نينار خليفة | محمد حمص | مراد عبد الجليل
لم تكن تحركات “الجيش الوطني” في شمال شرقي سوريا ضمن العملية العسكرية التركية قد مرّ عليها أكثر من أربعة أيام، حتى بدأت المقاطع المصورة عن انتهاكات بحق مقاتلين من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بالانتشار.
أشخاص يقضون رميًا بالرصاص على قارعة طريق فرعي، بعد تكبيل أيديهم إلى الخلف، قيل إنهم مقاتلون كرد ضمن “قسد”، بينما أشار لباس المقاتلين ومفرداتهم إلى هويّتهم بوضوح.
حمل ذلك المشهد، الذي انتشر ضمن تسجيل مصوّر في 13 من تشرين الأول الماضي، انتقادات واسعة لـ “الجيش الوطني” الذي يضم فصائل الجيش الحر والتابع لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف المعارض.
وفي الوقت الذي أكد فيه اعتقال الأفراد المتورطين بتنفيذ إعدامات ميدانية وإحالتهم للتحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، اتهمت “منظمة العفو الدولية” عناصره وخاصة فصيل “أحرار الشرقية” بارتكاب عملية إعدام ميداني، بـ “صورة وحشية”، للناشطة السياسية السورية الكردية البارزة، هفرين خلف.
عقب ذلك أصدر “الجيش الوطني” مدونة سلوك بعنوان “مقاتل لا قاتل” بهدف منع التجاوزات وضمان احترام حقوق الإنسان في أثناء تأدية المهام القتالية، كما شكل محكمة عسكرية في بلدتي رأس العين بريف الحسكة وتل أبيض بريف الرقة، لضبط المناطق وعدم حدوث تجاوزات.
الحادثة لم تكن الوحيدة، إذ اتُّهم الطرف الآخر في المعركة، والمتمثل بـ “قسد”، بارتكاب انتهاكات مشابهة، ولم تكن جديدة أيضًا، فذاكرة الصراع في سوريا توثق انتهاكات ارتكبها جميع أطراف الصراع دون استثناء، وقُتل إثرها مقاتلون ومدنيون دون محاكمات.
تسلط عنب بلدي في هذا الملف الضوء على ملف الإعدامات الميدانية المرتكبة في سوريا على يد أطراف الصراع الرئيسة، وتحاول التعرف إلى مسوّغاتهم ودوافعهم لها، وموقف القانون الدولي منها، وآليات محاسبة مرتكبيها.
النظام السوري أبرزها..
جميع أطراف النزاع مسؤولة عن إعدامات ميدانية
تكررت حالات الإعدام الميداني في سوريا بأساليب مختلفة منها القتل عمدًا بإطلاق الرصاص، أو الحرق، أو الذبح، إلى جانب التمثيل بالجثث، وبحسب تقارير صدرت من منظمات ومراكز حقوقية، سيرد ذكر بعضها في التقرير، خلال السنوات الماضية، فإن جميع “أطراف النزاع المسلح” في سوريا، ارتكبت حالات إعدام ميداني بحق أسراها، سواء عبر سياسة انتهجتها بعض الأطراف بهدف تخويف أخرى، أو كحالات فردية ارتكبها العناصر.
أبرز المستهدفين الرئيسيين من عمليات الإعدام الميداني هم مقاتلون في أطراف النزاع، سواء في قوات النظام والميليشيات التابعة لها وخاصة الإيرانية و”حزب الله” اللبناني، أو فصائل المعارضة أو التنظيمات “الجهادية” أو القوات الكردية في المنطقة الشرقية، رغم أن القانون الدولي، وخاصة اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب الصادرة في 1949، أكدت وجوب عدم الاعتداء على أي شخص أعزل أو سلم سلاحه أو سلم نفسه للطرف الآخر.
البداية من قوات النظام
أول من بدأ مسلسل الإعدامات الميدانية كانت قوات النظام السوري والميليشيات التابعة لها في مختلف المناطق السورية، وما يميز الانتهاكات التي ارتكبتها أن عملية القتل العمد لم تكن في بداية الأحداث بحق مقاتلين يحملون السلاح، وإنما نفذت بحق متظاهرين سلميين لم يمثلوا أي خطر محتمل عليها.
وتزخر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة “يوتيوب”، بتسجيلات تظهر تنفيذ عناصر من قوات النظام مئات الإعدامات الميدانية بحق أشخاص اعتقلتهم، نتيجة مشاركتهم في المظاهرات السلمية، أو إعدام مدنيين عزل عند اقتحام قرى وبلدات شهدت حركة احتجاجية ضد النظام.
وأول عملية إعدام ميداني جماعي كانت في 23 من آذار 2011، عندما اقتحمت قوات النظام المسجد العمري في درعا وأطلقت الرصاص على المعتصمين داخل المسجد ما أدى إلى مقتل 30 شخصًا، بحسب تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان.
وتوالت عقب ذلك مئات حالات الإعدام الميداني على يد قوات النظام والميليشيات المساندة لها، ولعل أبرزها مجزرة داريا، في آب 2012، وراح ضحيتها أكثر من 700 مدني بينهم 522 موثقون بالاسم بحسب المجلس المحلي سابقًا.
إلى جانب قتل ما لا يقل عن 248 شخصًا في بلدة البيضا ومدينة بانياس بريف طرطوس، في أيار 2013، “في واحدة من عمليات الإعدام الجماعي الميداني الأكثر دموية منذ بداية النزاع في سوريا”، بحسب ما وصفتها “هيومن رايتس ووتش”.
إعدامات بعد “محاكمة شرعية”
لم تنحصر الإعدامات الميدانية بقوات النظام السوري، وإنما ارتكبتها أيضًا التنظيمات “الجهادية” التي بدأت تُشكل بعد أكثر من عام على بدء الثورة، وأبرزها “جبهة النصرة”، التي كانت تابعة لتنظيم “القاعدة” قبل أن تفك ارتباطها به وتتخذ أسماء مثل “جبهة فتح الشام” و”هيئة تحرير الشام”، كما نفذ تنظيم “الدولة الإسلامية” إعدامات ميدانية عدة إلى جانب تنظيمات “جهادية” أخرى.
وبحسب بيان لـ “هيومن رايتس ووتش” فإن 190 مدنيًا بينهم 67 أعدموا ميدانيًا، رغم أنهم كانوا غير مسلحين ويحاولون الفرار، في قرى بمحافظة اللاذقية في سوريا من قبل “مجموعات جهادية” في آب 2013، بمشاركة “أحرار الشام” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، و”جبهة النصرة”.
فصائل المعارضة متورّطة
في المقابل كان ارتكاب فصائل المعارضة السورية، الممثلة بـ “الجيش الحر”، إعدامات ميدانية بحق الأطراف الأخرى، قليلًا مقارنة بانتهاكات قوات النظام والتنظيمات “الجهادية”.
وأشهر عملية إعدام ميداني قامت بها فصائل المعارضة كانت في آب 2012، عندما أقدم مقاتلون محسوبون على “الجيش الحر” على إعدام مجموعة ممن وصفوهم بـ “الشبيحة” ميدانيًا في مدينة حلب.
وبحسب تسجيل انتشر حينها على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر اعتقال المقاتلين عددًا من العناصر الموالين للنظام من آل بري، كانت وجوههم ملطخة بالدماء وأبرزهم قائد المجموعة، ويدعى علي زين العابدين بري، المعروف باسم زينو.
واقتاد مقاتلو “الجيش الحر” المعتقلين إلى خارج المدرسة التي كانوا يوجدون فيها، وأعدموهم بالرصاص الحي أمام عدد من الأهالي.
وفي الوقت الذي شجبت قيادة “الجيش الحر” عملية القتل العمد دون محاكمة، والتصرفات التي وصفتها بـ “اللا مسؤولة”، واعتبرتها أنها “ليست من أخلاق الجيش الحر”، أصدرت “منظمة العفو الدولية” بيانًا طالبت فيه بوقف هذه الخروقات على الفور مع ضرورة توثيقها لإحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وطالبت المنظمة، بحسب ما نقلته قناة “الجزيرة” حينها، بإجراء تحقيق فوري في عملية الإعدام لمحاسبة المتورطين وأكدت على احترام القوانين الدولية ومنها اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بالأسرى.
القوات الكردية أيضًا
رغم قلّة الوثائق المصورة التي تدين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وضمنها “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، بإجراء إعدامات ميدانية، بالمقارنة مع أطراف الصراع الأخرى، لكن اتهامات واسعة طالتها بارتكابها.
إذ يشير تقرير لـ “المركز الأورو متوسطي لحقوق الإنسان”، نشر في تموز 2019، إلى أن الانتهاكات التي ترتكبها قوات “قسد”، تشمل الاعتداء على حياة المدنيين بشكل مباشر من خلال الإعدامات الميدانية التي ينفذها أفرادها بحجة علاقتهم بتنظيم “الدولة الإسلامية”.
واستشهد تقرير المركز بمجموعة من المقاطع المصورة التي اطلع عليها، أو التي حصل عليها، وأحدها مقطع فيديو مسرب من هاتف أحد عناصر “قسد” في أحد السجون التابعة لها، قال إنه يصور علميات القتل والتنكيل التي تطال الشباب العرب بسبب رفضهم الالتحاق بالتجنيد الإجباري.
كما تحدث المركز عن مقطع فيديو مصور يعود تاريخه إلى شهر أيار من العام 2018، ويظهر إعدام أحد أفراد “قسد” رجلًا وزوجته بعد إيقاف دراجتهما النارية لمجرد مرورهما بجانب جدار كتب عليه عبارات ضد أحد القيادات الكردية.
تجاهل.. اعتذار.. أم تبرير
كيف تتعامل أطراف الصراع مع اتهامات ارتكاب الإعدامات الميدانية؟
تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في إحراج الفصائل أو الكيانات العسكرية التي يقوم مقاتلون تابعون لها بتنفيذ إعدامات ميدانية، الأمر الذي يدفع تلك القوى إلى تبرير تلك الأعمال أو نفيها أو استنكارها، بينما تضفي بعض أطراف الصراع صفة “التصرفات الفردية” على تلك الحوادث، أو تتجاهلها بشكل كامل.
“الجيش الوطني” يعتذر
بعد حادثة فيديو إعدام عناصر “الجيش الوطني” عنصرًا من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في 12 من تشرين الأول الماضي، تحرك على الصعيد الانضباطي فأنشأ لجنة لـ “استرداد الحقوق” ومنع التجاوزات وتسجيلها على عناصره، قبل أن يصدر مدونة، في 3 من تشرين الثاني الحالي، تحت اسم “مقاتل لا قاتل”، توضح فيها المعايير التي يجب على المقاتلين والأجهزة الأمنية التابعة للفصيل المدعوم تركيًا اتباعها، بالإضافة إلى سلوكيات التعامل مع “الموقوفين” وأسرى الحرب.
وحول توقيت إصدار مدونة السلوك في “الجيش الوطني” قال رئيس المكتب السياسي في “لواء المعتصم”، التابع لـ”الجيش الوطني”، مصطفى سيجري، في حديثه لعنب بلدي، إنهم يحاولون من خلال المدونة قطع الطريق على بعض التجاوزات.
يشمل “الجيش الوطني” فصائل “الجيش الحر” ضمن التشكيلات العسكرية التي اندمجت في أيلول الماضي، وينشط في مناطق شمالي حلب الخاضعة للنفوذ التركي، ومناطق الانتشار الجديدة في ريفي الرقة والحسكة. |
وحول تنفيذ الإعدامات الميدانية، أضاف سيجري أنها “مخالفة لمعتقداتنا الدينية وعاداتنا وتقاليدنا بكل تأكيد”، مشيرًا إلى أن الموقف الرسمي لـ “الجيش الوطني” يتمثل في البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع، بتشكيل لجنة برئاسة نائب الوزير، العميد حسن حمادة، بينما يعود موضوع العقوبة ومستواها إلى اختصاصات القضاء العسكري.
وتوضح مدونة السلوك الخاصة بـ “الجيش الوطني”، الالتزامات الأخلاقية والإنسانية والقانونية، التي تحكم عمل العناصر خلال أداء الواجبات، وتسعى الى احترام حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة.
وتشمل قواعد المدونة امتناع العناصر عن القيام بأي عمل من أعمال التعذيب أو المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة والتحريض عليها أو التغاضي عنها، وتحظر التقاط الصور والفيديوهات خلال المهام العسكرية، معللة ذلك بقواعد “السرية وسلامة العمل العسكري”.
وشملت المدونة مبادئ لمعاملة أسرى الحرب، ونصت على عدم التمييز بين الأسرى، بما يتعلق بأصولهم وجنسياتهم ودينهم وأفكارهم واتجاهاتهم السياسية أو الفكرية، وحظرت استخدام العنف ضد “الموقوفين” الذين لا يبدون أي مقاومة.
كما حظرت اللجوء إلى التعنيف، خلال الاستجواب، واستعمال القوة، وقالت ضمن المبادئ الأساسية في معاملة أسرى الحرب، “يعاملوا معاملة إنسانية في جميع الأوقات، ويُحظر ارتكاب أي فعل أو إهمال غير مشروع يتسبب في موت أسير في عهدته، ويعتبر انتهاكًا جسيمًا”.
وجاء في المدونة أنها تراعي اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب، كما شملت قواعد لمعاملة الأسيرات من النساء ومراعاة السن والجنس والرتبة وقواعد التشغيل.
“قسد” تنكر
في الجهة المقابلة لـ “الجيش الوطني” لم تعلق “قسد” على اتهامات موجهة لعناصرها بارتكاب أفعال الإعدامات الميدانية واتهامات أخرى تتعلق بالتمثيل بجثث القتلى، الذي يعتبر بدوره “جريمة” ويدفع نحو ارتكاب أفعال انتقامية من الجهات المضادة أو المقابلة.
في شباط مطلع العام الحالي، وثق تسجيل إعدام أحد الأشخاص رميًا بالرصاص ميدانيًا، دون الإشارة إلى تبعيته أو المنطقة التي ينحدر منها، ويظهر الفيديو قياديًا في “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، يدعى زاهر حمد العبد الله، وهو يقوم بعملية الإعدام برشاش “بي كي سي” بعد تكبيل الشخص من يديه.
سارعت “قسد” للتنصل من الفيديو وعبرت عن صدمتها بمشهد التسجيل الذي أظهر، بحسب تعبيرها، “أشخاصًا يرتدون ثياب قوات سوريا الديمقراطية ارتكبوا جريمة بحق شخص يبدو أنه أحد أسرى تنظيم داعش”.
ولكنها إلى اليوم لم تعلن عن نتائج التحقيق ومصير الشخص منفذ عملية الإعدام، وفي المعارك الأخيرة، خلال العملية التركية التي تشنها على مناطق خاضعة لسيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا، لم تتطرق “قسد” إلى بعض الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تعلق عليها.
وفي تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” حزيران 2017 الماضي، أكدت أن “القوات الكردية لا تراعي القوانين الدولية الخاصة بالأسرى”.
النظام السوري يبرر
حظي النظام السوري بالنصيب الأكبر من انتهاكات حقوق الإنسان منذ بدء الصراع في سوريا، ونال أكبر عدد من تقارير المنظمات الحقوقية، والإدانات الدولية لارتكاب “جرائم حرب”، من بينها “الإعدامات الميدانية”.
ولم يعترف النظام بأغلب تلك التجاوزات، كما لم يعترف أساسًا بتجاوزات أخرى كالاعتقالات التعسفية، وتعذيب المعتقلين وتنفيذ إعدامات بحقهم، كما تعامل إعلامه الرسمي مع أطراف الصراع الأخرى، على أنهم “إرهابيون” و”ميليشيات مرتزقة” مبررًا جميع الانتهاكات التي تُرتكب بحقهم.
الاعتراف الوحيد جاء على لسان رئيس النظام، بشار الأسد، في بداية الثورة السورية، حين تحدث عن “أخطاء أمنية” في مواجهة المتظاهرين، دون التطرق إلى تفاصيلها.
ورغم المبررات الجاهزة التي تعمل بموجبها القبضة العسكرية والأمنية للنظام، لا تحتوي القوانين الضابطة لعمل قوات النظام والصادرة عن وزارة الدفاع ضمن المرسوم التشريعي “رقم 152” في تاريخ 22 من حزيران 1949، على نصوص خاصة بمعاملة أسرى الحرب أو قوانين رادعة لمنع التعذيب أو الإعدام.
ويشمل القانون، الذي اطلعت عنب بلدي عليه، بندًا واحدًا ينص على إطعام وإكساء أسرى الحرب والسجناء المدنيين في السجن العسكري على نفقة الدولة، وفق نظام خاص تضعه وزارة الدفاع.
الإعدامات الميدانية “جرائم حرب”..
كيف يُحاسب مرتكبوها؟
مع تكرار سيناريوهات الإعدامات الميدانية في المشهد السوري من قبل أطراف مسلحة عدة، والتي ترافق بعضها مع عمليات تمثيل بالجثث، والتباهي بالقتل، ونشر صور الضحايا على وسائل التواصل الاجتماعي، تسببت هذه الممارسات باحتقان مجتمعي وزيادة في التفرقة والأحقاد والرغبة بالانتقام.
تمثل عمليات الإعدام الميداني انتهاكًا جسيمًا وصريحًا لمبادئ القانون الدولي، التي تؤكد على تجريم جميع الإعدامات التي تتم خارج نطاق القانون، وبشكل تعسفي، ودون محاكمات أيًا كان سببها والدافع وراءها.
وتحمي اتفاقية جنيف الرابعة، التي وقعت عليها 196 دولة في شهر آب من عام 1949، المدنيين في أوقات الحروب والنزاعات، وتحظر إصدار أحكام عليهم أو تنفيذ إعدامات بحقهم.
جرائم حرب
وصفت اتفاقية جنيف لعام 1929 القواعد التي تكفل حماية أسرى الحرب، والتي تم تنقيحها في نص اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، إثر الدروس المستخلصة من الحرب العالمية الثانية، وفي نص البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977.
ويؤكد القانون الدولي الإنساني على احترام كرامة الموتى، ووجوب معاملة الجثث بطريقة لائقة، واتخاذ كل التدابير الممكنة لضمان التعرف إلى هوية أصحابها وتسليمها إلى عائلاتهم.
وتشكل مخالفة هذه القوانين “جرائم حرب”، لا تسقط بالتقادم، ويتحمل مسؤوليتها مرتكبوها والمسؤولون عنهم، فحتى لو ارتكب المقاتل هذه الجرائم بأوامر من قائده، لا يُعفى من مسؤوليتها، إذ إن التذرع بإطاعة الأوامر لا يبرر ارتكابها وانتهاك قوانين الحرب.
ويُسهم توثيق مثل هذه الانتهاكات من قبل المنظمات الحقوقية السورية والدولية، بما في ذلك تحديد اسم المنتهك وانتمائه العسكري، في ملاحقة المجرمين عبر تقديم ملفاتهم إلى الجماعات المتخصصة برفع الدعاوى والمحاكم المعنية.
“الإعدام الميداني” في القانون
مدير “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، إبراهيم العلبي، عرّف الإعدام الميداني بالإعدام خارج إطار القانون أو القضاء، والذي لا تُتبع فيه الإجراءات المعنية بالعدالة.
وأشار في حديثه لعنب بلدي إلى أن الإعدام الميداني عمل مُجرَّم في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لأنه لا يتوفر فيه حق الدفاع، ولا وجود شهود أو محكمة، إذ يُعتبر المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته.
وبيّن العلبي أنه في حالة مواجهة مقاتل لآخر في معركة أو في إطار نزاع مسلح وقتله لا يوجد ما يجرمه، ولكن بمجرد أن يفقد المقاتل الرغبة أو القدرة على القتال فهنا لا يجوز قتله أو إعدامه، بل يجب عرضه على محاكمة إذا كان قد ارتكب جرائم.
القاضي السوري، رياض علي، عرف من جانبه الإعدامات الميدانية بأنها تلك التي تتم بقصد إزهاق روح الضحية دون توفر أي محاكمة، أو نتيجة محاكمة صورية “شكلية” لا تتوفر فيها أدنى شروط المحاكمة العادلة، ولا يتمتع فيها الضحية بحقوق الدفاع، كما يتولاها ضباط عسكريون لا تتوفر لديهم أي خبرة قانونية أو قضائية.
وأوضح علي في حديثه لعنب بلدي أن هذه الإعدامات يُقصد منها التخلص من الخصوم السياسيين أو العسكريين، وهي تندرج في خانة القتل خارج القضاء، لأن المحاكمة الصورية مثلها مثل انعدام المحاكمة.
ولفت علي إلى أنه “نظرًا لخطورة جرائم القتل خارج القضاء”، فقد تم إنشاء ولاية المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء وحالات الإعدام بإجراءات موجزة أو تعسفًا، مبينًا أن هذه الولاية تشمل جميع البلدان بصرف النظر عمّا إذا كانت الدولة قد صادقت على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة أم لا، مؤكدًا أن قتل الأسير أو إعدامه نتيجة محاكمة صورية أو دون محاكمة، خرق لاتفاقيات جنيف لعام 1949.
كما اعتبرت المادة الثامنة من نظام “روما” المؤسس لـ “المحكمة الجنائية الدولية” لعام 1998، أن كلًا من الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، وتعمّد حرمان الأسير من حقه في المحاكمة العادلة، وإصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلًا نظاميًا تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف بها عمومًا، يُعتبر “جريمة حرب”.
من هم أسرى الحرب؟
أسير الحرب هو مصطلح يُطلق فقط في حالة النزاعات الدولية التي تكون بين دولتين أو أكثر، على المقاتل التابع للجيش النظامي لإحدى هاتين الدولتين، وفقًا لمدير “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، إبراهيم العلبي.
وقال العلبي إن هذا المصطلح غير موجود قانونيًا في النزاعات المسلحة غير الدولية، إذ يسمى الشخص حينها بالـ “معتقل”، فالقانون الدولي غير متطور في هذه النقطة، لأنه عادة ما كانت تجري الحروب بين الدول، ولذلك من غير الواضح فيه ما هو المسمى القانوني للشخص الذي يُعتقل إذا كان مقاتلًا في حالة النزاعات المسلحة غير الدولية.
وأكد العلبي أنه وبغض النظر عن المسمى القانوني فلا يجوز إعدام هذا الشخص ميدانيًا، بل تجب معاملته معاملة حسنة، ومنع تعرضه لأي نوع من أنواع التعذيب، وعرضه على محاكمة في حال ارتكابه جرائم وليس فقط لكونه مقاتلًا، إذ إن قتال المقاتل ليس جريمة في القانون الدولي.
القاضي السوري، رياض علي، أوضح من جانبه أنه وفقًا لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، فإن أسرى الحروب هم “أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والميليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءًا من تلك القوات، وكذلك أفراد الميليشيات والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون لأحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلًا”.
وأضاف أنه يدخل ضمن هذا المصطلح أيضًا “الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية والمراسلين الحربيين ومتعهدي التموين، بشرط أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها، والذين يقعون في قبضة الطرف المقاتل الآخر كونهم أصبحوا غير قادرين على القتال أو غير راغبين فيه”.
تشير اتفاقيات جنيف إلى أنه في حال وجود شكوك بكون الشخص الذي أُلقي القبض عليه هو أسير حرب أم لا، فإنه يُعتبر متمتعًا بالحماية المنصوص عليها في الاتفاقية إلى حين البتّ بوضعه من قبل محكمة مختصة.
وتؤكد اتفاقيات جنيف على “وجوب معاملة أسير الحرب، معاملة إنسانية دون أي تمييز ضار يقوم على أساس العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو أي معيار آخر، كما يجب أن تعامل النساء الأسيرات بكل الاحترام الواجب لجنسهن.
وتحظر هذه الاتفاقيات أساليب القصاص والانتقام من الأسرى، ولا تجوز محاكمتهم إلا من قبل محكمة مختصة تتوفر فيها جميع ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع، وفي الوقت نفسه لا يجوز لأسرى الحرب التنازل عن أي من الحقوق الممنوحة لهم بموجب اتفاقيات جنيف بشكل كلي أو جزئي”.
كيف تتم محاسبة مرتكبي الإعدامات الميدانية؟
حول آليات محاسبة مرتكبي جريمة الإعدام الميداني في القانون الدولي، أكد الخبيران القانونيان إبراهيم العلبي ورياض علي، أنها نفس الإجراءات المتبعة لدى المساءلة في غيرها من جرائم الحرب.
ولفتا إلى أنها تتمثل بـ “محكمة الجنايات الدولية”، والمحاكم المحلية، والمحاكم الخاصة التي يتم إنشاؤها لهذا الموضوع.
وأشار العلبي إلى أن اختراق القانون يُعامل كأي جريمة أخرى وهو يعتمد على المحاكم الدولية أو المحلية المتوفرة ومدى اختصاصها، إلى جانب مدى الرغبة الدولية في محاكمة هؤلاء الأشخاص.
وأوضح رياض علي أن إجراءات المحاكمة والمساءلة في جرائم الحرب، تكون إما باللجوء إلى “محكمة الجنايات الدولية” ومقرها مدينة لاهاي الهولندية، بموجب المادة الثامنة من نظام “روما” المؤسس، وهو يتطلب أن تكون الدولة المعنية مصادقة عليه (سوريا ليست مصادقة)، أو أن تتم الإحالة من قبل مجلس الأمن مع موافقة الدول الخمس الكبرى في المجلس.
وأضاف أنه يمكن أن تتم المحاسبة أيضًا من خلال إنشاء محاكم جنائية خاصة بالدولة المعنية، كما حدث في يوغسلافيا ورواندا، وهو ما يتطلب قرارًا من مجلس الأمن الدولي بشرط عدم استخدام حق النقض “الفيتو”.
وعن الوسائل المتاحة أمام محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا، أشار علي إلى أنه في حال وجود إرادة سياسية جادة، يمكن أن تتم محاكمة هؤلاء وفقًا للآليات القضائية والقانونية الوطنية والدولية.
وأضاف أنه يمكن لـ “سوريا الجديدة” المصادقة على نظام “روما” لـ “محكمة الجنايات الدولية”، وإحالة المتهمين إلى هذه المحكمة.
كما تتوفر أمام أهالي الضحايا أو الضحايا أنفسهم إمكانية اللجوء إلى محاكم الدول التي تعتمد الولاية القضائية العالمية، آخذين بعين الاعتبار أن “جرائم الحرب” لا تسقط مهما مضى عليها الزمن.
و”الولاية القضائية العالمية” التي تعمل بها بعض المحاكم الأوروبية، تخولها التحقيق في جرائم ارتكبت خارج أراضيها، حتى لو كان المجرم أو الضحية من جنسيات دول أخرى.
“محكمة الجنايات الدولية”
هي أول هيئة قضائية مستقلة أُسست عام 2002 بموجب نظام روما الأساسي الموقع عام 1998، باعتبارها أول محكمة قادرة على محاكمة أفراد متهمين بارتكاب “جرائم حرب”، و”جرائم ضد الإنسانية”، و”إبادة جماعية” حول العالم.
يصل عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة إلى 121 دولة حتى عام 2012، وتواجه انتقادات حادة من كبرى دول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والهند، التي رفضت التوقيع على نظام روما الأساسي أو انسحبت منه لاحقًا.