توسّمت الشعوب العربية ببصيص أملٍ مع أول حكمٍ ديمقراطيٍ أثمره الربيع العربي صيف 2012 في مصر. لم يلبِّ هذا الحكم طموحات المصريين بدايةً ولم ينخرط في اللعبة السياسية المعتمدة على مصالح الدول، وبدأت دعواتٌ وإشاعات تروّج “أسلمة” الدولة وعزل الخصوم السياسيين من الدائرة الضيقة. وتحركت أحجار الشطرنج على الرقعة؛ مشاركو اللعبة السياسية تخلّو عن أدوارهم -وأولهم التيار السلفي الإسلامي- ثم حشدوا إعلاميًا ودوليًا لثورة مضادة، وسط ضمورٍ في وعي الحزب الحاكم المغيّب عن التعامل مع هذه القضايا.
سجن مرسي ورفاق دربه وانقلب وزير دفاعه عليه بدعمٍ عربي ودولي، واليوم يحاكم -على شرعيّته وعلاقاته الدبلوماسية- بالإعدام.
يبدو أن متلازمة البسطار لا انفكاك عنها مع العسكر والسلاطين العرب، ناسفين بذلك كلّ أطروحات الحكم المدني ومتذرعين بفوضى غيابهم؛ ولا ينفع هنا أن نناشد “العالم الحر” لإنقاذ ما تبقى من “حقوق الإنسان”.
لكن إذا تساءلنا كيف استطاع العسكر تمكين انقلابهم -خلافًا للمنطق- لوجدنا التجربة تتكرر في سوريا، حيث تغيب التيارات المعارضة التي تستقطب الشعوب وتلبي مطالبهم وأمنياتهم، وتحضر شعارات إسلامية فضفاضة وغير مدروسة تلعب على الوتر العاطفي للشعب ولا تحاكي عقله، لتفشل في التعبئة لمصلحة الحرية.
لا بدّ إذن من وجود حلول واستراتيجيات علمية لتجنّب السيناريو بعيدًا عن ردّات فعل همجية وفوضوية، وإلا فإن الأسد ذاته مؤهل لكسب رهان الشعب الذي حكمه بالبوط العسكري وجعله رمزًا لأتباعه.
“أن نموت في سبيل الله خيرٌ من الابتعاد عن فقه الأولويات” عبارةٌ ترددت كثيرًا في اليومين السابقين، لكن هل يريد الله منك أن تموت؟ أم أنه يريد منك إعمار هذه الأرض التي استخلفك فيها.
في النهاية، لا يستوي أن تناصر قضية شعبٍ وقف في وجه الظلم وتصفّ في الوقت ذاته مع ديكتاتورٍ يقهر شعبه؛ إلى الديان يوم الدين نمضي… وعند الله تجتمع الخصوم.
هيئة التحرير