وحجز المواعيد في القنصلية، ودفع رسوم التسجيل، لتصل تكلفة العملية بمجملها إلى نحو ألف دولار.
ويشير عساف إلى أن قسمًا كبيرًا من السوريين في الجنوب هم عمال ولا طاقة لهم على دفع هذه التكاليف، فعلى الرغم من معرفتهم بخطورة عدم تسجيل الأطفال، لكن “كلّ همهم لقمة عيشهم ودفع إيجار المنزل وتثبيت أوضاعهم القانونية الحالية”.
السبب الآخر يعود إلى “النفس الثوري” لدى كثير من السوريين الموجودين في تركيا وعدم اعترافهم بالنظام والقنصلية التابعة له في اسطنبول، إذ يعتقدون أنه ليس من المنطقي بعد تهجيرهم من منازلهم وتشريدهم الاعتراف به بمجرد الدخول إلى القنصلية.
أبرز الأسباب يرتبط بعدم تعاون القنصلية السورية، بحسب المحامي رامي عساف، فرغم وجود أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ في تركيا، لا يتجاوز عدد موظفي القنصلية 12 موظفًا، إلى جانب الابتزاز المالي عبر دفع مبالغ لحجز دور إلى جانب رسوم التسجيل.
بينما لا توجد أي مبادرة من قبل المنظمات الحقوقية أو الإنسانية في تركيا تأخذ على عاتقها توثيق مواليد السوريين وتحمل دفع التكاليف.
لا وثائق بديلة في لبنان
بلغ عدد الأطفال السوريين المولودين في لبنان 188 ألف طفل بين عامي 2011 و2019 بحسب آخر إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبحسب المتحدثة باسم المفوضية في لبنان، ليزا أبو خالد، 30% فقط من المواليد السوريين في لبنان مسجلون في سجل واقعات الأجانب.
أما الـ 70% من المواليد غير المسجلين في سجل واقعات الأجانب فهم موثقون بشهادات ميلاد مصدقة من قبل مديري المستشفيات أو القابلات القانونية، ومن قبل مخاتير المناطق التي يقيم فيها السوريون.
للاجئ راغب سلات ثلاثة أطفال، اثنان منهم من الـ 70% الموثقين بشهادات ميلاد فقط، إذ لم يستطع تسجليهما في النفوس السورية لكونه مطلوبًا من قبل النظام، وبسبب التكلفة المالية المرتفعة، وهذا ما جعله يواجه العديد من المشاكل في لبنان.
فلم يجد راغب، عامل الميكانيك السوري المقيم في لبنان منذ سبع سنوات، بديلًا عن “إخراج القيد” أو “الهوية السورية” لتسجيل ابنته في المدارس اللبنانية، ورفضت المدرسة تسجيل ابنته الثانية لعدم وجود إخراج قيد سوري لها، لذا اضطر إلى تسجيلهما في مدرسة سورية تقبل الطلاب السوريين غير المسجلين في دفتر عائلة، والحاصلين على شهادة ميلاد من المستشفيات اللبنانية فقط.
طفلة راغب البكر مسجلة في سوريا، وحاصلة على إخراج قيد، والطفلان الآخران ولدا على الأراضي اللبنانية ولم يستطع تسجليهما عند مراجعته للسفارة السورية في لبنان، فقد طلبت منه السفارة “طلبات تعجيزية” لم يستطع تأمينها.
يقول راغب لعنب بلدي، إن شهادات الميلاد التي حصل عليها طفلاه والمصدقة من مدير المشفى ومختار المنطقة التي يقيم بها، تحل له أحيانًا بعضًا من المشاكل التي يواجهها في أثناء إقامته بلبنان، حيث حصل طفلاه على دفاتر لقاحات بحسب هذه الشهادات، كما يظهرها عند مروره بـ “حواجز الدرك (الشرطة)” للتأكيد على أنه الأب للأطفال الذين يرافقونه.
آثار قانونية ودعوات لتدارك المشكلة..
مستقبل “قلق” ينتظر أطفالًا لم يحصلوا على الجنسية
تترتب على تحول الأطفال السوريين إلى عديمي جنسية آثار سلبية مستقبلًا، إن لم تتم المعالجة السريعة، وبحسب مفوضية شؤون اللاجئين، فإن “الأطفال غير المسجلين معرضون بشكل خاص لانعدام الجنسية، فمن غير شهادات الميلاد، يفتقرون إلى الأدوات الأساسية التي تثبت جنسيتهم، ويحرمون من إمكانية الاستفادة من الرعاية الصحية والتعليم، ويواجهون خطرًا متزايدًا من الاستغلال، كاستغلالهم في تجارة الجنس أو التبني غير القانوني أو عمالة الأطفال”.
ووفق المحامي رامي عساف، فإن الأطفال غير الحاصلين على الجنسية السورية، وخاصة في تركيا والشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، بسبب عدم وجود سجلات مدنية، لن يكون لهم حق من الدولة السورية “بالمطلق”.
ويشير المحامي إلى الآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك، وحرمان الشخص غير الحاصل على جنسية من حصته في الميراث، التي تؤول إليه من الأب أو الأم بعد وفاتهما، كونه غير موجود في السجلات المدنية في سوريا، وغير حاصل على الجنسية.
يؤكد المحامي السوري عارف الشعال، وهو محامٍ مستقل، على ذلك، لافتًا في حديث لعنب بلدي، إلى أن الأطفال غير المسجلين هم بنظر القانون السوري ليس لهم وجود كمواطنين سوريين، وبالتالي يعني ذلك حرمانهم من كثير من الحقوق، كحق الملكية والإرث، إضافة للحقوق المدنية والسياسية، كالإسهام في تأسيس والانتساب للجمعيات والأحزاب، والمشاركة في الانتخابات.
ويصف الشعال ذلك بـ “المشكلة الكبيرة”، كون الأساس القانوني المعتمد للتملك والإرث والإسهام في الحياة المدنية والسياسية هو سجلات الأحوال المدنية، التي لا تحوي أسماء هؤلاء الأطفال لأنهم غير مسجلين لديها.
لكن الشعال لا يرى إمكانية تشبيه الأطفال اللاجئين الذين لم يحصلوا على ثبوتيات سورية وليست لديهم جنسية أخرى بالـ “بدون” (أشخاص ليست لديهم أي أوراق ثبوتية ولا تعترف بهم أي دولة)، “فطالما أثبتوا أن والدهم سوري الجنسية فهم حتمًا سوريون حسب قانون الجنسية السوري”.
وينص قانون الجنسية السورية الصادر في 1969 على منح الجنسية السورية لمن ولد في سوريا أو خارجها من والد سوري، أو من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانونًا، وبالتالي إذا كان الأب سوريًا فتسجيل الأطفال شبه روتيني بالنسبة للمحامين عن طريق دعوى “تثبيت نسب”، بحسب الشعال.
ويدعو الشعال الأهالي إلى القيام بالإجراءات القانونية لتسجيل الأطفال، سواء في السفارة السورية في بلد الاغتراب، أو في سجلهم المدني في سوريا، عبر وكلاء عنهم أو بحضورهم الشخصي، وفي حال كان الأب متوفى، يمكن للوالدة أو الجد العصبي أن يسجلانه وفق قانون الجنسية.
أما في حال كان الأب غير معروف نسبه، فلا يمكن تثبيت نسبه للأم، وفق قانون الجنسية، وهو ما يحتاج، وفق الشعال، تشريعًا خاصًا.
وبالنسبة للسوريين في الخارج، فيرى أن هناك حاجة لتعليمات أو قرارات إدارية تسهل عملية تسجيل الواقعات بالسفارات أو القنصليات، وتذلل العقبات التي تحول دون ذلك.
لاجئ سوري..
كيف تثبّت زواجك ونسب أطفالك في سوريا
منذ وصولهم إلى بلدان اللجوء، قبل سنوات، طوى كثير من اللاجئين السوريين صفحة التعامل مع مؤسسات الدولة السورية معتبرين أنها تابعة للنظام، الذي يحمّلونه السبب المباشر لتركهم بلدانهم ومنازلهم والابتعاد عن أهاليهم.
وتعايش هؤلاء منذ ما يزيد على ثماني سنوات مع واقعهم الجديد، فراحوا يمارسون عملهم ودراستهم ويتزوجون وينجبون، مكتفين بالأوراق والإثباتات التي حصلوا عليها من قبل الدول التي تستضيفهم، والتي بدورها اكتفت بما خرجوا به من أوراق ثبوتية من سوريا، ولم تطالبهم وتفرض عليهم التعامل مع النظام السوري لإصدار ما ينقصهم من إثباتات شخصية، مع وجود بعض الفروقات بطريقة التعامل هذه بين تلك الدول.
وعلى الرغم من ذلك، بقيت مسألة تسجيل حالات الزواج والأولاد لدى السجلات المركزية في سوريا تشغل بال كثير من اللاجئين، لأنهم يعتبرون أنها تتعلق بمصيرهم وأولادهم في حال قرروا العودة إلى سوريا.
دعوى “تثبيت زواج ونسب”
المحامي السوري حسام سرحان، شرح لعنب بلدي، الطرق التي من خلالها يستطيع اللاجئ السوري تسجيل واقعة زواجه، أو تسجيل مولوده لدى السجلات المخصصة في سوريا.
إذ يستطيع اللاجئون الذين تزوجوا في بلدان اللجوء ويريدون تثبيت زواجهم في سوريا، أن يقيموا دعوى قضائية بهذا الخصوص، وتسمى دعوى “تثبيت زواج ونسب”.
ولإقامة الدعوى يجب على الزوج والزوجة توكيل محامٍ لكل منهما في سوريا، وذلك عبر القنصلية أو السفارة السورية، في بلد اللجوء، وبعد ذلك يتم رفع دعوى في المحكمة الشرعية في سوريا موضوعها “تثبيت زواج ونسب”.
يرفع وكيل الزوج دعوى على وكيل الزوجة، ليقر الأخير بالدعوى ويقول إن “موكلته متزوجة من موكل المحامي الأول، وأنجبا أولادًا على فراش الزوجية”، وفي النهاية يصدر قرار من القاضي بتثبيت الزواج وتثبيت النسب ويوضع في التنفيذ ويرسل إلى السجلات المدنية، وفق المحامي.
لكن هذه الدعوى لا يمكن إقامتها في بلدان اللجوء، لأن معظم الدول يتم فيها عقد الزواج وفق القانون المعمول به، وضرب المحامي مثالًا القوانين التركية، التي تلزم الزوجين حجز موعد في البلدية وتسجيل الزواج بحضور طرفي العلاقة حصرًا.
الأصل في التسجيل
قبل عام 2011، لم تكن إجراءات تسجيل الزواج والأولاد في دول الاغتراب بالنسبة للسوريين معقدة، كما هو الحال الآن.
وفي هذا السياق، يوضح المحامي حسام سرحان، أن الأصل القانوني في هذا الإجراء هو أن يتم تسجيل الزواج لدى الدائرة القانونية المختصة في البلد الذي يكون فيه السوري، التي تقوم بدورها بإرسال عقد الزواج إلى السفارة أو القنصلية السورية، التي ترسلها إلى دائرة السجل المدني في سوريا.
وينطبق هذا الكلام، وفق سرحان، على تسجيل الأولاد أيضًا، حيث كانت دول اللجوء تُرسل شهادة ولادة الطفل الصادرة عن المستشفى إلى وزارة الداخلية لتُرسلها للقنصلية السورية، التي تتكفل بإرسالها لدائرة السجلات المدينة في دمشق، ومن هناك تسجل وتُرسل إلى دائرة النفوس في المحافظة التي يتبع لها اللاجئ.
لكن هذه الإجراءات غير متاحة الآن، وفق المحامي، بسبب عدم وجود علاقات بين النظام السوري ومعظم دول العالم التي تستضيف لاجئين سوريين.
تثبيت الزواج أولًا
كثير من اللاجئين السوريين في بلدان اللجوء، الذين يريدون تسجيل زواجهم وأولادهم، في سوريا، يصطدمون بتعقيدات الإجراءات المفروضة عليهم بسبب واقع الحال، لجهة علاقة النظام السوري مع معظم دول العالم.
بحثت عنب بلدي، في المواقع الرسمية على الإنترنت، لسفارات وقنصليات النظام السوري في معظم الدول التي تستضيف لاجئين سوريين، وتمكنت من الحصول على إجابات عن معظم تساؤلات اللاجئين حول طرق تسجيل وقائع الزواج ووقائع ولادات الأبناء لدى الدوائر الرسمية السورية عبر تلك القنصليات والسفارات.
وبينما توفر القنصليات السورية في أغلب الدول الأوروبية إمكانية تسجيل الزواج الواقع في إحدى محاكم دول اللجوء لدى السجلات المدنية السورية، لا يمكن أن يتم ذلك في تركيا التي تضم أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، بحسب الأرقام الرسمية التركية.
وتقتصر التعليمات المنشورة في موقع القنصلية التركية في اسطنبول على خطوات تسجيل الأولاد، والمبالغ التي يجب دفعها لذلك، ولا يحتوي الموقع على أي تبويب يتعلق بتسجيل زواج اللاجئين السوريين في تركيا، وهو ما يعني بالضرورة صعوبة عملية تسجيل الأولاد فيما بعد.
وحول عمل القنصلية السورية في اسطنبول، والخدمات التي تقدمها للاجئين السوريين، يقول علاء الحسين، وهو مدير مكتب خدمات قانونية، إنه لا وجود لمعاملات الزواج في القنصلية السورية لأن هذه المعاملة تتم حصرًا في المحاكم الشرعية سوريا، عبر توكيل محامين، مشيرًا إلى أن كل طائفة لديها محكمة خاصة فيها.
وأضاف، بعد الحصول على قرار الزواج من المحكمة يتم توقيعه من المحامي العام في سوريا ثم من دائرة العادلية وبعدها يتم تسجيله في دائرة النفوس، ومن ثم يتم تسجيله في البوابة الإلكترونية، لترسل هذه الأوراق إلى تركيا ويقوم صاحب العلاقة بتصديقها في القنصلية السورية.
وبعد ذلك تتم ترجمتها وتسجيلها لدى كاتب العدل التركي، ثم ترسل إلى مكتب القائم مقام وهكذا يصبح الزواج مسجلًا لدى الدوائر الرسمية السورية، ومعترفًا به في الدوائر الحكومية التركية.
وحول تسجيل الأولاد في سوريا عبر القنصلية، قال علاء الحسين، إنه بداية يجب أن يكون لدى العائلة دفتر عائلة سوري أو بيان زواج أو بيان عائلي أو قرار زواج من المحكمة الشرعية.
وأوضح أنه عند ولادة الطفل في المشافي التركية يجب الحصول على شهادة الولادة التي تتيح للعائلة تسجيله في دائرة النفوس التركية، وبعد ذلك تتم ترجمة هذه الشهادة إلى العربية وتسجيلها لدى كاتب العدل التركي ومن ثم يوقعها الوالي التركي، قبل حجز موعد “أحوال مدنية” في القنصلية السورية، لكي يتم تصديق الشهادة، التي سترسل بعدها إلى سوريا لتسجيلها في دائرة النفوس عبر أحد أقرباء الوالدين، ويجب أن يكون من الدرجة الأولى أو عن طريق توكيل محامٍ.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :