عنب بلدي – خاص
رغم التشابكات والتعقيدات الكثيرة في الملف السوري، خلال سنوات الحرب، بسبب تدويل الصراع وتناقض مصالح الدول الإقليمية، إلا أن 270 ساعة من الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة وتركيا وروسيا من جهة أخرى، كانت كفيلة بخلط الأوراق بشكل غير مسبوق في سوريا عامة وفي منطقة شرق الفرات خاصة.
أطلقت تركيا عملية “نبع السلام” مع “الجيش الوطني السوري” ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، في 9 من تشرين الأول الحالي، بهدف طردها وإنشاء “منطقة آمنة” على طول الحدول السورية- التركية بعمق 32 كيلومترًا.
وبعد أيام من العمليات العسكرية أبرمت أنقرة اتفاقًا مع واشنطن، في 17 من تشرين الأول الحالي، على انسحاب القوات الكردية من المنطقة خلال 120 ساعة.
إلا أن مماطلة واشنطن بتنفيذ الاتفاق، على غرار الاتفاقات السابقة مع تركيا، بحسب رواية أنقرة، اضطرت الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لتوجيه البوصلة نحو نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يصفه مرارًا بـ “الصديق”، ليرمي الورقة الكردية بيده.
وبعد اجتماع دام ست ساعات، في 22 من تشرين الأول الحالي، خرج الرئيسان باتفاق وصفه أردوغان بـ “التاريخي”، ينص على سحب “الوحدات” من المنطقة، وفق اتفاق ينفذ خلال 150 ساعة.
خرائط دون تنفيذ
وشهدت العلاقات التركية- الروسية تطورًا دراماتيكيًا في العلاقة على الساحة السورية، من حالة المواجهة والتوتر إلى حالة الاتفاق والتحالف.
إلا أن خلاف الطرفين على بعض القضايا في الملف السوري قد يجعل الاتفاق هشًا ولا يسير بالصيغة التي تريدها تركيا، إلى جانب رفض “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من أمريكا الاتفاق، وهوا ما بدا واضحًا في خرائط الاتفاق التي صدرتها كل من الدولتين للإعلام.
ونشرت وزارة الدفاع الروسية عبر موقعها الرسمي، في 23 من تشرين الأول الحالي، خريطة للاتفاق تظهر مدينة منبج وتل رفعت في ريف حلب تحت سيطرة قوات النظام السوري، في حين سيتم تسيير دوريات مشتركة في مدينة عين العرب (كوباني).
لكن في المقابل تظهر الخريطة التي اعتمدها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من أجل شرحه الاتفاق، خلال مقابلة مع تلفزيون “TRT”، في 24 من تشرين الأول الحالي، مدينة منبج وتل رفعت ضمن مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، ولا دخول لقوات النظام إليها، وهو ما أكده عندما قال إن الجيش التركي سيكون له دور مراقب في مدينة منبج.
أما مدينة عين العرب في ريف حلب، فأكد أردوغان أن “روسيا كانت تدعو تركيا لدخول عين العرب، وعلى عكس الروس، كانت الولايات المتحدة تعارض دخولنا إلى تلك المدينة، ونحن سنتخذ قرارنا وفق المستجدات”.
كما أبدت تركيا انزعاجها من تواصل روسيا مع قائد “قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، المطلوب على قائمة “النشرة الحمراء” (للشخصيات المصنفة إرهابية) في تركيا، إذ جمعه اتصال عبر الأقمار الصناعية بوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في 24 من تشرين الأول الحالي، في محاولة لتطمينه ودفعه إلى تنفيذ الاتفاق مع تركيا.
وقال الرئيس التركي، خلال اجتماع مجلس تشاوري لنادي “فنر بهتشه”، في 26 من تشرين الأول الحالي، إن “مما يحزننا جلوس رؤساء دول كبيرة مع قيادات الإرهابيين، والتحدث إليهم على نفس الطاولة”، مؤكدًا أن تركيا لن تجلس إطلاقًا على طاولة مع “الإرهابيين”، وترفض الوساطة بينها وبينهم.
كما وجه أردوغان تهديدًا إلى روسيا باستئناف العملية العسكرية “نبع السلام” في حال لم تنسحب القوات الكردية من المنطقة خلال المدة المتفق عليها مع روسيا.
وقال أردوغان، “إذا لم ينسحب الإرهابيون من شمالي سوريا في نهاية مهلة الـ 150 ساعة، فإننا سنتولى الأمر ونقوم بتطهير المنطقة”، مؤكدًا مطاردة “الوحدات” إلى أي مكان في حال استمرت بشن هجمات على تركيا من داخل أو خارج الخط على عمق المنطقة المتفق عليها 30 كيلومترًا.