عنب بلدي – روزنة
ضجت وسائل الإعلام العالمية، لأكثر من خمسة أعوام، بأخبار مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” الأجانب، وتوافقت مع تصريحات المسؤولين الحكوميين، في التحذير من مدى خطورتهم، ونقل نظرة الخوف والرهبة من أفعالهم.
جذبت أرض النزاع السورية نحو 41.5 ألف رجل وامرأة وطفل أجنبي، ما بين نيسان عام 2013 وحزيران 2018، وفقًا لتقرير “المركز الدولي لدراسة التشدد” التابع لجامعة “كينغز كوليج” البريطانية، أتوا من أكثر من 60 بلدًا، وفقًا لتصريحات المسؤولين في “الإدارة الذاتية”.
واليوم تضم السجون ومراكز الاحتجاز المؤقتة، التي أقيمت في أنحاء شمال شرقي سوريا عشرة آلاف مقاتل من رجال وأطفال بعمر 14 عامًا، ما زالوا محتجزين بعد ثمانية أشهر على الإعلان عن هزيمة التنظيم، في آذار الماضي.
وأقيمت تلك المراكز خلال المعارك التي خاضتها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بالتعاون مع التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة”، ويقدر مسؤولون أمريكيون عددها بـ 25 مركزًا.
وفي حين تتجاهل الدول المصدرة للمقاتلين الدعوات المتتالية من “الإدارة الذاتية” ومن الولايات المتحدة وتركيا، لاستعادة مواطنيها، تبقى مسألة التعامل مع سجناء التنظيم من أهم القضايا العالقة في الأراضي السورية، التي تشهد صراعًا متعدد الأطراف على السلطة، زاد من تهديد فرارهم وعودتهم لنشاطاتهم “الإرهابية”.
فما سبل التعامل مع مقاتلي التنظيم؟ وما الخيارات المتاحة في حال رفضت الدول الغربية استعادة مواطنيها من سوريا؟
أسئلة حاول برنامج “صدى الشارع“، المذاع عبر راديو “روزنة”، البحث في إجاباتها، متحدثًا مع محللين، وراصدًا آراء الشارع السوري.
الإعادة إن لم تتم الاستعادة
صرح وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 8 من تشرين الثاني الحالي، أن بلاده ستبدأ بإرسال السجناء الأجانب إلى دولهم في 11 من تشرين الثاني، في حال لم تقبل الدول الغربية باستعادة مواطنيها.
وكان صويلو قد استنكر، بداية تشرين الثاني الحالي، التراخي الغربي في تحمل مسؤولية السجناء الأجانب، قائلًا إن تركيا “ليست فندقًا لعناصر (داعش) من مواطني الدول الأخرى”
تبعت تصريحاته سلسلة طويلة من الدعوات والتهديدات التي أطلقتها كل من “الإدارة الذاتية” والولايات المتحدة، إلا أن العملية العسكرية التركية على الحدود السورية، من 8 حتى 22 من تشرين الأول الماضي، زادت الضغط على الدول الأوروبية لتبدأ بالقبول باستعادة الأيتام من أبناء مواطنيها.
أدى نهج الدول الأوروبية بإغلاق حدودها في وجه مواطنيها المنضمين للتنظيم، إلى دفعهم للتمسك بالقتال في صفوفه، حسبما يرى الكاتب والمحلل السياسي فوزي ذاكر أوغلو في حديثه مع “صدى الشارع”.
بعتبر أوغلو أن السبب الرئيسي لتنصل الدول الأوروبية من مسؤولياتها هو حساب التكاليف المترتبة على استعادة المقاتلين، إذ إن “الإعدام ممنوع وسيضطرون لوضعهم في السجون وتقديم الغذاء والطعام وكل وسائل المعيشة لهم”.
ومن جانبها، استخدمت الدول الغربية ذريعة “الأمن القومي” لرفض استقبال من غادروها للانضمام للتنظيم، وعملت بعض الدول، في مقدمتها بريطانيا، على سحب جنسياتها من المواطنين الحاملين لجنسيتين، مصرحة أن المواطنين الكارهين لبلادهم لا يستحقون الانتساب لها، وهو ما أثار الشكوك حول قانونية ذلك الإجراء، بالإضافة إلى استنكار المنظمات الحقوقية.
ويشير المحلل السياسي التركي إلى أن الدول الغربية “فرحت” حين ذهب بعض مواطنيها إلى الشرق الأوسط وانضموا للتنظيم، “فحسب القوانين الأوروبية إن لم يقم الشخص بعمل إرهابي لا يمكن محاربته، وهؤلاء كانوا يمثلون خطرًا على دولهم”، وهي لا تريد استعادتهم الآن كي لا تعود لها “كوابيس الإرهاب” في المستقبل.
مصالح تعيق الإصلاح
فتح تقدم قوات النظام السوري إلى شمال شرقي سوريا، من خلال اتفاقها مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، احتمالات جديدة حول من ستؤول إليه مسؤولية سجناء التنظيم.
ولكن النظام السوري لا يمكنه أن يحل مسألة المقاتلين المنضمين للتنظيم، حسب رأي الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسن الدغيم، الذي اعتبر أن الأنظمة الحاكمة في المنطقة، السورية والعراقية واللبنانية، هي المسؤولة الأولى عن نشوء التطرف بسبب “الظلم والإجرام” الذي مارسته على شعوبها، ولن تؤدي سوى إلى زيادة أعداد منتسبيه وانتشار فكره.
وأضاف الدغيم، في حديثه لبرنامج “صدى الشارع”، أن الدول الغربية “تنظر بعين مصلحة الأمن القومي الداخلي لكل دولة ولا تنظر بمقتضى الخير الإنساني العام”، ما يسمح للنظامين السوري والعراقي بترويج صورتيهما كمحاربَين “للإرهاب”.
وكانت الدول الأوروبية التي رفضت حتى الآن استقبال مواطنيها، حاولت الاتفاق مع العراقيين “ليأخذوا وصاية مقاتليهم الأجانب واستخدام نظامهم”، حسبما نقلت صحيفة “The Washington Post” عن مسؤول أمريكي لم تذكر اسمه، رغم النقد الحقوقي للمحاكمات العراقية التي وجهت التهم لأكثر من 17 ألف رجل وامرأة، معتمدة على أدلة “غير كافية”.
ونقلت الصحيفة الأمريكية، بداية تشرين الثاني الحالي، عن شخصين على علم بالمسألة قولهما إن الاتفاق لم يدم، بعد أن طلبت السلطات العراقية مبالغ، واحتفظت بحق تنفيذ عقوبة الإعدام.
ورأى الدغيم أن تعامل “الإدارة الذاتية” وذراعها العسكرية “قسد” مع مقاتلي التنظيم كان “تمييزيًا”، من زج أناس بريئين في السجون بتهمة الانتماء للتنظيم، والسماح لهم بالفرار “مهددة العالم لتضمن بقاءها مسيطرة على آبار النفط والغاز”.
من جانبها، حذرت “الإدارة الذاتية” منذ بداية احتجازها لمقاتلي التنظيم، من خطر بقائهم محتشدين في السجون، طالبة الدعم من الدول المصدرة لهم، ومشيرة لعدم امتلاكها التجهيزات والمقومات الكافية للتعامل معهم، وطرحت فكرة إقامة محكمة دولية للنظر في قضاياهم، في آذار الماضي، إلا أنها لم تلق التأييد.
وعند الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية الداعمة لـ “قسد”، بداية تشرين الأول الماضي، الذي أفسح المجال أمام تقدم العملية التركية، عاودت “الإدارة الذاتية” تحذيراتها من خطر زعزعة الأمن بما يخص ضبط المقاتلين، قبل أن تعلن في 13 من تشرين الأول الماضي، عن هروب 785 شخصًا مرتبطين بتنظيم “الدولة” من مخيم عين عيسى، وهو ما دعا لتوجيه أصابع الاتهام لها.
شككت كل من أمريكا وتركيا برواية “الإدارة”، وقال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عبر حسابه في “تويتر”، في 14 من تشرين الأول الماضي، “المقاتلون الكرد في شمالي سوريا ربما يطلقون بالفعل سراح مقاتلي تنظيم الدولة لدفعنا إلى التدخل”.
وعادت رئيسة الهيئة التنفيذية في “الإدارة الذاتية”، إلهام أحمد، لتقول في لقاء مع “رويترز“، في 8 من تشرين الثاني الحالي، إن على الاتحاد الأوروبي أن يواجه تركيا بقوة، أو سيواجه موجة جديدة من مقاتلي الدولة الإسلامية العائدين.
وأشارت إلى أن “التهديد كبير، بسبب الطريقة الاعتباطية التي انسحبت بها الولايات المتحدة، ما سمح للعديد من المقاتلين الأجانب بالهروب ليعودوا لبلدانهم لمتابعة نشاطاتهم الإرهابية”.
“الإرهاب” لا يحل بـ”الإرهاب”
تكمن “خطورة” تنظيم “الدولة الإسلامية” بقيامه على مرتكزات فكرية ومعتقدات خاطئة، وتصور خاطئ عن التدين والدين الإسلامي بشكل عام، “فهو ليس عسكريًا وأمنيًا فقط حتى ينتهي بانتهاء قيادته العسكرية أو الأمنية”، حسبما قال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن الدغيم.
تعقيد ملف التنظيم، واتجاه كل دولة وراء مصالحها الخاصة، والتفكير بالحل الأمني والعسكري وحده، هو ما يعيق معالجة أسس التطرف الفكرية لدى أفراده، برأي الباحث السوري، الذي أشار إلى أن ترك مقاتلي التنظيم دون رعاية واهتمام، وعدم حل الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والدينية والفكرية التي دفعتهم نحوه، سيقود إلى تفشي الفوضى المهددة للمنطقة.
وحمّل الدغيم “الحكومة المؤقتة” و”الائتلاف الوطني لقوى المعارضة” و”الجيش الوطني” مسؤولية التعاون لمعالجة قضية التطرف، مضيفًا أن هذه المهمة تتطلب إقامة مؤسسة مختصة يشرف عليها أكاديميون ومثقفون مختصون، من علماء دين ونفس واجتماع، يرسمون خطة استراتيجية لخمس وعشر سنوات للتعامل مع السجناء.
وقال، “يمكن أن يتم التعامل مع بعض عناصر (داعش) على أساس العدالة الجنائية والقصاص، ومع بعضهم على أساس الدمج الاقتصادي والاجتماعي، أو عن طريق الحوار والإقناع الفكري، وبعضهم عن طريق الرعاية الصحية والمصحات”، ما يتطلب وجود مؤسسة تنهض بهذا المجال في جميع مساراته.
أعدت هذه المادة ضمن اتفاقية التعاون بين صحيفة عنب بلدي وراديو روزنة.
–