لا تزال العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا تثير تساؤلات عن مشروعية العملية، وفق إطار اتفاقية أضنة التي سارع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى التذكير بها بالتزامن مع التحركات الأولى للجيش التركي في المناطق التي حددها باسم “المنطقة الآمنة”.
وأعلن الرئيس التركي، في حديث نقلته صحيفة “يني شفق” التركية، في 10 من تشرين الأول الحالي، أن الجيش التركي في سوريا ليس بدعوة من النظام، بل استنادًا إلى اتفاقية أضنة.
ولفت أردوغان، بالتزامن مع بدء الجيش التركي عملياته في شرق الفرات، ضمن معركة “نبع السلام”، إلى أن الاتفاقية تصون حق القوات التركية في دخول الأراضي السورية بغرض محاربة حزب “العمال الكردستاني”، في حال لم يتخذ النظام السوري أي إجراء ضده.
الصحفي التركي فهيم تاس تيكين تساءل، في مقال في موقع “المونيتور” ترجمته عنب بلدي، بعنوان “هل تعيد اتفاقية أضنة أردوغان إلى دمشق”، عن إمكانية استعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق في إطار الاتفاقية، خاصة بعد طرح روسيا الاتفاقية لأول مرة من قبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عندما استضاف نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في كانون الثاني من العام الحالي في موسكو.
وقبل يوم من لقاء ثانٍ للرئيسين الروسي والتركي في سوتشي، صرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 21 من تشرين الأول الحالي، أن بلاده مستعدة للمساعدة في إطلاق حوار بين تركيا وسوريا، مشددًا على استناد الحوار إلى اتفاقية أضنة، الموقعة بين البلدين.
تعددت الرؤى واتفاقية “أضنة” واحدة
وأوضح الصحفي التركي، المتخصص في العلاقات الخارجية التركية، أن هدف موسكو يتمثل في إقصاء تركيا عن تنفيذ خططها مع الولايات المتحدة في إنشاء منطقة عازلة إلى الشرق من نهر الفرات. وعليه، تم تضمين اقتراح موسكو بتطبيق اتفاقية أضنة كـ”التزام” في مذكرة التفاهم التي صاغها بوتين وأردوغان، في 22 من تشرين الأول الحالي، خلال لقائمها في سوتشي.
معاودة موسكو طرح “اتفاقية أضنة” كانت محاولة لإضفاء الشرعية على الدوريات الروسية- التركية المشتركة في غرب وشرق منطقة عملية “نبع السلام”، على عمق عشرة كيلومترات (6.2 ميل)، وهو ما دفع الوجود العسكري التركي إلى مسافة خمسة كيلومترات (ثلاثة أميال)، في حين يعتبر النظام السوري الوجود العسكري التركي غزوًا واحتلالًا، حسبما ذكره المقال.
هل لتركيا حق التدخل خمسة كيلومترات؟
وأوضح المقال أن مضمون اتفاقية أضنة وإمكانية تطبيقه أمر مثير للجدل، إذ جرى توقيع اتفاقية أضنة بين أنقرة ودمشق، في 20 من تشرين الأول من العام 1998 في مدينة أضنة جنوبي تركيا، التي وضعت أسس التعاون الأمني بين البلدين.
وجاءت الاتفاقية بعد الإجماع على مغادرة زعيم “حزب العمال الكردستاني” (PKK)، عبد الله أوجلان، سوريا.
ويعد أوجلان أول قائد للحزب اليساري الذي يسعى إلى الاستقلال في تركيا. واعتقل في عام 1999 على يد المخابرات التركية، بدعم من المخابرات المركزية في نيروبي واقتيد إلى تركيا، وحكم عليه بالإعدام، لكن عقوبته خففت إلى السجن مدى الحياة دعمًا لطلب تركيا المقدم لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وبموجب الخطوط العريضة للاتفاقية، التزمت دمشق بالاعتراف بأن حزب “العمال الكردستاني” جماعة إرهابية، وبإغلاق معسكرات الحزب وحظر جميع أنشطته على الأراضي السورية، كما عملت على تسليم بعض مقاتلي الحزب، وكذلك منعتهم من استخدام الأراضي السورية للسفر إلى بلدان أخرى.
لكن المقال لفت إلى أن اتفاقية أضنة لم تنص وبشكل صريح ضمن أي بند على السماح لتركيا بالذهاب إلى عمق خمسة كيلومترات في سوريا. واستشهد الكاتب برسالة أرسلها وزير خارجية تركيا، إسماعيل سيم، إلى رئيس المفوضية الأوروبية، جاك سانتير، في 22 من تشرين الأول عام 1998 لتقديم معلومات حول الاتفاقية.
وتفيد الرسالة، حسبما ذكره المقال، أن “الجانب السوري يدرك إخفاقه في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية المنصوص عليها ضمن هذه الاتفاقية”، وأضاف بأن “لأنقرة الحق في اتخاذ جميع التدابير الأمنية اللازمة في حدود خمسة كيلومترات داخل الأراضي السورية”.
اتفاقية عام 2010 بديل لأضنة
وأثار المقال جانبًا آخر وهو أن الاتفاقية التي جرى توقيعها بين نائب وكيل وزارة الخارجية التركية، أوجور زيال، ورئيس شؤون الأمن السياسي في سوريا، اللواء عدنان بدر الحسن، لم تتم المصادقة عليها من قبل الحكومات المعنية أو البرلمانات للحصول على اعتراف رسمي بصفتها اتفاقية، الأمر الذي رجح بأن الاتفاقية بمثابة “محضر اجتماع”.
لكن اتفاقية التعاون المشترك ضد الإرهاب والمنظمات الإرهابية التي جرى توقيعها بين وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، ونظيره السوري، وليد المعلم، في 21 من كانون الأول 2010، والتي حظيت بموافقة برلمانية، أضحت بديلًا عن اتفاقية “أضنة”.
كانت مدة سريان اتفاقية عام 2010 ثلاث سنوات، يتم تجديدها تلقائيًا ما لم ينسحب أي من طرفي الاتفاقية، لكنها بقيت سارية المفعول حتى 26 من نيسان عام 2011 أي مع اندلاع الثورة السورية.
لكن تحول أنقرة إلى طرف مساعد في تمرير الأسلحة إلى مقاتلين في فصائل المعارضة السورية المسلحة، اعتبره النظام السوري انتهاكًا صارخًا لاتفاقية أضنة من قبل أنقرة.
وتعد مساعي موسكو إلى إعادة إحياء اتفاقية عام 2010، المعنية بتنسيق تدابير الحدود بين البلدين، محاولة غير مباشرة لجعل أنقرة تتحدث إلى دمشق مجددًا، بحسب الكاتب.
“وحدات حماية الشعب” في عرف النظام
في الوقت الذي وحدت فيه اتفاقية أضنة وجهات نظر كل من دمشق وأنقرة حول “حزب العمال الكردستاني” بصفته تنظيمًا إرهابيًا، لم تكن “وحدات حماية الشعب” (الكردية) كذلك بالنسبة إلى دمشق، وهو موقف تشاركها فيه موسكو.
وأضاف المقال أنه ورغم توصيف حكومة النظام السوري الوحدات “بالانفصاليين”، لا تستبعد احتمال دمج “وحدات حماية الشعب” في جيشها في محادثات محتملة بوساطة روسية.
روسيا طرف ثالث لإبعاد إيران
بعد أن طرح بوتين الاتفاق في كانون الثاني الماضي، اشترطت دمشق تفعيل الصفقة على “جعل الوضع على الحدود بالطريقة التي كانت عليها من قبل بين الجانبين، والتزام أنقرة بالاتفاقية وتوقف الدعم والتمويل والتسليح للمعارضة.
ووفقًا للمادة 19 من بنود اتفاقية أضنة، فإن أي خلاف حول تفسير وتنفيذ الاتفاقية يكون “حله بطريقة ودية من خلال مفاوضات مباشرة بين الجانبين، دون اللجوء إلى طرف ثالث”.
لكن روسيا، حسب وجهة نظر الكاتب، تدرك جيدًا المشكلات التي تعترض الصفقة، وعليه تقول إن الصفقة بحاجة إلى تحديث، يقتضي وجود طرف ثالث مثل روسيا.
وقال عالم السياسة التركي والخبير في الشؤون الروسية، أيدين سيزر للمونيتور، إن “القضية الحقيقية هنا ليست الاتفاقية نفسها، لكن روسيا تشير إلى الاتفاقية من أجل تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق”. ووفقًا لسيزر، “تريد روسيا التوفيق الفوري بين أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، للحد من نفوذ إيران في سوريا”.
ومن خلال الرجوع إلى الاتفاقية الموقعة في سوتشي في 22 من تشرين الأول الحالي، قال الخبير إن روسيا لا تهدف فقط إلى ضمان عودة الجيش السوري إلى الحدود التركية، بل تهدف أيضًا إلى إشراك تركيا في خططها لإعادة إعمار سوريا، بالإضافة إلى مشاريع الطاقة في البحر الأبيض المتوسط.
إعمار سوريا إنقاذ لتركيا
وقال الخبير التركي سيزر، “نحن الأتراك شريك أكثر ملاءمة لروسيا، فيما يتعلق بإعادة إعمار سوريا، إذ إن يد روسيا قوية للغاية من الناحية السياسية، لكن لا يمكنها فعل الكثير دون استخدام المقاولين والمنتجات التركية”.
وأضاف، “سنحاول إقناع أردوغان بالتركيز على مثل هذه الفرص في الفترة المقبلة وإظهارها باعتبارها وسيلة للخروج من الاقتصاد التركي الذي ضربته الأزمة. لهذا السبب يمهد الطريق للمصالحة مع الأسد، الذي عاد الآن كجار لنا إلى الشرق من الفرات نتيجة لصفقة سوتشي”.
وأشار الخبير إلى أن “المنافسة على موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط التي تضم قبرص، ومحطة الطاقة النووية التي يبنيها الروس في أكويو على ساحل البحر المتوسط التركي تهدف إلى توسيع نفوذ موسكو في سوريا، وتطوير التعاون الإقليمي مع تركيا، والتنقيب عن الغاز والنفط المحتملين مع تركيا”.
الوجود الغربي في قبرص يغضب موسكو، إذ تحاول منع المنافسة لها في شرق البحر المتوسط، في الوقت الذي تبدو فيه تركيا بأنابيبها النفطية (Blue Stream وTurkStream) شريكًا موثوقًا للغاية في هذا الصدد، حسبما ذكره المقال.
وتعتقد أحزاب المعارضة التركية أيضًا أن اتفاقية أضنة يمكن أن تكون أداة ملائمة لتمهيد الطريق للمصالحة مع دمشق، وتخلص تركيا من المستنقع السوري، لذلك فهي تشجع الحكومة على اتباع هذا المسار.
وختم المقال بأن طاولة المفاوضات قد تجمع الأطراف المتصارعة انطلاقًا من اتفاقية “أضنة” وانتهاء بصفقة جديدة “تتناول الوضع الحالي في سوريا”.
–