هنا الحلبي – عنب بلدي
الدمار يحيط بهم من كل جانب، والموت يباغتهم عند كل مفترق، إلا أنهم تعايشوا مع هذا الواقع، وجعلوا للفرح منفذًا ليتسلل إليهم، فيعينهم على المضي في حياة شاءت لهم الأقدار أن يتشاركوا حلوها ومرّها.
لم تحل غارات الأسد على حلب، واستهدافها لأي تجمع تطاله بين أبناء المدينة وتراثهم، دون إحياء أفراحهم؛ فحفلات الزفاف في المدينة تجمع اليوم بين تقاليد المنطقة وبين احتياطات فرضتها الحالة المعيشية والأمنية فيها، فبحسب محمود أبو الشيخ، الإعلامي في مركز النور، تتم التحضيرات للحفل قبل يومين لا أكثر ويتم اختيار صالة مغلقة تجنبًا للقصف، وتجهز إضاءة المكان بالتنسيق مع «صاحب مولدة الحارة لبيع الأمبيرات».
وعن الحفل ذاته يوضح أبو الشيخ، الذي أقام حفل زفافه قبل شهر ونصف، وحضر مؤخرًا خمس حفلات زفاف، «يكون هناك مطرب يحيي الحفل بالأغاني الحلبية التراثية، ويتخللها أغانٍ ثورية»، أما الضيافة «فهي حلبية عريقة، مثل جوز الهند والكاتو».
وعن الاحتفالات في منزل العروس، يتابع محمود حديثه إلى عنب بلدي موضحًا «نحن لا نتخلى في احتفالاتنا عن الطقوس الحلبية في منزل العروس أيضًا»، حيث تقام حفلة للخطبة وأخرى لتلبيس المحابس، إضافة لحفلة «الملّيك» التي باتت «ع الضيق» تبعًا لحالة العريس المادية، منوّهًا إلى أن عادة تقديم «النقوط» تلاشت مع تدهور الأوضاع المادية.
وعن مدى تأقلم أبناء المدينة مع أجواء القصف، أكدّ أبو الشيخ أن القصف لم يعد عائقًا أمام الاحتفالات «استهدف النظام المكان بقذيفة RPG واخترقت طلقات قناص سيارة أحد الناشطين خلال حفل زفاف تمام حازم (مذيع في راديو حارة إف إم) لكن هذا لم يمنع أن نكمل الاحتفال».
وبات زفاف أي من نشطاء المدينة «حفلًا ثوريًا» يجمع الأصدقاء ويعيشون خلاله «التراث الحلبي ممزوجًا بروح الثورة، ومزينًا بعلمها»، فالناشط حسن فتوح، مسعف ميداني وممرض في مشفى زرزور، تحدث إلى عنب بلدي عن حفل زفافه «أقام لي أصدقائي ثلاث حفلات في ثلاث مناطق، إحداها قبل زفافي بيوم»، وأوضح أنه استغل وفريق عمله السابق اجتماعهم لزيارة أنقاض مقر عملهم سابقًا، مشفى الشفاء في حي الشعار، الذي استهدفه النظام قبل قرابة عامين.
وكان حسن وجّه دعوات حضور حفل زفافه «لكل من يحب أن يشاركني فرحي» عبر مجموعات ثورية على الفيسبوك؛ أما عن أجواء الحفل فأوضح أن علم الثورة كان يزين صالة العرس، و «الأغاني التي اعتدت أن أغنيها لرفاقي على الجبهات وفي المستشفى أنشدتها بصوتي يوم زفافي».
من آخر الأعراس التي شهدتها المدينة كان حفل زفاف الناشط بيبرس مشعل، قائد فوج الدفاع المدني، وبحسب عمار السلمو، صديق العريس والمدير العام لمنظومة الدفاع المدني، «بيبرس كان من أبرز الناشطين في حلب أيام السلمية» وخلال حفل زفافه «عمت الفرحة مقر الدفاع المدني» حيث أقيم الحفل «وغنى الشباب ودبكوا على أنغام أغانٍ ثورية، كان يومًا هادئًا لم تعكر صفوه البراميل».