آبار النفط في سوريا.. شهية أمريكية أم بازار صفقات؟

  • 2019/11/03
  • 12:00 ص
مركبة عسكرية أمريكية تمر عبر رافعة لضخ النفط في ريف مدينة القامشلي بشمال شرق سوريا في-26 من تشرين الأول 2019 (AFP)

مركبة عسكرية أمريكية تمر عبر رافعة لضخ النفط في ريف مدينة القامشلي بشمال شرق سوريا في-26 من تشرين الأول 2019 (AFP)

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

في ظل الصراعات العسكرية والسياسية بين اللاعبين الأساسيين في الملف السوري (أمريكا وروسيا وتركيا وإيران)، برز “صراع إعلامي”، خلال الأيام الماضية، على آبار النفط في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، التي أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هيمنته عليها عبر إبقاء عدد من القوات الأمريكية حولها.

ولم يخفِ الرئيس الأمريكي مساعيه للسيطرة على آبار النفط السورية في عدة مناسبات، سواء عبر حسابه الرسمي في “تويتر” أو عبر مؤتمراته الصحفية، وخاصة خلال الفترة بين 19 و24 من تشرين الأول الماضي، إذ لم يكد يمر يوم دون الحديث عن النفط السوري، وتأكيده الحفاظ على الآبار وتأمينها.

أحدث هذه التصريحات كان الجمعة، 1 من تشرين الثاني الحالي، عندما أكد في خطاب مع أنصاره في ولاية ميسيسيبي الأمريكية رغبته في عودة الجنود الأمريكيين الموجودين في سوريا إلى منازلهم، لكنه استدرك، “لقد قمنا بتأمين حقول النفط، فأنا أحب النفط”.

وترافق ذلك مع تهديدات وجهها وزير الدفاع الأمريكي، مايك إسبر، بحسب ما نقلت وكالة “رويترز”، في 29 من تشرين الأول الماضي، إلى كل من روسيا والنظام السوري بالتصدي لأي محاولة انتزاع السيطرة على حقول النفط من أي طرف كان.

وبين صراع الدول على النفط، تُطرح تساؤلات حول كميات النفط الموجودة في سوريا لتفتح شهية الأمريكيين للحفاظ عليها، وهل هناك أهداف أمريكية أخرى خفية وراء البقاء في المنطقة وحماية الآبار.

هل النفط السوري مغرٍ للدول؟

لا توجد في سوريا دراسات استكشافية مستقلة ودقيقة حول كميات النفط، وخاصة في المنطقة الشرقية، وكانت الإحصائيات حول الكميات النفطية تصدر من الدائرة الضيقة للنظام السوري (القصر الجمهوري)، بحسب ما أكده العديد من مهندسي النفط الذين تحدثت إليهم عنب بلدي، والذين أشاروا إلى غياب الشفافية في ظل حكم الرئيس السابق، حافظ الأسد، ومن بعده نجله، بشار الأسد، إذ غُيبت الدراسات والإحصائيات الدقيقة، واكتفت مراكز الأبحاث والدراسات و”الوكالة الدولية للطاقة”، بالأرقام الصادرة عن النظام فقط.

وبدأت سوريا التنقيب عن النفط وإنتاجه في ثمانينيات القرن الماضي، وبحسب تقرير صادر عن “الوكالة الدولية للطاقة” في كانون الثاني 2015، فإن إنتاج سوريا من النفط عام 1980، كان أقل من 200 ألف برميل يوميًا، في حين وصل في 1996 إلى ذروة الإنتاج وبلغ نحو 600 ألف برميل يوميًا.

أما في ظل حكم بشار الأسد، فبدأ إنتاج النفط بالانخفاض من 500 ألف برميل يوميًا في عام 2000 ليصل إلى 380 ألف برميل يوميًا في 2010، قبل تدهور الإنتاج مع بدايات الثورة السورية وخروج الآبار من قبضة النظام، وسيطرة تنظيم “الدولة” عليها، ليتوقف الإنتاج نهائيًا في 2014.

أما عن احتياطي النفط، فتملك سوريا 2.5 مليار برميل، بحسب “الوكالة الدولية“، وهو ما يعادل 0.14% فقط من احتياطي النفط العالمي، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “BBC” في 29 من تشرين الأول الماضي.

هذه الأرقام الصادرة عن الوكالة، والتي تعتمد على الإحصائيات التي تصدر عن مؤسسات النظام السوري، تعتبر ضئيلة ولا تفتح شهية الدول للاقتتال عليها، لكن رئيس قسم الاقتصاد وإدارة الأعمال في الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية، الدكتور سهيل الحمدان، اعتبر أن المعلومات عن إنتاج النفط في سوريا جميعها كاذبة لأن مصدرها النظام.

وقال الحمدان، في حديث إلى عنب بلدي، إن أرقام الإنتاج الحقيقية من براميل النفط التي كانت تدخل إلى “الشركة السورية للنفط” التابعة لحكومة النظام غير صحيحة، مضيفًا أنه بحسب معلوماته من مصادر داخل الشركة السورية، فإن الإنتاج كان يتراوح من منتصف الثمانينيات وحتى عام 2004 بين مليون و450 ألفًا، ومليون و600 ألف برميل يوميًا، في حين كان النظام يعلن فقط عن 380 ألف برميل ويتم إدخالها إلى موازنة الدولة، ويتم بيع الكمية المتبقية لصالح شخصيات مقربة من النظام.

أما في عام 2011 بلغ إنتاج النفط 150 ألف برميل يوميًا، بينما كانت حاجة سوريا 250 ألف برميل، بحسب رواية النظام، في الوقت الذي كان الإنتاج الفعلي للنفط في سوريا يصل إلى 850 ألف برميل يوميًا، يتم إدخال الكمية المعلنة إلى موازنة الدولة وتباع الكميات الأخرى، بحسب الحمدان.

وأشار الحمدان إلى أن الهدف من عدم التصريح عن الأرقام الحقيقية هو عدم الدخول في منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) كدولة مصدّرة للنفط، وحينها لا بد من تبيان الأرقام والإحصائيات الدقيقة عن الواقع النفطي في سوريا.

النفط السوري تتفاوت جودته من منطقة لأخرى، بحسب ما قاله مهندس النفط أحمد السوادي، لعنب بلدي، فالنفط في آبار دير الزور وريفها يعتبر من النفط الخام الممتاز بسبب عدم احتوائه على كميات كبيرة من الكبريت، على عكس النفط الثقيل التي تحتويه الآبار الموجودة في الحسكة.

أهداف أمريكية ثلاثة

وبعيدًا عن إغراء النفط السوري للدول لإبقاء جيوشها أم لا، وعن أرقام الإنتاج التي قد يتم اكتشافها في حال قيام شركات تابعة لدول كبرى بعمليات مسح حقيقية للمنطقة، توجد أهداف أمريكية أخرى لإبقاء قواتها حول آبار النفط يمكن تلخيصها بثلاثة أهداف.

الهدف الأول يكمن في تمويل واشنطن لقواتها الموجودة في المنطقة، إضافة إلى تمويل حلفائها من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهو ما يخفض تكاليفها من الأموال الصادرة من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، بحسب الدكتور سهيل الحمدان.

أما الهدف الثاني، فهو حرمان النظام السوري وروسيا من الوصول إلى هذه الآبار، وبالتالي إبقاء النظام تحت حصار اقتصادي، وخاصة فيما يتعلق بالمشتقات النفطية، وهو ما أغضب روسيا، التي اعتبرت في عدة تصريحات، الأسبوع الماضي، أن إعلان ترامب السيطرة على الآبار غير قانوني، كما اتهمت الولايات المتحدة بتهريب نفط تزيد قيمته على 30 مليون دولار شهريًا من سوريا.

وكانت أمريكا وجهت تحذيرات عديدة ضد من يسهم في تزويد النظام السوري بالمحروقات، إلى جانب فرضها، خلال الأعوام الماضية، عقوبات اقتصادية على شركات وأشخاص أسهموا بنقل المحروقات، الأمر الذي أدى إلى أزمة محروقات في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

وفي بيان صادر عن مكتب الشؤون العامة لوزارة الخزانة الأمريكية وصل إلى عنب بلدي، في 26 من آذار الماضي، جاء فيه أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة (OFAC) حدّث تحذيره إلى مجتمع شحن البترول البحري لإلقاء الضوء على المخاطر المرتبطة بنقل شحنات النفط إلى سوريا.

أما الهدف الثالث لأمريكا فقد يكون عقد صفقات مع النظام السوري وروسيا، بحسب الحمدان، عبر إدخال شركة أمريكية تستلم آبار المنطقة، وتعطي نسبة من صادرات النفط بشكل قانوني إلى عدة أطراف، وهو ما أشار إليه الرئيس ترامب في تصريحاته.

وكان الرئيس الأمريكي قال، في 15 من تشرين الأول الماضي، “ما أعتزم القيام به ربما يكون عقد صفقة مع شركة إكسون موبيل أو إحدى أكبر شركاتنا للذهاب إلى هناك، والقيام بذلك بشكل صحيح”، مؤكدًا في خطاب آخر، الجمعة الماضي، أن “أمريكا ستقوم بتوزيع النفط، وتساعد الكرد وأشخاصاً آخرين، كما ستساعد نفسها إذا كان ذلك مسموحًا”.

وفي ظل الصراع بين هذه الدول على آبار النفط يبقى المواطنون السوريون، وخاصة القاطنين في مناطق سيطرة النظام السوري، يتخوفون من فصل الشتاء المقبل وأن يكون على غرار سابقه، عندما أحدث نقص المشتقات النفطية أزمات خانقة على محطات الوقود وحُرم كثير من المواطنين من مادة المازوت للتدفئة.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية