بماذا خرجت اجتماعات “اللجنة الدستورية” السورية

  • 2019/11/03
  • 12:06 م

رئيس وفد المعارضة هادي البحرة، والمبعوث الأممي غير بيدرسون ورئيس وفد النظام أحمد الكزبري إلى اللجنة الدستورية (رويترز)

عنب بلدي – نينار خليفة

اختتمت اللجنة الدستورية السورية “الموسعة” أعمالها في مدينة جنيف السويسرية، مساء الجمعة 1 من تشرين الثاني، وعُقدت بحضور 150 عضوًا يمثلون بالتساوي النظام السوري والمعارضة والمجتمع المدني، وتحت إشراف الأمم المتحدة.

وشهدت النقاشات والاجتماعات أجواء متوترة ومتشنجة، في ظل حالة وصفت بـ “التشبيح” من قبل وفد النظام السوري، بهدف الاستفزاز وإثارة الفوضى والمقاطعة وإلقاء التهم، رغم مدونة السلوك التي عرضها المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، وأقرها أعضاء اللجنة بالتوافق.

اختلاف في الأجندات المطروحة

عضو اللجنة الدستورية، الدكتور يحيى العريضي، اعتبر أنه من الطبيعي أن يشوب أجواء اجتماعات اللجنة نوع من التشنج، نظرًا لاختلاف الأهداف بين الأطراف المتحاورة، والأجندات المطروحة.

وفي حديثه إلى عنب بلدي، عزا العريضي حالة الفوضى والتوتر إلى وجود مجموعة تريد المحافظة على منظومة “الاستبداد”، وأخرى تريد “سوريا أفضل” وتحاول بكل جهدها تحقيق ذلك.

وأضاف، ” كان الفرق بين من يريد دستورًا يضمن حرية وكرامة السوريين، ويصون بلدهم وسيادته واستقلاله فوق أي اعتبار، ومن كان هاجسه المحافظة على منظومته فوق أي اعتبار”.

واعتبر أن مجموعة النظام تحاول جاهدة تعطيل مسار عمل اللجنة الدستورية، عبر التشويش والاستفزاز، مشيرًا إلى أن هذا الحال من الممكن أن يستمر في الجلسات المقبلة، التي ستواصل عملها بفضل التيسير الأممي الذي من الممكن أن يجدي، مضيفًا أن وفد المعارضة لن يوفر للنظام “الأداة التي يحقق فيها هدفه بالتملص من العملية”.

إثارة البلبلة في الجلسات

من جانبه، اعتبر عضو اللجنة الدستورية، الدكتور إبراهيم الجباوي، أن سلوك وفد النظام الاستفزازي، يعكس حقيقة أنه لم يقبل بالمجيء إلى جنيف، والانخراط في مسار اللجنة الدستورية إلا نتيجة تعرضه لضغوط روسية.

وأضاف الجباوي، في حديث إلى عنب بلدي، أن مجموعة النظام قدمت للتعطيل، وليس لمناقشة أي مضامين دستورية، ولا لصنع دستور لسوريا المستقبل.

وأوضح أنه خلال جلسات اللجنة الدستورية الموسعة التي استمرت على مدار يومين، حصل تراشق كلامي بين الأطراف المشاركة، كان سببه تمجيد مجموعة النظام لجيشها والحديث عن بطولاته، وهو ما لم تقبله مجموعة المعارضة، التي ردت بأن هذا الجيش “عمد إلى تهجير الشعب السوري، وهو يأتمر بأوامر روسيا وإيران وحزب الله، ولذلك لا مجال لوصفه بالجيش الوطني، إذ إن الجيش الوطني يحمي الحدود ويحفظ الشعب، أما هو فقد أباح كل أرض الوطن لكل الغرباء”، وفق تعبيره.

كما عمد أعضاء من مجموعة النظام إلى اتهام الفصائل الثورية بأنها هي من دمرت المدارس والمشافي في المدن السورية، وألصقوا تهمة الخيانة بـ “الجيش الحر”، وقد رفضوا حتى سماع اسمه، وفق الجباوي، الذي أضاف، “هم يعلمون تمامًا أن البراميل المتفجرة وصواريخ سكود والصواريخ الفراغية هي التي أخرجت المدارس والمشافي عن الخدمة، وأنه لولا الطيران الروسي الاستراتيجي لما حققوا أي انتصار على الأرض، ولكننا أثبتنا لهم أن (الجيش الحر) هو من حمى الأرض والعرض، وأنه لولا التدخل الروسي في سوريا عام 2015، لما صمد النظام ولما كان قائمًا من أصله، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في تصريحات له”.

وتابع، “جاؤوا لإضاعة الوقت وإثارة البلبلة وإلصاق التهم بالآخرين، وهم منفصلون عن الواقع”.

تراشق الاتهامات

عضو اللجنة الدستورية مرح البقاعي، أشارت من جهتها إلى أن وفد النظام كان “مرتبكًا” إجمالًا، وليست لديه حجة، وفي حالة من العصبية، وكان يحاول بأي طريقة أن يقوض الاجتماع.

ولفتت، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن مجموعة النظام ركزت في كلماتها على نقاط رئيسة أربع، هي “إنجازات جيش النظام وتضحياته، والمطالبة بإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا، وأن تُعقد الجلسات المقبلة للجنة الدستورية في دمشق، إلى جانب اتهام المعارضة بالإرهاب”.

وأضافت أن هذا الأمر استفز مجموعة المعارضة، التي ردت عليهم لتحصل مشادات كلامية وتبادل للاتهامات.

وأشارت إلى أنها تدخلت من جانبها، وطلبت نقطة نظام من رئيس الجلسة (أحمد الكزبري)، وردت على اتهام “الجيش الحر” بـ “الإرهاب”، بأن أعضاءه انشقوا عن جيش النظام لأنهم رفضوا الامتثال للأوامر بقتل الشعب السوري.

كما ردت على اتهام المعارضة بـ “الإرهاب” بأن ذلك يعني أنهم يتهمون مؤسسة دولية أممية مثل الأمم المتحدة بأنها تستضيف “إرهابيين” تحت سقفها، طالبة اعتذارًا فوريًا من المبعوث الأممي، غير بيدرسون، الذي كان على المنصة، لأنه تجشّم عناء كل هذه العملية، ومع ذلك تشار إليه هذه الاتهامات وإلى مؤسسته العريقة، بحسب تعبيرها.

ويأتي ذلك في حين ركزت كلمات مجموعة “المعارضة” على المضامين الدستورية، وفق البقاعي، وأبدت انسجامًا كبيرًا وحرية وديمقراطية في كتابة الكلمات، مشيرة إلى أن ذلك يدل على أنها “جاهزة للعملية السياسية وفق القرار الأممي 2254 الذي تشكل اللجنة الدستورية بوابته وقاعدته القانونية”.

خبراء: إغراق بالتفاصيل

مدير “مركز العدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، اعتبر أنه كان من الواضح منذ انطلاقة اللجنة الدستورية أن مقاربة النظام اعتمدت على تخفيض سقف التوقعات للحد من مهامها.

وأوضح العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، أنه بعد إعلان الموافقة على تشكيل اللجنة الدستورية، في شهر أيلول الماضي، عمد النظام إلى تسمية مجموعته في الصحافة الرسمية السورية وأيضًا المقربة من النظام، بوفد “الجمهورية العربية السورية لمناقشة التعديل الدستوري”، فحصر بذلك عمل اللجنة بتعديل الدستور في محاولة لتخفيض دورها والحد من إمكانياتها وصلاحياتها، إلى جانب محاولة إخراجها من سياقها باعتبارها تشكل نقطة بداية ضمن السلال الأربع، التي تحدث عنها القرار الأممي 2254 وتعليقها لاحقًا بهيئة الحكم الانتقالية.

ولفت العبد الله إلى أن الوفد المرسل من دمشق ليس حياديًا أو وفد خبراء، بل هو منتقى بطريقة سياسية من قبل النظام، ولديه ضوء أخضر بجعل الاجتماعات غير منتجة، إلى جانب إغراقها بالتفاصيل، مضيفًا أن هذه الاستراتيجية كان قد تحدث عنها سابقًا وزير الخارجية، وليد المعلم، عن بعثة مراقبي الجامعة العربية إلى سوريا عام 2012، حين قال، “سنغرقهم في تفاصيل التفاصيل”.

وبالإضافة إلى ذلك، عمد وفد النظام إلى عرقلة الاجتماعات وتأخيرها ورفضها وعدم التعامل بإيجابية مع الآخرين، واعتبر العبد الله أن هذه التصرفات متوقعة منه وقد تستمر في الجلسات المقبلة.

وأشار العبد الله إلى أن السيناريوهات المرافقة لمناقشة الحل السياسي في جنيف تتكرر، إذ دائمًا ما كانت هناك عرقلة ومشاكل، وفي أكثر من مرة كانت تترافق مع عمل عسكري للنظام ضد المدنيين داخل سوريا، لإحراج وفد المعارضة أو المجتمع المدني بأنه “حتى خلال مفاوضات اللجنة الدستورية نحن نقوم بقتل الناس”.

الصحفي السوري محمد العويد، اعتبر من جانبه أن أبرز العراقيل هي وجود إشكالية تتمثل بطرف يمد يده للسلام، ويريد بناء دستور جديد، وبلد لكل السوريين وحرية انتخاب وحرية تمثيل، وآخر اعتاد عبر أربعة أو خمسة عقود على نظام الحزب الواحد والقائد الواحد والنظام الواحد، وهو ما اعتُمد لإقناع الجمهور بحتمية هذا النظام وأنه هو الأفضل.

وأضاف، في حديث إلى عنب بلدي، أن من يمثل وفد النظام باجتماعات اللجنة الدستورية يتماهى مع هذه العقلية، وبالتالي سيكون ذلك من أكبر العوائق التي تقف أمام أي تحديث أو تعديل أو دستور جديد، لأنه يعني بالمحصلة بالنسبة له إنهاء هذه العقلية وهذا النظام.

وحول تقييمه لمسار عمل اللجنة الدستورية، أشار العويد إلى “أننا مضطرون في ظل الظروف الحالية لقبول أي طرح يقدمه المجتمع الدولي، فليست لدينا رفاهية الخيار، إنما نحن أمام القبول أو الرفض”.

وأضاف، “بقراءتي الشخصية أرى أن رفض القبول بهذا المنعطف واللحظة والتوقيت ورفض هذا المعطى من المجتمع الدولي، يؤدي إلى إنهاء الحالة السياسية السورية بالمطلق، وهو ما يعني أنه لن تكون هناك هيئة مفاوضات ولا ائتلاف ولا أي تمثيل سياسي، أما القبول فيعني شرعية هذه المؤسسات وديمومتها، والآن رأينا لأول مرة أنها شريك يتوازى في الكتلة والواجبات والحقوق مع كتلة النظام، وبالتالي ربما يمكن قراءة ذلك على أنه مكسب”.

وتابع، “لكن كأولوية كنا نتمنى ألا نكون قد وصلنا إلى هذا المنعطف أو إلى هذه اللحظة، التي نفاضل فيها بين اللجان الدستورية وغيرها من الملفات، وبالتأكيد فإن مطالب السوريين كانت واضحة منذ البداية وهي إنهاء هذه الطغمة الحاكمة التي أخذت البلد إلى حرب لا تنتهي”.

وطُرحت اللجنة الدستورية لأول مرة في مؤتمر “الحوار السوري” الذي رعته روسيا بمدينة سوتشي، في تشرين الثاني من عام 2018، وجاء في البيان الختامي أنه “تم الاتفاق على تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد حكومة الجمهورية العربية السورية ووفد معارض واسع التمثيل، بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254”.

مقالات متعلقة

دولي

المزيد من دولي