"سابقة تشريعية" أم استعراض؟
الأسد يعلّق مشروع قانون “مجلس الدولة”
عنب بلدي – ميس حمد
في سابقة قانونية وُصفت أنها “الأولى من نوعها”.. اعتراضٌ تقدم به رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مدعيًا وجود مخالفات دستورية في بضع مواد وردت ضمن مشروع “قانون مجلس الدولة”، الذي ناقشه وأقره مجلس الشعب.
تناقلت وسائل إعلام محلية خبر الاعتراض “غير المألوف” على مسامع السوريين وعنونت الخبر بـ “سابقة تشريعية” بحق مواد دستورية، ما أثار جدلًا بين السوريين، متسائلين عن واقعية الخلاف الحاصل بين مجلس الشعب والأسد، وحقيقة المواد التي حالت دون موافقة رئيس النظام على إعطاء الضوء الأخضر لها.
ما المواد الأربع؟
بقي الغموض مصاحبًا خبر الاعتراض والمواد التي أوقفت بانتظار موافقة الأسد على إقرار قانون “مجلس الدولة”، حتى ظهر رئيس المحكمة الدستورية العليا، محمد جهاد اللحام، متحدثًا إلى وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 8 من تشرين الثاني الحالي.
وأوضح اللحام في فيديو نشرته الوكالة أن المحكمة الدستورية أصدرت قرارًا بعدم دستورية أربع من مواد مشروع قانون “الدولة”، بناءً على اعتراض رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عليه عقب إقرار مجلس الشعب، واصفًا ذلك بـ “السابقة التشريعية”.
تتمحور المواد الأربع في الفقرة الأولى المتعلقة بتشكيل المحكمة المسلكية في “مجلس الدولة”، التي ضمت عضوًا من التنظيم النقابي ليس قاضيًا، وبرر اللحام رفض الأسد في أن “التنظيم القضائي ومراتب القضاة وسويتهم مغايرة تمامًا للتنظيمات الشعبية والنقابات المهنية”، حسب قوله.
ولفت اللحام إلى أن الاعتراض الثاني طال المادة التي تنص على “عدم قبول دعاوى الأعمال المتعلقة بالسيادة أمام محاكم مجلس الدولة”، واستشهد اللحام بالقانون رقم 55 الصادر عام 1959 حول عدم اختصاص مجلس الدولة في أعمال السيادة.
في حين تركز الخلاف الثالث في تحديد المهلة الممنوحة لإقامة الدعوى القضائية التي حددها الدستور بـ 60 يومًا للموظفين، في حين لم يحدد مهلة للسوريين من غير الموظفين، وهو ما اعتبره الأسد “خللًا آخر” في الدستور، بحجة أن “المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات”.
المسألة الرابعة التي وجدتها المحكمة “غير دستورية” تتعلق بمنع قانون “مجلس الدولة” إقامة دعوى المخاصمة بمواجهة قضاة “مجلس الدولة”، وهو ما اعتُبر تمييزًا بين القضاة، بالاستناد إلى المادة 164 من قانون “أصول المحاكمات”، التي تقول بجواز مخاصمة القضاة وممثلي النيابة العامة في حالات محددة.
للوقوف على أحقية التعديل على مواد مشروع قانون “مجلس الدولة”، تحدثت عنب بلدي إلى محامٍ وقاضٍ، شرحا مواقع الخلل في اعتراض الأسد.
“استعراض” بحق ثلاث مواد
“مجلس الدولة” السوري
هيئة قضائية مستقلة مقرها دمشق، يصدر أحكامه باسم الشعب السوري، بعدما كانت “هيئة مستقلة تلحق برئاسة مجلس الوزراء”.
يتمتع مجلس الدولة السوري بامتياز الفصل في مسائل الطعون الخاصة بانتخابات الهيئات الإقليمية والبلدية، والبت في المنازعات المرتبطة بالمعاشات والمكافآت، وكذلك النظر في الطلبات المقدمة للطعن في القرارات النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو بمنح علاوات.
كما يبت مجلس الدولة في الطلبات المقدمة من الأفراد والهيئات لإلغاء القرارات الإدارية النهائية، ومنازعات الضرائب والرسوم والمحاسبات، بالإضافة إلى دعاوى الجنسية. ومن صلاحيات المجلس أيضًا الفصل في منازعات العمل وعقود الالتزام والأشغال العامة والتوريد.
رئيس تجمع المحامين السوريين، غزوان قرنفل، قال إنها المرة الأولى التي يحيل فيها رئيس الجمهورية قانونًا بموجب اعتراض صادر عنه على بعض المواد، بزعم عدم دستوريتها.
من حيث المبدأ، يحصل هذا الأمر في دول “تحترم القانون”، بحسب قرنفل، لكن الوضع بالنسبة إلى سوريا يبدو مغايرًا، ففي سوريا عشرات القوانين المخالفة للدستور، و”لا أحد يتجرأ على الحديث بأنها غير دستورية ويدعو إلى إيقاف العمل بها” حسب قوله.
وضرب قرنفل مثالًا القانون رقم 10 المعني بالعقارات، والذي أثار جدلًا عقب إصداره وفق مرسوم تشريعي في نيسان 2018، منوّهًا إلى أن اللجان التي تبتّ في الاعتراضات وتنظر في طلبات تسوية الأسهم وأصحاب الأملاك، ليست بمجملها من القضاة، “إذ كان من الأجدى الاعتراض على هذه المادة” حسب تعبيره.
ولفت قرنفل إلى أن خطوة النظام “استعراضية”، تحاول إخبار المجتمع الدولي بالتزامن مع أعمال اللجنة الدستورية، أن “سوريا دولة قانون وتحترم الدستور”.
وحول المواد التي تم الاعتراض عليها، بيّن المحامي أن الاعتراض كان بحق ثلاث مواد فقط، لكن المحكمة الدستورية أبطلت مادة وطلبت تصحيحها من تلقاء نفسها، منوهًا إلى أن “كل ما اعترض عليه الأسد ليس سوى مواد إجرائية”.
“مناقضة للواقع”
علق القاضي خالد شهاب الدين، حول الاعتراض على الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من قانون “مجلس الدولة”، المعنية بتشكيل المحكمة المسلكية الخاصة بمعاقبة العامل في خلافات تتعلق بوظيفته، معتبرًا أنه”عارٍ عن الصحة”.
واستدل شهاب الدين في كلامه على تشكيل المحكمة العملية المستندة إلى عضوين من غير القضاة، “وهو أمر سبق لهم كقضاة الاعتراض عليه قبل الثورة لكن بقي الحال على ما هو عليه”، حسب تعبيره.
وأوضح شهاب الدين أن الاعتراض على الفقرة الأولى من المادة 12، التي تحدثت عن تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، “غير ممكن”، مستدلًا بأن قرارات الهدم من البلديات يتم تنفيذها بحجة أنها قرارات سيادية لا يمكن البت في صحتها، إضافة إلى أنه “لا يمكن رفع دعوى أو تحريكها حتى ضد أي عنصر من عناصر الجيش”.
واعتبر شهاب الدين أن هدف الحديث عن مشروع “قانون مجلس الدولة” وإظهار الخلاف الدائر بين مجلس الشعب وبشار الأسد، إعلاميّ، “هو أمر مفبرك ومقصود لإيهام الناس برغبة الأسد في الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية تتمتع بفصل السلطات واستقلالية القضاء”.
خطأ “قاتل”
ولفت القاضي شهاب الدين إلى وجود خطأ قانوني “قاتل” في قانون “مجلس الدولة”، واصفًا المحكمة بـ “غير المهنية”، واستشهد على ذلك بالفقرة الثانية التي تنص على إلغاء المواد موضوع الاعتراض، دون معالجة أو إيجاد بديل، “فمثلًا، الفقرة المعنية بتحديد المدة الممنوحة للطعن في القضية من قبل المواطنين، بقيت دون تحديد”.
في حين تحدث المحامي عارف الشعال، في منشور حول الاعتراضات عبر “فيس بوك”، عن أخبار تفيد أن المواد المخالفة للدستور التي وردت في مشروع “قانون مجلس الدولة”، لم تكن موجودة في نص المشروع الأصلي الذي أعده مجلس الدولة، وإنما أضيفت من قبل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب.
وعلّق على ذلك بأن “إقحام نصوص قانونية مخالفة للدستور في تشريع ما، يعتبر خطأً حقوقيًا جسيمًا، يتحمل تبعاته ووزره من وضعها، ويطرح إشارات استفهام حول كفاءته أو إهماله”.
واعتبر الشعال أن الجهة التي أعدت مشروع القانون، “تحاول التنصل من تبعة هذا الخطأ الدستوري الجسيم، وتلقي باللائمة على لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب، التي يقع على كاهلها تدقيق مشروعات القوانين المعروضة على المجلس، ومدى مواءمتها مع الدستور”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :