أسوشييتد برس – سارة الديب
هرع فراس كيالي مرتديًا قناعًا قماشيًا في محاولة إنقاذ سكان منزلٍ داخل قرية تتبع لمحافظة إدلب وتخضع لسيطرة المعارضة السورية، بعد سقوط برميل مليءٍ بغاز الكلور السام وانفجاره في مكان قريب منه.
حاول كيالي بمساعدة فريق الإنقاذ الدخول إلى المنزل المتضرر وسط سحب الغاز ولكن محاولاته باءت بالفشل؛ بعد 20 دقيقة تبدد الغاز وتمكن الفريق من دخول المنزل، ليجدوا طفلًا صغيرًا ميتًا ممددًا على سريره.
“توفى والد الطفل بعد عدة أيام داخل مشفىً بالقرب من الحدود التركية نتيجة فشل رئوي” يقول كيالي مردفًا “ربما حمّلت نفسي مسؤولية ما حدث في البداية، ولكنني عدت وفكرت لو أنني كنت أملك معدّات وملابس لاستطعت الدخول؛ لن يتغير شيء الآن، قدّر الله وما شاء فعل”.
ويحاول نشطاء المعارضة السورية في ظل الإحباط واليأس حشد الضغوط الدولية لوقف الهجمات المتزايدة بغاز الكلور على المدن والبلدات السورية، والتي يقولون أنها بلا شك بفعل طائرات قوات الأسد.
الأسد ينفي والأمم المتحدة عاجزة
بعد عامين من موافقة الأسد على تدمير أسلحته الكيميائية والانضمام إلى اتفاقيه حظرها، وثّقت 18 مرة استخدم فيها غاز الكلور شمال البلاد منذ السادس من آذار الماضي، بحسب نشطاء، بينما اكتفت الأمم المتحدة بإصدار قرار يُفيد باستخدام غاز الكلور في سوريا محذرةً من تداعيات الأمر، فيما أشارت إلى مقتل 9 أشخاص وإصابة المئات الآخرين بحالات اختناق جراء الغاز.
بدورها تنفي حكومة الأسد بشكل مستمر استخدام غاز الكلور، فيما يؤكد ناشطون سوريون وأهالي القرى هناك بأن الهجمات تتم عادة في الليل من قبل طائرات قوات الأسد، ويشيرون إلى سماع أزيزها قبل إلقاء البراميل.
وتعتبر القوات العسكرية السورية الوحيدة التي تستطيع استخدام الطائرات المروحية في سماء البلاد، والتي تعتمد عليها بشكل كبير في استهداف القرى بحجة ضرب مقاتلي المعارضة، وخاصة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.
ولا تملك وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن تحديد ما إذا كان غاز الكلور يستخدم أم لا تفويضًا في توجيه اللوم لطرف معين، كما لا يمكن لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية توثيق استخدامه إلا بالتعاون مع الحكومة السورية، بينما تبقى الشهادات والأدلة التي يجمعها الاهالي على الرغم من توثيقها غير كافية.
ويقف مجلس الأمن الدولي عاجزًا حيال الأمر في ظل إصرار روسيا الحليف الرئيسي للأسد على أنها مزاعم ومجرد “إشاعات”.
عينات تثبت تورط الأسد باستخدام الكلور
يُوفّر الدفاع المدني السوري وهو مجموعة مكونة من 2640 متطوعًا، خدمات الطوارئ والإنقاذ في المناطق المحررة التي تسيطر عليها قوات المعارضة، والذي جمع أدلة توثق الهجمات الأخيرة على إدلب، بحسب فاروق حبيب المستشار السياسي للمجموعة.
ويفيد رائد صالح، مدير المجموعة بأنه عاد في بداية الأسبوع الحالي من الولايات المتحدة الأمريكية حيث التقى مسؤولين أوروبيين وعسكريين بعد جمعهم لبقايا من البراميل المستخدمة في التفجير وعينات من بول ودم الضحايا بالإضافة إلى عينات من التربة والتي أظهرت مستويات عالية من آثار الكلور.
من جهته يشير حبيب إلى أن “العينات ذات قيمة للشعب السوري لأنها توثق الجرائم التي ارتكبها الأسد ضد شعبه” مضيفًا “هناك العديد من الأدلة التي توثق ذلك، ولكنها لن تعرض إلا بعد تكوين قضية قانونية تضمن اتهام الأسد المجرم باستخدامه غاز الكلور ضد الشعب السوري”.
وعرضت مجموعة الدفاع المدني السوري، تسليم العينات عبر الحدود مع تركيا أو استقبال الخبراء في المناطق التي يشتبه استخدام غاز الكلور فيها، بحسب حبيب.
لجنة تحقيق جديدة تعمل ضمن نفس العقبات
وتجري مداولات حاليًا بخصوص اقتراح الولايات المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق جديدة وتحديد هوية المسؤول عن استخدام الكلور، ويقول صالح “من المرجح أن تواجه اللجنة الجديدة نفس العقبات إلا في حال وصولها إلى مكان الهجوم وقت حدوثه فستكون حينها قادرة على توثيق القضية”، مردفًا ” جميعنا نعرف أن تأثير الغاز لا يستمر أكثر من ساعات قليلة”.
ويقول خبراء إن هذا هو السبب الوحيد الذي يجعل الأسد يواصل استخدامه للكلور في العديد من المناطق السورية.
ويستخدم الكلور في بعض الصناعات المحلية، وهو غير مدرج ضمن لائحة الأسلحة الكيميائية ولكن المشكلة تكمن في استخدامه بنية الإيذاء والقتل، ويشير حبيب إلى أن نظام الأسد “يعتقد أن هذا الأمر يساعده في أن يتّهم الأهالي باستخدامه بحكم تواجده في المنازل بشكل روتيني”.
وكان مسؤولون في نظام الأسد اتهموا جبهة النصرة في العام الماضي باستخدامها غاز الكلور في سوريا ولكنهم لم يقدموا أي دليل يثبت ادعاءاتهم.
ويقول كيلسي دافنبورت، مدير مجموعة حظر الأسلحة الكيميائية ومقرها واشنطن “إن المروحيات التي ترمي بالبراميل المليئة بالكلور تتبع لنظام الأسد ولكن أمر التفاوض لإجراء تحقيق رسمي وتوجيه اللوم له يعتبر أمرًا صعبًا للغاية”، مضيفًا “حتى لو شُكّلت هيئة لتحديد المسؤول عن هجمات الكلور، لن يتعاون الأسد ولن يقدم ضمانات أمنية”.
بدوره أشار الرئيس الأمريكي، باراك أوباما في حديثه إلى الصحفيين الأسبوع الماضي إلى أن إدارته “ستعمل مع المجتمع الدولي للتحقيق في المزاعم” ولكنها اكتفت بالتهديد.
وكان أوباما هدّد بضربات عسكرية بعد الهجمات بغاز السارين في ريف دمشق عام 2013، والتي أسفرت عن مقتل المئات، ولكنه تراجع في وقت لاحق في ظل الصفقة الروسية التي شهدت موافقة الأسد على تدمير أسلحته الكيميائية.
وينادي صالح وشخصيات معارضة أخرى بفرض منطقة حظر جوي أو مناطق آمنة لحماية المدنيين من الهجمات المستقبلية، ولكن على مدار الحرب المستمرة منذ 4 سنوات والتي دخلت عامها الخامس، لا يبدو أن هناك نية من الولايات المتحدة أو حلفائها لفرض هذه المنطقة.
“حتى الاحتياطات التي يتخذها المدنيون لتجنب القصف أصبحت قاتلة” يقول كيالي، مضيفًا “اعتاد الناس على أنهم من خلال لجوئهم إلى سراديب تحت الأرض سيكونون آمنين، ولكن الهجوم الأخير الذي أودى بحياة 6 أشخاص كان بالقرب من فتحة تهوية أحد الملاجئ؛ سنموت واحدًا تلو الآخر ولن يسأل أحد عنا”.
ترجمة عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الإنكليزية من المصدر اضغط هنا.