عنب بلدي – تيم الحاج
تسابق إيران وروسيا الزمن لتوقيع أكبر عدد من الاتفاقيات الطويلة الأمد مع حكومة النظام السوري، بشكل يوحي أن الدولتين تقاسمتا بالفعل ما تبقى من قطاعات الطاقة في سوريا.
شهدت الأشهر الأخيرة هرولة إيرانية نحو مشاريع الكهرباء في سوريا، كان أحدثها توقيع اتفاقية مع النظام السوري، في 2 من تشرين الثاني الحالي، تتضمن منظومة الكهرباء وتطوير التجهيزات الكهربائية في سوريا.
وتتناول الاتفاقية العمل على إعادة بناء منظومة الكهرباء في سوريا، وتوطين صناعة التجهيزات الكهربائية فيها، وتشمل إنشاء محطات توليد الكهرباء وشبكات النقل والتوزيع والعمل على إعادة بناء وتقليص التلف في شبكة توزيع الكهرباء بمجالات الهندسة والتشغيل وخدمات الزبائن، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
ودعمت إيران النظام السوري، خلال السنوات الماضية، سياسيًا واقتصاديًا، وتمكنت من الحصول على اتفاقيات اقتصادية كبيرة في مجالات مختلفة.
ويفتح سعيها للاستثمار في مجال الطاقة الكهربائية الباب أمام تساؤلات عدّة، حول حجم وطبيعة المكاسب التي تسعى طهران للحصول عليها، وهل أفسحت موسكو المجال لطهران للاستثمار في هذا المجال بشكل منفرد، وما معوقات تنفيذ تلك المشاريع.
اتفاقيات متتالية
تزايدت الاتفاقيات الموقعة بين النظام السوري وحليفته إيران، بعد توقف المعارك في معظم المناطق السورية، في سعي إيراني لحجز مقعد في سوق إعادة الإعمار بسوريا رغم التحذيرات الدولية وخاصة الأمريكية.
أحدث تلك الاتفاقيات، التي وقّعت بين الطرفين، كانت مطلع تشرين الثاني الحالي، وتتضمن منظومة الكهرباء وتطوير التجهيزات الكهربائية في سوريا.
وكانت حكومة النظام السوري وقّعت، مطلع أيلول الماضي، اتفاقية تعاون مع شركة إيرانية لتوليد الطاقة الكهربائية في المنطقة الواقعة بين حمص وحسياء، بحسب وكالة “سانا“.
في الوقت ذاته، تعتزم إيران إنشاء محطة لتوليد الكهرباء في مدينة اللاذقية على الساحل السوري، ضمن الاتفاقيات الاقتصادية الإيرانية المبرمة مع حكومة النظام.
ونقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية، عن وزير الطاقة الايراني، رضا أردكانيان، في أيلول الماضي، قوله، “تم نقل محطة لتوليد الكهرباء بقدرة 540 ميجاوات في اللاذقية، إلى القطاع الخاص الإيراني في إطار مشروع استثماري مشترك”.
مطامع إيرانية
سعي إيران للسيطرة على قطاع الكهرباء في سوريا لا يعتبر جديدًا، فطهران ترتكز في ذلك على مطامع قديمة، بدأت قبل عام 2011 وتحديدًا عام 2009، عندما تم استجرار عدادات كهرباء من إيران لتركيبها في سوريا، وكان الهدف منها رفع وتحرير أسعار الكهرباء على مراحل، لكن قيام الثورة السورية أدى إلى تأجيل هذا المشروع.
ويرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم أن إيران تريد حجز استثمارات لها من خلال قطاع الكهرباء، لأن روسيا باتت تسيطر على معظم مفاصل الدولة السورية.
وأوضح الباحث لعنب بلدي، أن إيران تريد من خلال قطاع الكهرباء أن تكون قريبة من الحلقة الوسطى، أي التجار والصناعيين والفقراء السوريين، عبر إمدادهم بالكهرباء، لكسب ودهم ومحاولة السيطرة عليهم عبر شراء ولاءاتهم.
ولفت إلى أن قطاع الكهرباء يُعتبر قطاعًا واعدًا، وفيه أرباح كبيرة لعدم وجود شركات منافسة، موضحًا، أن “قطاع (الكهرباء) احتكاري بامتياز خاص بالدولة”.
آلية الاستثمار
وعن الطريقة التي تريد إيران استخدامها للاستفادة من قطاع الكهرباء، أوضح يونس الكريم أن هناك عدّة آليات تتيح لإيران الاستثمار في قطاع الكهرباء، كـتمويل إعادة إعمار هذا القطاع، وتلافي النقص فيه، مقابل دفع أرباح، وهذا ما لا تريده إيران، وفق قوله.
الآلية الثانية أن تبني طهران محطات الكهرباء ثم تبيعها للمؤسسة العامة للكهرباء (السورية)، التي تبيعها بدورها للمواطنين، وهذه أيضًا لا تريد إيران العمل بها، وفق الكريم، على الرغم من أرباحها الثابتة والواعدة.
أما الآلية الثالثة الذي قد تفضلها إيران، بحسب الباحث الاقتصادي، فهي أن تمد ساعات الكهرباء وأن تبني مؤسسات جباية وتوظف العمال وتدفع الرواتب، بحيث تؤسس حاضنة كبيرة لها داخل مؤسسات الدولة للسيطرة عليها لاحقًا، في حال قرر أحد إخراجها من سوريا.
ورأى أن طهران تريد تعميق دورها في المؤسسات السيادية السورية بعد أن فقدت كثيرًا من قدرتها على إدارة البلاد لمصلحة روسيا.
ودلل الباحث على توقعاته بالاستناد إلى السيناريو اللبناني، وقال، “كما يحدث الآن في لبنان عندما يريدون إخراج حزب الله من الخارطة الاقتصادية، فإن كثيرًا من عناصره في تلك الدائرة الاقتصادية يتحركون ويعارضون ذلك. وهو ما جعل حزب الله أحد أهم اللاعبين في الساحة اللبنانية”.
الأرباح
عانى قطاع الكهرباء في سوريا خلال السنوات السبع الأخيرة من نقص كبير، خاصة بعد خروج بعض المحطات عن الخدمة، بالإضافة إلى وجود بعض المناطق بلا كهرباء نهائيًا.
ويعاني المواطنون في مناطق سيطرة النظام السوري من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة تصل إلى 15 ساعة في بعضها، في حين توجد بعض المناطق لا يصل إليها التيار لعدة أيام.
وتشير البيانات السورية الرسمية إلى أن قطاعي النفط والكهرباء، هما الأكثر تضررًا جراء الحرب، إذ تقدر الخسائر في قطاع النفط بما يزيد على 65 مليار دولار، كما تزيد خسائر قطاع الكهرباء على 800 مليار ليرة، بحسب ما ذكره مدير مؤسسة عام توزيع الكهرباء السورية، مصطفى شيخاني، لصحيفة “الوطن” في آب 2016.
وتُعد الأرباح في قطاع الكهرباء كبيرة، وفي المقابل يحتاج وقتًا من الزمن كي تدور عجلة أرباحه، لأن حجم الاستثمار الضخم من قبل الشركات في هذا القطاع يحتاج فترة طويلة من الزمن لاستردادها.
ووفق الباحث يونس الكريم، فإن الأرباح عادة في قطاع الكهرباء تتراوح بين 40 إلى 30%، وهي نسبة معقولة، أما في حال تم الإبقاء على السعر الحالي أو التعرفة الحالية فسيكون المردود منه (قطاع الكهرباء) بسيطًا، لكن إن تم تحرير الأسعار، وهذا الذي تريده إيران، فسيحقق مكاسب مالية كبيرة.
أوروبا حجر عثرة
أشار الباحث الاقتصادي إلى أن روسيا تطمح في أن تستثمر بقطاع الكهرباء في سوريا لكن ما حصلت عليه من استثمارات حتى الآن لا يتيح لها لذلك، لأن جميع الاستثمارات الروسية تحتاج إلى فترة زمنية طويلة لإعادتها، وهذه الفترة تنطلق من لحظة بدء الحل السياسي والتعامل مع العالم الخارجي، في إشارة إلى أوروبا وأمريكا.
وقال، “كل من إيران وروسيا لا تملكان البنية التحتية المتقدمة في صناعة الكهرباء، وهما بحاجة إلى أوروبا وخاصة ألمانيا، كون أن المؤسسات السورية السابقة كانت تُبنى على المواصفات الألمانية أو اليابانية، ولذلك فإن بناء وحدات كهربائية إيرانية أو روسية الصنع سيكون مكلفًا عليهم لأنهم سيحتاجون إلى تغيير البنية التحتية كاملة”.
ولفت إلى أن قطاع الكهرباء الإيراني ليس ذا جودة عالية، ما يعني الضرر بملف الأمان الخاص بالأجهزة والمنازل بسبب تذبذب التيار الكهربائي، وهذا يؤدي إلى خطر على الناس، وفق قوله.
ورأى أن روسيا لا تريد أن تظهر أمام الغرب على أنها قامت بـ “بلع الاقتصاد السوري، لذلك تركت للنظام السوري عدة قطاعات كي يعمل بها، حتى لا تصبح الدولة في نظر العالم دولة فاشلة، كما أن روسيا تريد ترك قطاعات للجانب الأوروبي، كي يدخل ويسهم ويشرعن لها عملية إعادة الإعمار”.