اللجنة الدستورية السورية.. بحث في الواقع أم بحث عن أمنيات؟

  • 2019/11/03
  • 12:00 ص

أسامة آغي

الجلسة الافتتاحية لعمل اللجنة الدستورية السورية، التي انعقدت في جنيف بتاريخ 30 من تشرين الأول الماضي، كشفت عن مستويات رؤية مختلفة للصراع السوري، سواء فهم الأمم المتحدة للصراع، أو رؤية النظام السوري له، أو رؤية رئيس وفد اللجنة الدستورية في المعارضة السورية لهذا الصراع. هذه الرؤى لا تعبّر عن حقيقة وضع الصراع في سوريا، الذي لا يزال رهينة صراع دموي، مع إصرار من النظام السوري على تجاهل جوهر هذا الصراع، المتمثل بضرورة تغيير عميق في بنية النظام السياسي السوري، هذا النظام المبني على الاستبداد والقهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

تجاهل جوهر الصراع توضح في كلمة رئيس وفد النظام أحمد الكزبري، الذي قال في كلمته: “إن أي نقاش نجريه هنا، أو أي عمل نسعى إلى إنجازه، إنما نستند فيه إلى المبادئ الكبرى التي نؤمن بها، والتي ضحينا من أجلها”.

هذا الكلام من رئيس وفد النظام السوري، يتسم بعمومية غامضة، ذات دلالات مختلفة، فالكزبري تجاهل عن قصد مشروعية المظاهرات السلمية السورية المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة، وأحال الأمر إلى مستوى مفترض، لم يكن موجودًا في تلك المرحلة، ألا وهو “محاربة الإرهاب”، والحفاظ على السيادة الوطنية واستقلال البلاد.

لم يقل السيد الكزبري من أدخل ميليشيات حزب الله اللبناني، أو الميليشيات الإيرانية، أو العراقية الطائفية، أو حتى الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا. فإذا كان الكزبري يعتقد أن من حق النظام السوري الاستعانة بقوى خارجية ضد شعبه، فلا يحق له الحديث عن انتهاك السيادة الوطنية، ونظامه السوري أول من عمل على انتهاكها.

كلمة الكزبري تكشف عن ذهنية لا تزال أسيرة وهمها السياسي والسلطوي، فهو نسي أن الروس هم من استطاع تعديل موازين القوى العسكرية على الأرض، التي كانت تميل لمصلحة الثورة السورية حتى الربع الأخير من عام 2015. هذه الذهنية لا يمكن لها أن تتفهم معنى تنفيذ القرار الدولي 2254، الذي يحاول النظام السوري حصره بقبول تعديلات شكلية، لن تمس جوهر نظامه الاستبدادي.

هذا الصلف السياسي للنظام السوري، قابلته دعة مسالمة غير مبررة لدى رئيس وفد المعارضة هادي البحرة. فالبحرة باعتباره يمثل مؤسسات المعارضة الرسمية، والمفترض أنها تمثل الشعب السوري، الذي تعرض للدمار والقتل والتشريد، لم يقل ما يشير إلى حقيقة الصراع في البلاد، هذا الصراع الذي تمثل الحرية والكرامة محوره الرئيسي.

البحرة بحث عن لغة مشتركة بينه وبين النظام السوري، ظنًا منه أنه يستطيع جسر الهوة بين الطرفين، والوصول إلى مشتركات حقيقية، حيث قال: “جئنا هنا من جانبنا عازمين على البحث عن أوجه التشابه بدلًا من الاختلافات”. والسؤال هل يستطيع السيد البحرة أن يظن أن الصراع السوري كان مجرد اختلافات بين النظام والمعارضة؟ ولذلك هو يبحث عن مشتركات أو توافقات عبر عنها بمفردة “التشابه”.

هذه الرؤية الذهنية للصراع السياسي في سوريا لا تسهم في حله، لأنها ببساطة تغفل جوهره وأدواته، وبالتالي تغفل البحث الجدي عن حلول ملموسة تمس جوهره. لذا يبدو أن القول “فخرنا العميق بتراثنا المشترك” يبدو وكأن الغاية منه سدل الستار على مجريات صراع دامٍ، راح ضحيته مئات آلاف السوريين، هذا الصراع كانت ولا تزال تقف خلفه إرادة الاستبداد والقهر، التي تشكل بنية النظام السوري.

لم يقل لنا رئيس اللجنة الدستورية في المعارضة السورية، كيف يتم “تغيير الواقع أو الوضع الراهن” فهو يعتقد “أننا يجب أن نغير الطريقة التي نفكر بها، وأن نتوقف عن العمل على أساس دوافعنا العاطفية”. فهل تغيير طريقة التفكير ستمنع النظام السوري عن رمي براميله المتفجرة على إدلب وغيرها؟ أم أن النظام لا يزال يعتقد أنه “الشرعية الوطنية الوحيدة”؟ وهذا غير صحيح البتة. فلو كان الأمر صحيحًا، وأنه الشرعية الوحيدة، فلماذا يقبل أن يجلس مع ممثلي “القوى الإرهابية” كما يطلق على المعارضة السورية الرسمية؟ لهذا لا تبدو المشكلة مشكلة طريقة تفكير كما يقول البحرة، بل مشكلة واقع عياني، يعيشه السوريون يوميًا، بسبب بنية النظام القهرية الاستبدادية.

إن مفاوضات جنيف ليست مفاوضات من أجل خلق صداقة أو تعارف أو بناء جسور محبة مع من قتل السوريين، بل هي مفاوضات تتم ويجب أن تتم بموجب قرار دولي هو القرار 2254، هذا القرار يشتمل على ضرورات الحل السياسي في البلاد، وأولى هذه الضرورات، هي عملية “تشكيل هيئة حكم انتقالية، تمثل كل السوريين”، وتكون صلاحياتها كاملة، ومن دون هذه الخطوة تكون الأمم المتحدة قد وضعت العربة أمام الحصان، فكيف تسمح الأمم المتحدة بالقفز على تسلسل فقرات القرار 2254، الذي أقره مجلس أمنها الدولي؟

إن موقف رئيس وفد المعارضة في اللجنة الدستورية، لا يعبر بصراحة عن مستوى صراع الشعب السوري مع نظامه الاستبدادي، ولم يستطع التعبير عن ضرورات حاسمة قبل أي مفاوضات، هذه الضرورات تتعلق بإجراءات الثقة، وأولها إطلاق سراح جميع المعتقلين من سجون النظام السوري، أو سجون فصائل قوى المعارضة.

إن الذهاب إلى حل سياسي للصراع في سوريا، يتعلق بدرجة التقاطعات والاختلافات بين القوى الفاعلة دوليًا، وباعتبار أن المعارضة لا تملك أوراقًا تؤثر بهذه القوى، فإنها تستطيع الامتناع عن تقديم تنازلات مجانية تخص ثوابت ثورة السوريين، وتقديم التنازلات السياسية في هذا الشأن، يبدأ مع تغيير طريقة النظر إلى جوهر الصراع السوري، والقول إنه مجرد اختلافات وليس صراعًا دمويًا مع نظام استبدادي.

هذه الرؤية التي ابتكرها رئيس وفد المعارضة إلى مفاوضات اللجنة الدستورية، تقود بلا شك إلى هدر حقوق السوريين، والتغاضي عن حقوق الشهداء والجرحى، وحقوق الذين شردتهم الحرب ودمرت أملاكهم.

فهل يستطيع خطاب الدعة، الذي قاله رئيس وفد اللجنة الدستورية لقوى المعارضة، أن يحقق آمال السوريين؟ أم أنه تنازل مجاني لمصلحة النظام السوري؟ ننتظر المفاوضات وجلساتها لنتلمس حقيقة ما سيحدث.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي