شعب يقرر مصيره ويحمي أرزته

  • 2019/10/24
  • 1:07 م

منصور العمري

ربما في سابقة تاريخية بلبنان، عبر الشعب اللبناني بجميع أطيافه الطوائف والمذاهب وقفز فوق الانتماءات الدينية والسياسية إلى الانتماء الوطني، موحدًا تحت شعار تغيير الطبقة السياسية الحاكمة ومحاسبتها، وخرج في عموم لبنان إلى الشارع ليُسمع صوته من به صمم، مطالبًا بالتغيير.

أطلق شرارة هذا الحراك فرض الحكومة حزمة ضرائب جديدة على كاهل المواطن/ة اللبناني/ة المثقل أصلًا، من بينها ضريبة على استخدام “واتساب”، أحد برامج الاتصال عبر الإنترنت.

تعددت مطالب المتظاهرات والمتظاهرين وشملت المطالبة بمحاسبة الفاسدين، والتنديد بتقصير الحكومة في تقديم الخدمات الطبية والبنية التحتية والتعليم، وإبعاد الطائفية عن حكم البلد وتشكيل حكومة تكنوقراط ذات كفاءات وليس على أساس الانتماء الديني أو المذهبي. أبرز المطالب هي تنحية الطبقة السياسية الحاكمة أي استقالة الحكومة ومجلس الشعب ورئيس الجمهورية، ومحاسبة الجميع تحت شعار “كلن يعني كلن”. كما صرخ المتظاهرون/ات واصفين/ات الحراك بالثورة، ليقولوا للجميع إنهم يريدون تغييرًا كليًا، لا تنازلات حكومية وصفها لبنانيون بالمهزلة.

لم تكن حزمة الضرائب الجديدة هي السبب الوحيد خلف هذه المظاهرات المليونية، بل تحدث اللبنانيون واللبنانيات وصرخوا طويلًا من قبل ضد الوضع الكارثي في لبنان الذي وصل إلى حد تراكم النفايات مثلًا، في العاصمة اللبنانية بيروت التي كانت تلقب بباريس الشرق، وفي غيرها من مناطق لبنان. ومؤخرًا فشل الحكومة في التصدي للحرائق، التي تدمر إحدى الثروات الطبيعية وكادت أن تأتي على أرزة لبنان.

حراك لبنان في القانون الدولي

خصائص الحراك الشعبي وحجمه ونوعية مطالب المتظاهرين، ورفع علم لبنان فقط، تُدرج هذا الحراك في إطار حق تقرير المصير، أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي، والحقوق الأساسية المكفولة للشعوب.

لا يقتصر حق تقرير المصير على استقلال الشعوب من الاستعمار، واختيارها من يحكمها وشكل نظامها السياسي دون أي تدخل من دول أجنبية، بل يتجاوزه إلى السعي لتحقيق نمائه الاقتصادي، بحيث تندرج مطالبة المتظاهرين بمحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة وتفعيل مبدأ “من أين لك هذا”، ورفع السرية عن الحسابات المصرفية وممتلكات المسؤولين، تحت حق تقرير المصير، حسب المادة الأولى من “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، التي تنص على أن “لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”.

الحراك على الصعيد الأممي

حق الشعب اللبناني في تقرير مصيره، هو الحق ذاته الذي تنتهكه منذ عشرات السنين دول أخرى، كنظام الأسد، من خلال التدخل في نظام لبنان السياسي وفرضه تعيين المسؤولين في البلاد واغتيالاته السياسية، كما ينتهك هذا الحق عدة دول من بينها إيران والسعودية، من خلال التدخل المباشر في التعيينات السياسية ونظام الحكم. يسهم في هذا الانتهاك السياسيون اللبنانيون المرتهنون لدول أخرى على حساب بلادهم وشعبهم.

من خلال هذا التدخل المباشر في نظام الحكم بلبنان، تنتهك هذه الدول أيضًا التزاماتها الذاتية بالقوانين والمعاهدات الدولية.

حق تقرير المصير مكفول في ميثاق الأمم المتحدة و”العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” و”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”. إيران وسوريا ولبنان دول أعضاء في هذين العهدين، كما أن السعودية تنتهك التزامها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وهي إحدى الدول المؤسسة للأمم المتحدة ومن أوائل الموقعين على ميثاقها. أحد أمثلة انتهاك السعودية الصارخ لهذا الميثاق كان احتجازها لسعد الحريري رئيس وزراء لبنان وإجباره على الاستقالة.

يمكن لهذا الانتهاكات الشديدة الوضوح أن تكون مرتكزًا لتوسيع الحراك اللبناني ليشمل العمل في أروقة الأمم المتحدة للمطالبة بوقف تدخل الدول الأخرى في لبنان، وإدانة هذه الدول بانتهاك التزاماتها الدولية، وربما استصدار قرار أممي متعلق بهذا الشأن، بالإضافة إلى مجابهة السياسيين اللبنانيين الذين يسهمون في هذا التدخل.

ترافقُ الحراك الشعبي بخطوات فعلية على مختلف الأصعدة، لإعادة الوطن إلى أبنائه، ضرورة وأولوية، كي لا يبقى الحراك مجرد مظاهرات شعبية بلا خطوات إجرائية لتنفيذ مطالبه.

قد يكون اتفاق الطائف أتى في إطار إنهاء الحرب الأهلية في لبنان حينها، لكن اليوم وبعد 30 سنة يبدو أنه تحول إلى محرك للحرب بين الشعب والطبقة الحاكمة.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي