“هيلا هيلا هو” تصدح في مواجهة الطغيان العربي

  • 2019/10/27
  • 3:00 م

محتجين في بيروت يواجهون قوات حفظ النظام اللبنانية (رويترز)

عروة قنواتي

قبل أيام قليلة، وخلال متابعة مباريات دوري أبطال أوروبا برفقة بعض الأصدقاء في مدينة غازي عنتاب التركية، بتفاعلنا مع هتاف الثوار في لبنان، الذي يطال شخص وزير الخارجية وعائلته: “هيلا هيلا هيلا هيلا هووو .. جبران باسيل…”، اقترح صديق أن نتعمق ونبحث أكثر ونكتب عن هتافات الشارع العربي الثائر، المصبوغة لونًا ولحنًا وأداءً بروح ملاعب كرة القدم وصالات كرة السلة، كما يجري في لبنان الشقيق، وكما انطلقت ثورة الشعب السوري في 2011.

عادت بي الذاكرة إلى هتاف “الانتصار الانتصار الانتصار.. الانتصار يا أهلي أو يا وحدة”، وهي أسماء أندية الدوري السوري لكرة القدم في دمشق وحلب، الهتاف الذي تحول إلى “الانتصار الانتصار.. يا ثوار”، ثم إلى “يلعن روحك يلعن روحك يا…”، وهتاف “ارفع الراية ونزل الراية”، أو “رحنا عالغوطة وجينا من الغوطة كل شي شبيحة…”، بنفس التون الموسيقي وبنفس الأداء، الذي كان الجمهور يؤديها في الملاعب مع القفز والتصفيق.

“هيلا هيلا هو” هتاف شهير يعود إلى جماهير الأندية المصرية قبل 30 عامًا، وعلى رأسها النادي الأهلي، وفيه بعض الكلمات التي يوجه فيها جمهور الأهلي التحدي باتجاه نادي الزمالك وبعض الأندية القوية. ساق اللبنانيون هذا الكلمات المحفزة وانطلقوا بها لتعرية المسؤولين في لبنان، حتى صارت تؤرق الشارع السياسي والأمني هناك.

اليوم أصبحت الملاعب، التي أراد لها طغاة العالم العربي أن تكون متنفسًا للشعوب، كما الكوميديا السوداء والمسرح، بدلًا عن الشارع وعن دور الثقافة ومجلس الشعب، شرارة مهمة في مواجهتهم على ضفاف الربيع العربي، بعدما كان المشجع في الملعب يشتم الحكم والفريق ومتعهد المباراة وجهاز الأمن الخاص بالملعب، وعندما يشعر بالملاحقة يهتف بحياة القائد كما كان يحدث في سوريا وفي الأردن وفي العراق.

استثمار الأنظمة العربية لطاقات الشعوب في ملاعب كرة القدم والصالات الرياضية تجلى في أكثر من مناسبة، كما في لقاء مصر والجزائر بتصفيات كأس العالم 2010، ولقاء سوريا والعراق في تصفيات كأس العالم 1986، وفي دورة المتوسط التي استضافتها اللاذقية عام 1987، وغطى بها حافظ الأسد على كل جرائم الثمانينيات، وظهر بهيئة المنتصر في الافتتاح، بينما تصنع جماهير المنظمات الشعبية في الجهة المقابلة للمنصة الرئيسية بالأيدي والطواقي واللوحات “التيفو” الخاص بصورة القائد وشعار الجمهورية. يومها كان الملعب لخدمة الأسد وعائلته.

في مصر كانت لجماهير الألتراس كلمتها الحقيقية، ووجودها الأهم في ساحات الثورة المصرية بالأناشيد وبالتنظيم والشماريخ والشعلة النارية المميزة، فدفعت أثمانًا باهظة في مجزرة مباراة الأهلي والمصري البور سعيدي في مدينة بور سعيد، وفي استاد الكلية الحربية خلال مباراة الزمالك في دوري أبطال إفريقيا، وما زالت معركة الكر والفر بين الألتراس والنظام المصري مستمرة، وآخرها في بطولة أمم إفريقيا التي استضافتها مصر، فكانت المدرجات تذكر بالنجم المصري محمد أبو تريكة عند الدقيقة 22، وتذكر بضحايا الحكم العسكري من جماهير الزمالك والأهلي.

وأقتبس من مادة سابقة لزملائي في عنب بلدي، ما يخص المغرب العربي، وأغنية “في بلادي ظلموني” لجماهير الرجاء البيضاوي، التي تحدثت عن تعامل الحكومة المغربية معها، ومنعها من رفع “تيفو” (لافتات تحوي رسومات ذات دلالات رياضية أو سياسية) بسبب انتقادها فيما سبق لممارسات الحكومة.

قبيل أن تطلق الجماهير أغنيتها، أطلقت شعارات “لا تريدوننا أن ندرس حتى تتحكموا بنا”، ومن ثم انطلقت الأغنية التي تقول كلماتها في أول مقاطعها “لمين أشكي حالي… شكواي للرب العالي”.

أيضًا جماهير نادي اتحاد طنجة في الدوري المغربي، نظموا أغنية بعنوان “هذي بلادي الحكرة” (بلاد بلا حقوق)، تمحور مضمونها حول رغبة الشباب في الهجرة وركوب قوارب الموت بحثًا عن غد أفضل، وتضمنت مجموعة من الرسائل حول انتشار الرشوة والفساد والمحسوبيات.

الأمثلة كثيرة ولا تتسع الأسطر هنا لشرحها، ولا حتى في العناوين العريضة السريعة، الكلمات واجهت الدم والقتل والطغيان والاستبداد من الملاعب إلى شوارع الحرية فانقلب السحر على الساحر، وها هو الشعب اللبناني الشقيق المعروف بمحبته للرياضة في صالات كرة السلة (أقصد هنا جماهير الرياضي والحكمة وجماهير كرة القدم عامة) يجدد شريان ثورة الشارع العربي، بـ “هيلا هيلا.. هيلا هيلا هوووو (لا يسع هنا إكمال العبارة)”، ويترك للثوار في العراق وسوريا والسودان والجزائر وفلسطين وفي كل العواصم أن يضعوا اسم الطاغية أو المسؤول المناسب في آخر العبارة.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي