نبيل محمد
من الجيد أن الشتائم، وهي جزء من أدبيات الشوارع اللبنانية اليوم في التعاطي مع الشخصية الرسمية ومع النجوم، لا توفّر أحدًا ممن يحنَق عليه الشارع، سواء ذاك الحَنق التراكمي القديم كما يبدو ضد رئيس الجمهورية وصهره وزير الخارجية، أو ذلك الحنق الذي يأتي كرد فعل على تصريح أحد ما، وخاصة من الفنانين، الذين يتم استبدال اسم جبران باسيل بأسمائهم بشكل سريع، ليلقوا تلك الشتائم على لسان العشرات، وأحيانًا المئات والآلاف. لذا فما كان سهلًا من قبل فنان أحب التغني بالحراك اللبناني، بل وجهد لركوبه وكأنه جزء منه، لم يعد سهلًا اليوم، فالحساب سريع على لسان الشارع، ونموذج السوريّة فايا يونان، بات نموذجًا عامًا سيحسب الفنان جراءه ألف حساب قبل التغني بالشارع اللبناني، الذي لم يكن بانتظار أحد من أولئك النجوم للتغني به.. تغنيه بنفسه يكفي بقدرته السريعة على أن يكون نجمًا على مختلف الشاشات.
انعدام المعيار المنطقي، توضح جليًا فيما برز من تصريحات فنانين سوريين ولبنانيين، وهو معيار غُيِّب لدى كثيرين منهم في قضايا أخرى سابقة، أو في تحليلات سياسية جاد بها من جاد على الفضائيات، كان بعضها من التناقض بل والكوميديا بمكان، لا يمكن أصلًا بعده تفهّم أي تحليل من باب المنطق أو حتى الأخلاق، ولعل تعويل أغلبيتهم على نسيان الشعوب لما قالوه، هو ما دفعهم للظهور مرة أخرى، والتغني بشارع، طالما كانوا أعداءه، أو حلفاء أعدائه على الأقل.
فايا يونان وعارف الطويل وعابد فهد وسلاف فواخرجي وغيرهم من فنانين كان لهم مواقفهم المضادة للحراك الشعبي في سوريا، في سلميته قبل تسليحه، ولعل وجوه بعضهم ارتبطت في ذهنية المشاهد العربي بوجوه السلطة في سوريا، واعتُبِروا لشدّةَ ما أظهروا من تأييد جزءًا من المنظومة السياسية، وأبواقًا لا تهدأ في تبرير الجريمة. هؤلاء كان لهم موقف مخالف فيما يخص لبنان، معجبين بحراكه، متمنين للشعب اللبناني التغيير الذي يطمح إليه. يصل اللامنطق ببعضهم أن يكتب “إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر”، هذا البيت الشعري استخدمته الفنانة سوزان نجم الدين تعبيرًا عن موقفها من الشارع اللبناني دون أن يرف لها جفن. بعد أيام قليلة من تعبير عنصري وجهته لمواطنيها السوريين اللاجئين في لبنان، حين وصفتهم بالدونية والجهل، واعتبرتهم أكبر مشكلات لبنان. لبنان الذي ترى في حراك شعبه انتفاضة محقةً لم ترها أبدًا في السوريين ذاتهم الذين ما أوجدهم كلاجئين في لبنان إنما هو رد الفعل الحربية للنظام السوري، الذي طالما دبكت نجم الدين على وقع جنازير دبابته، بطريقة أثارت خجل بعض أقرانها الذين يحملون مواقف مشابهة لمواقفها، لكن ليس إلى هذا الحد من المبالغة في التعبير والتصريح.
لعل نقيصة ما كان سيشعر بها بعضهم في موقف الشارع اللبناني، إن لم يُشتَم هؤلاء النجوم في الشوارع اللبنانية، إلى جانب نجوم لبنانيين كراغب علامة الذي تغنى بالسيسي قبل أيام دون أي مناسبة. لكن الشارع لم يترك شيئًا عليه إلا وأدّاه، ولم يركّب ديونًا أخلاقية على أكتافه، فهو اليوم في موقع يفي به كل ديونه تجاه الجميع، بجُمله الشعبية، وأغانية المبتكرة، ولوحاته وجدارياته.. تلك الجداريات التي قُمعت في مصر وأُحرقت في سوريا، والتي لم يكن الشارع اللبناني إلا امتدادًا لها إنما بهويته الخاصة، في محاولة جديدة للتغيير دون خوف.
ويقول قائل أبالشتيمة يدافع شعب عن حقه، وبالكلام الخارج عن الآداب العامة يتحرك شعب في الشارع، وهل تؤتي الشتائم سوى مثيلاتها؟ ولعل لسان حال الشارع يرد.. نعم بالشتيمة، وهل من سواها ذو وقع ممتع ومؤثر وسلمي، حين لا يملك أعداؤك ضدك إلا الرصاص إذا فُتحت لهم الأبواب للرد.. لذا فـ هيلاهيلا هيلا هيلا هو …