اقتصاد الهبِّيشة
دخلت مكتب وزير النقل السوري عام 2009 أنا والصحفي علي حمرا، وكان مدير المكتب يتجاذب الحديث مع اثنين من ضيوفه حول ازدياد معدل انتشار الجريمة في مناطق السكن العشوائي في ريف دمشق والمخاطر المحدقة، الناجمة عن فشل الدولة بقضايا الفساد، التي تعتبر أحد أبرز المؤشرات الدالة على الفشل.
استلمت الحديث اقتحامًا فقلت إن محافظ ريف دمشق (ع. ز) هو أحد أهم المؤسسين للفساد والفشل خلال فترة إدارته للمحافظة، ولم أكد أكمل جملتي حتى هب أحد المتحدثين في وجهي قائلا: «لا أسمح لك … إدارة المحافظ (ع. ز) كانت أفضل إدارة تمر في ريف دمشق منذ أبد الآبدين».
تدخل مدير مكتب وزير النقل بعد أن لاحظ انفجار القصة، مبينًا أن المتحدث المنفعل هو ابن المحافظ المذكور، فأخذتني السعادة الغامرة أنني قلت ما قلت بدون تكلف ومن كل قلبي وبدون أي حسابات مسبقة تجاه الرجل، ابن الحرامي.
كان محافظ ريف دمشق ذاك نموذجًا لتعميم الفساد علنًا، وكان يطالب بالرشوة أمام اجتماعات مجلس المحافظة، مرسخًا أسس نظام «الهبيشة» المبني على تعزيز قيم الفساد، وتوسيع شبكة تسويق للفساد الإداري، أفرزت أشكالاً جديدة من الفساد والمفسدين أكثر حنكة ودهاءً.
توصف الدولة الفاشلة بأنها الدولة التي تعجز عن القيام بدورها كمجسدة لإرادة شعبها وراعية لمصالحهم، وتصبح الدولة فاشلة بامتياز عندما لا تستطيع التحكم في حدودها والسيطرة على أراضيها، ولا تستطيع الوفاء بالاحتياجات الأساسية لشعبها، والاقتصاد الأسود الحرام هو أحد أهم مظاهر الدولة الفاشلة ومسبب رئيسي لوجودها.
أما البلدان المحترمة التي تنشد العدالة، فتضع كل التدابير لتطوير العمل الحكومي المركزي وأنظمة الحكم والإدارة المحلية، بما يعزز قيم النزاهة ويحمي قيم الاستقامة والشرف في أداء العمل الحكومي، وتكمن أهمية الدولة في مدى خدمتها لمواطنيها ورعايتها لمصالحهم وصيانتها لكرامتهم وتحقيقها لسعادتهم.
معظم الدول تخطط لتحسين أداء إداراتها وزيادة كفاءاتها، إلا في بلاد «الهبيشة» فهذا الصنف من البلاد يقودها الحرامية علنًا، وينتشر فيها الفساد والرشوة فوق الطاولة، وتتشابك فيها مصالح الفساد الصغير مع الفساد الكبير
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :