إبراهيم العلوش
طرحت وزيرة الدفاع الألمانية مبادرة يوم الاثنين، 21 من تشرين الأول الحالي، تنص على وضع الحدود السورية التركية تحت الحماية الدولية بالاشتراك مع روسيا وتركيا، لتأمين المنطقة الحدودية وعودة اللاجئين الطوعية إليها، وتتجاهل المبادرة بقية الأراضي السورية التي لا تزال تحت نير القصف والتعذيب من قبل روسيا وإيران ونظام الأسد.
استبقت مبادرة وزيرة الدفاع الألمانية انعقاد القمة بين الرئيسين بوتين وأردوغان يوم الثلاثاء، 22 من تشرين الأول الحالي، المتعلقة باقتسام مناطق النفوذ في سوريا الشمالية، وعرضت مشاركة الحكومة الألمانية وربما الدول الأوروبية، بالمراقبة والإسهام بإعمار المنطقة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وكان تصريحها بمناسبة مرور مئة يوم على توليها وزارة الدفاع الألمانية وهذه سابقة تاريخية حتى بالنسبة للألمان.
والسؤال هو لماذا تُترك بقية سوريا تحت القصف والاعتقال والاغتيالات تحت رعاية روسية وإيرانية، وهل بقاء نظام الأسد سيجلب السلام للحدود التركية، أو سيجلب السلام لغيرها من الحدود المجاورة وغير المجاورة بما فيها حدود الاتحاد الأوروبي؟
ومن منظور آخر، هل سوريا اليوم دولة ذات سيادة أم هي عمليًا تحت وصايات دولية متعددة، إذا كان الروس والإيرانيون يتفاخرون كل يوم بتبعية النظام لهما، واللجنة الدستورية شُكلت تحت وصاية دولية من قبل إيران وتركيا وروسيا، ونصف الشعب السوري يعيش في المغتربات ويقع تحت الوصاية العربية والدولية في لبنان والأردن وتركيا وأوروبا، وفي مختلف المغتربات، ناهيك عن المناطق المحررة التي تخضع لوصاية المنظمات الدولية والدول الداعمة لها، وكذلك منطقة الجزيرة السورية التي تخضع للاحتلال الأمريكي وهيمنة قوات البي كي كي القادمة من جبال قنديل التركية والعراقية. وبناءً على ذلك أليس من الأجدى وضع سوريا تحت الحماية الدولية وبإشراف الأمم المتحدة بدلًا من هذا التشرذم الذي يزيد نيران الموت والدمار في سوريا وفي المنطقة.
إذا سلمنا جدلًا أن المنطقة الآمنة التي تشكلها تركيا قد تحقق وجودها رغم الرفض الدولي لها، فهل ستضمن لتركيا حدودًا آمنة، ومن سيحمي حدود هذه المنطقة في الجزيرة السورية البالغ طولها أكثر من تسعمئة كيلومتر، ومن يمنع إعادة تشكيل وعودة قوات داعش الإرهابية؟
ولعل عودة درعا نموذج للفشل الذي يصر عليه النظام بعبادة آل الأسد ورفض أي تغيير سياسي، ناهيك عن رفضه الإفراج عن المعتقلين، وترك منطقة درعا للرعاية الإيرانية والروسية التي تخوض مسلسلًا من الاغتيالات والقتل المجاني، وهذا سيجعل الحدود الأردنية عرضة لامتداد هذه الفوضى!
لن تضمن تركيا، أو غيرها من الدول، حدودها مع سوريا أبدًا إلا بحلول السلام والحل العادل لقضية الشعب السوري المتمثلة بإسقاط منظومة الأسد الأمنية وقوى الاحتلال التي استدرجها من روسيا وإيران والعراق وباكستان وأفغانستان، والشعب السوري لن يدافع عن مناطق آمنة لا تحميه من عودة جرائم النظام أو من عودة داعش في الجزيرة السورية وفي بادية تدمر وربما لاحقًا في درعا والسويداء.
والسوريون لن يبذلوا دماء أبنائهم لحماية الاحتلال الروسي والإيراني، ولا من أجل حماية الحدود التركية أو الأردنية او العراقية أو اللبنانية، فما دامت هذه القوى تتجاهل أمن الشعب السوري وتتجاهل إرادته في بناء دولة سورية جدية فلن يأبه أحد بما سيحل بهذه الحلول الترقيعية، وبهذه المخططات الجزئية التي لا تبتعد أكثر من أطراف أنوف مخططيها الاستراتيجيين غير الآبهين بشعب سوريا، والذين يعتبرونه مجرد حشوة لهذه الحدود الآمنة، ويقومون بتحويل المقاتلين السوريين إلى ميليشيات انكشارية للتخويف والترويع. فالأمريكيون يستعملون قسد بهذه الطريقة والأتراك يستعملون الجيش الوطني بهذه الطريقة أيضًا، وكذلك الإيرانيون يستعملون الميليشيات والدفاع الوطني كقوى انكشارية.
وأما الروس، وهم الأكثر براعة، فيستعملون الفيلق الخامس والمخابرات كمنظومة انكشارية تهيمن على كل موجودات الدولة السورية من نفط وغاز وموانئ، بالإضافة إلى قوى التسلط المخابراتية، التي يمدونها بأساليب جديدة للتعمية على وجود عشرات ألوف المعتقلين وتستمر باحتجازهم كرهائن مقابل إدراج اسم روسيا كدولة احتلال شرعي في الدستور المقبل.
ثم ماذا جنت إسرائيل من منطقتها الآمنة في جنوبي لبنان في ثمانينيات القرن السابق؟ لقد تحطمت أحلامها مع فشل ميليشيات سعد حداد وأنطوان لحد، وبدلًا من المنطقة الآمنة حصلت على ميليشيات حزب الله الذي استأجرته إيران لتخريب لبنان وسوريا وتهديد إسرائيل بصواريخ إيرانية تصل إلى عمقها، بدلًا من بنادق الكلاشنكوف الفلسطينية واللبنانية التي كانت قبلها.
سلام المنطقة وأمنها يبدأ من سلام المواطن السوري وأمانه وشعوره بأن هذه الدولة السورية الجديدة تخصه هو، ولا تخص عائلة الأسد ولا قوى ودول الاحتلال ومناطقهم الآمنة، عندها سيدافع السوريون عن كل شبر من أرضهم، وسيسهمون ببناء كل بيت، ويعيدون الأمان لسوريا بمعونة الدول التي ترغب بالسلام والأمن لحدودها ولنفوذها، بعد أن تكف هذه الدول عن نظرتها إلى السوريين كتحصيل حاصل أو كحشوة في هذا المكان أو ذاك.